الايمان الحقيقي بالله ... شعار الثورة والتغيير الاصيل
علي الكندي
لاشك لدى كل مسلم ان القوة الوحيدة القاهرة في الكون المتسلطة والمتمكنة والقادرة على تحريك كل مافي الكون دون ان ينافسها منافس هي قدرة الباري عزوجل ، لكن المؤسف حقا ان تبقى هذه البديهية هي حبيسة التفكير فقط ونتاج من نتاجات التنظير في الذهن البشري او الذهن الاسلامي ، ولم تنطلق هذه النظرية لتتحول الى عقيدة تنطلق منها الحكومات والشعوب لاصلاح نفسها او لمواجهة اعداء الانسانية ومن يحاولون تغيير خلق الله بأيديهم الا في ازمنة وحالات متناثرة هنا وهناك ،ولم يتحرك قلم التغيير بذلك الدافع الا وكان يسير معه جنبا الى جنب تفكيرات ومصالح وغايات اخرى لا تقل اهمية لدى الثائر او المحرر عن تلك النظرية ، وفي حقيقة الأمر ان الايمان بالله ايمانا بقدرته وايمان بسلطانه وايمانا بأنه الناصر والمدبر والحكيم والقاهر والجبار يولد لدينا الاندفاع نحو تغيير كل فاسد وتقويم كل انحراف مهما كان حجمه والعمل على تحصيل الوسائل والسبل التي تحقق لنا ذلك ، لكن الايمان الذي لايتعدى ان يكون ايمان عبد بوجوب طاعة سيده في مايريده من عبادات او شيء من المعاملات والسلوكيات البسيطة ، فهذا ايمان لم ولن يكون قادرا على خلق التغيير الحقيقي في الارض وخلق الدولة العادلة التي تعيد الحق الى نصابه وتملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت وستملأ ظلما وجورا .
لقد ورد في الاحاديث النبوية (ان المؤمن القوي خير واحب الى الله تعالى من المؤمن الضعيف )في اشارة واضحة الى قوة الايمان لا الى قوة الجسد او البنية ، فالايمان القوي هو الايمان الذي وعى حركة الدعوة الى الله تعالى ووعى اهدافها وغاياتها ولم يبق عليه سوى ان يفكر هو ومن معه في الامة في تطويع الوسائل والسبل لتحقيق تلك الاهداف والغايات ، والقوة في المؤمن شيء ضروري مرة لنشر ايمانه وما تعلمه عن الله تعالى ومرة في المحافظة على دينه او على نفسه كأمة او كفرد ومن هنا طرح مفهوم الجهاد بشقيه الاصغر والاكبر فالجهاد الاسلامي هو المظهر الحقيقي للايمان الحقيقي الايمان ذو القوة الذي يحبه الله تعالى ولهذا ورد في فضل المجاهد في سبيل الله عشرات الاحاديث التي تعطيه من الفضل والكرامة والشرف مالم يناله المصلي حتى وان قضى دهره قائما وقاعدا ، وبناء على ذلك اخواني فقد عملت السلطات المتلاحقة والمختلفة منذ رحيل النبي الاكرم صلوات الله وسلامه عليه على اضعاف هذا الايمان واعدام وجوده في المجتمع فالحكام الامويون والعباسيون وغيرهم يتفحصون بدقة شخصيات معارضيهم ومايحملونه من ايمان فان كان من النوع الاول وهو الايمان بالله تعالى الذي يملأ صاحبه قوة وقدرة مستمدة من الله تعالى تهيء نفسها ومجتمعها للنهوض والاصلاح والتغيير والجهاد ان تطلب الامر فانهم قاتلوه لا محالة ، وان كان الايمان هو مجرد ايمان بالصلاة وقراءة القران وسائر العبادات الاخرى فهذا لا يعنيهم لانه لا يسبب لهم لاضررا ولا حرجا في مسيرتهم الاستكبارية والاستعمارية ، لاحظوا معي نموذج من نماذج تعامل الحكام الظلمة والعتاة المستكبرين مع الشخصيات الاسلامية ذات الايمان المتنوع
(قال ابن الجوزى في التذكرة ص 134: وكان معاوية قد قال ليزيد لما أوصاه انى قد كفيتك الحل والترحال، وطأت لك البلاد والرجال، وأخضعت لك أعناق العرب وانى لا اتخوف عليك ان ينازعك هذا الامر الذى أسست لك الا أربعة نفر من قريش: الحسين ابن على، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمان بن أبى بكر. فأما ابن عمر، فرجل قد وقذته العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك، وأما الحسين فان أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه، فان خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة، وحقا عظيما. وأما ابن أبى بكر، فانه ليست له همة الافى النساء واللهو، فإذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله، واما الذى يجثم لك جثوم الاسد، ويطرق اطراق الافعوان، ويراوغك مراوغة الثعلب، فذاك ابن الزبير، فان وثب عليك وامكنتك الفرصة منه فقطعه اربا اربا،))فهذا النص تحليل لوجهة نظر معاوية وخلاصة تجاربه في التعامل مع الخصوم فويمكن قراءة النص بالشكل التالي
اولا : تيينه لأبرز واجهات الامة في ذلك الوقت
فمعاوية لم يعط لولده يزيد قواعد امة في التعامل مع المجتمع وانما شخص له رؤوس الامة وكبار اقطابها اربعة او يزيدون بمعنى ان هؤلاء هم اقطاب الحركة المهمة والتي يتاثر بها الناس .ولا اريد ان اذكر اسباب التاثر
ثانيا: شخص نوع الايمان في كل واحد منهم
فهو لم يوص ابنه في ان يتعامل معهم على حد سواء بشكل واسلوب واحد وانما بين له ان كل واحد من هؤلاء له طريقته التي تلائمه ولايمكن الاستفادة منه والامان من خطره الا بتلك باخذ نظر الاعتبار تلك النقطة
ثالثا : نقاط الاشتراك والاختلاف
كل من ذكرهم معاوية يتميزون انهم يحملون من ملامح الايمان وعوامل الدعم الاخرى ما جعلهم يمثلون واجهات دينية عتيدة فبالرغم من ان واحد منهم له تراثه الاجتماعي والديني وارتباطه بشخصية لها اثرها وواجهتها الا انهم دعموا ذلك بايمان وعبادة وصلاح عملي حتى عرف عنهم انهم اهل صلاة وقراءة قران وعبادة ونحو ذلك . لكن الاختلاف الوحيد ان منهم من يهتم لامر المنصب اكثر من الاكتفاء بامر السمعة والصيت كابن الزبير لذا فقد حذر منه ، والاخر هو الحسين لانه ينتهج منهجا يتعارض في اول لحظاته مع حكومة يزيد
الحسين عليه السلام واختلافه عن القوم
الحسين عليه السلام على الرغم من انه وضع في القائمة بترتيب متاخر الا انه المقصود بهذه القائمة فاولئك الاشخاص معروفة اهدافهم التي يطمحون ان يصلوا اليها ولا يتجاوزونها فبامكان يزيد ان يتعامل مع هذه المشكلة بحنكة خاصة مع وجود مستشارين اكفاء لديه ، فالحسين ابن علي ابن ابي طالب ذي التاريخ المجيد والمعروف في الصبر والتحمل والحكمة والقوة والباس والذي ورث اولاده القيام من اجل الحق مهما كلف ذلك من ثمن فلن يكون الحسين عليه السلام اقل شانا من اباءه واجداده فلابد ان يكون له الموقف الصعب والمعرقل اضافة لما يملكه من سلطة روحية وتاثيرية لانه لايوجد على وجه الارض من يملك نسبا كنسب الحسن والحسين هذا من الناحية الاجتماعية والعرفية وكذلك الالهية كالدعم النبوي والرفعة التي كان يوليهما الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا سيحتاج من معاوية ومن ابنه حلا حازما عاجلا لان الحسين عليه السلام وثلة الباقية من المؤمنين ( الذين عمل على تصفيتهم معاوية مسبقا ) سيبقى يمثل جبهة الرفض للسلوك المنحرف لحكومة يزيد والتي اخذت تتحول بشكل علني الى حكومة اسلامية العنوان جاهلية طاغوتية ملحدة المظهر والجوهر فعمل معاوية على اعطاء جرعة الحل بصورة مبطنة في وصيته ، وتركيزه على الحسين عليه السلام وضرورة معالجة الموقف حيث قال له عن الحسين انك ان ظفرت به فاصفح عنه وكان الحسين عليه السلام كان مجرما في نظر معاوية وهو نوع من التثقيف على تجريم الحسين عليه السلام مسبقا اما عن ابن الزبير فقال (واما الذى يجثم لك جثوم الاسد، ويطرق اطراق الافعوان، ويراوغك مراوغة الثعلب، فذاك ابن الزبير، فان وثب عليك وامكنتك الفرصة منه فقطعه اربا اربا ) وفي الحقيقة هذا العلاج لم يكن لابن الزبير فقط وانما كان للحسين عليه السلام اولا لانه قال مسبقا انه سيلتف حوله الناس ويدعونه لكي ينصروه فان ظفرت به اي ان بايعك وامنت من شره فاصفح عنه ولو لفترة حتى تقتله بشكل خفي كما قتل هو الحسن عليه السلام بعد كسب المعركة ومعاوية يتوقع من الحسين انه لن يصبر على فسق وظلم يزيد الذي شاعت اخبارهد فسقه ومجونه وارتكابه للمحرمات ، وموقف الصفح كان لكسب الوقت ليس الا والا فان الحسين عليه السلام لابد ان يقتل لانه لن يسمح ليزيد ان يسير بطريقته المنحرفة بحكومة الاسلام وبنفس الوقت فان يزيد سيزداد فسقا ومجونا وانحرافا ، ويمكننا قراءة هذه النتيجة من كلمة الامام الحسين عليه السلام وهو يقرر النتيجة الحتمية التي تنتظره (اني مقتول لا محالة )
فالذي كان يخيف معاوية هو ايمان الحسين وليس قرابة الحسين او جسم الحسين او شكل الحسين وانما ايمان الحسين عليه السلام ومعاوية يعلم ايضا ان الايمان ظاهره العبادات المتعارفة لكن واقعه الاصلاح والثورة على الخطأ بدا من النفس وانتهاء بالمجتمع وهذه فلسفة الاسلام في بناء المستقبل العالمي الموعود ، الايمان القوي الذي يريده الله تعالى ان يكون مشعلا للهداية واللاصلاح والتغيير وكان معاوية يعلم تمام العلم ان اولئك لم يكونوا يحملوا الايمان المطلوب بل ايمانهم قشري لايتعدى (كثرة الصلاة وقراءة القران )في حين ان معاوية لم يصنع مع اولئك كما صنع مع الحسين بل تركهم لانه لا يخشى من ايمانهم فايمانهم مقتصر على العبادة والتنسك ولا علاقة له بالامة وما يحصل فيها من خراب ودمار وفساد وجوع وقتل وارهاب ، ونحن لا نريد ان ندخل في تفاصيل ذلك الايمان .
ونظير ذلك مع شهيدنا المقدس السيد محمد باقر الصدر قدس سره اذ ان طاغية زمانه اختاره دون غيره ، من زملاءه ومن اقرانه وممن درسوا او درسوا معه وعاصروه لكنه لم يابه بغيره وانما كان نظره الوحيد مصوبا نحو السيد محمد باقر الصدر لانه في نظره وحده من يملك الايمان الذي سيبقى خطرا على ملكه وعلى حكومته وطغيانه ولهذا فانه قرر ضرورة تصفيته مهما كلفه ذلك ، اما الاخرون من رفاق الشهيد من مماثليه ومعاصريه فقد اكتفوا بالدراسة او العبادة وقراءة القران ،ولما ادرك الشهيد انه كجده مقتول لا محالة اراد ان يكون لاستشهاده الشرارة الاولى لتحريك الامة او على الاقل ان يكون استسشهاده كحياته مرحلة فكرية وتاريخية من حياة الامة الاسلامية ، فان الشهيد رحمه الله عرف هذه النتيجة لذا فقد اصر على رفض كل محاولات التهدنة والهدننة مع صدام فاختار القتل على يد اعتى طاغية ليكون رفضه هو اكبر عملي جهادية يقودها وتحقق ثمارها اولا واخر وستسجل على جبين التاريخ نورا لكل الاحرار والثائرين والمؤمنين المجاهدين ووصمة عار على كل الخائنين والمعادين والمغتصبين .
ولذا فان روح وطبيعة الصراع في كل مرحلة تاخذ هذا الشكل فان الاستعمار والقوى الاستكبارية تتعامل مع الايمان الحقيقي كما تعاملته مع الحسين عليه السلام وسيبقى المتظاهرون انهم كالحسين في امان بل سيستثمرون لخدمة المشروع الصهيوني المشؤوم .
وفي زماننا هذا نحن بحاجة الى نعلم اجيالنا الايمان الحقيقي الايمان الواعي الرسالي لا الايمان الخاوي المبني على صور ومظاهر شكلية لا تنجب فينا اي مولود من مواليد التغيير والاصلاح بل ستبقى ولاداة امتنا مشوهة وسقط لاننا في قبال مراحل مهمة وخطيرة من مراحل الصراع بين الحق والباطل بين الايمان الحقيقي والكفر والالحاد الذي يريد تصفية الوجود الاسلامي الاصيل باي طريقه وهو روح الصراع مع الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ولذا فان هذا الصراع نحن نسميه بعرفنا المهدوي التمهيد للامام مقابل الهجمة الطاغوتية اشرسة التي تقوم بها المنظمات الاستعمارية لمحاربة هذا المشروع الالهي فهناك مشروع عالمي موهوم هو دولة الفرات الى النيل ودولة حقيقية هي دولة الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه وهذا الصراع اخوتي الاحبة يحتاج الى اعداد وتهيئة للامة اولا ثم ينطلق ليصحح الكثير من الافكار والخطوات للمسير في هذا الطريق المقدس ،امل ان يكون هذا المقال فيه بعض الاشارات المهمة لتصحيح الكثير من التصورات الخاطئة والتنبيه الى مخاطر ومواقف مهمة
التعليقات (0)