ليس عندنا شك أنه كان وراء إنقلاب ستمبر 1969 المشئوم أيادي خفية أجنبية خططته ونفذته مخابرات أجنبية معروفة وقد تكون الدول التي ساعدتنا من التخلص مشكورة من نظام القذافي اليوم لها دورمعين في مساعدة إنقلاب ستمبرالمذكور بشكل أو باخر . وقد حاولت البحث في الوثائق البريطانية عن دورهذه الأيادي الخفية الأجنبية في إنقلاب ستمبرالمذكورفلم أجد شيئا صريحا ، سوى تلميحات بعض الدبلوماسيين البريطانيين عن إحتمال وجود دور للمخابرات الأمريكية على مستوى محلي. ولا شك أن الحكوكة البريطانية لا تنشرعادة الوثائق الهامة التي تسئ ألى علاقات بريطانيا مع السياسيين الأحياء الذين لا زالوا في الحكم . ونأمل بعد إنتهاء حكم القذافي أن تبادر الحكومة البريطانية بنشر كل وثائقها عن ثورة ستمبر 1969 حتى تتاح الفرصة لكتاب التاريخ الرجوع ألى مصادر موثوقة قي هذا الصدد . كما نأمل من ثوار 17 فبراير أن يبحثوا في وثائق عهد القذافي ونشر أية وثائق يمكن العتور عليها عن هذه الأيادي الخفية التي ساهمت في إنقلاب ستمبر المشئوم وتعاونها مع نظام القذافي في الفترة التي تلت أحداث ستمبر . أن إحداث إنقلاب ستمبر المشئوم تمت بتخطيط ودقة وسهولة تجعلها موضع تساؤل . صحيح أن البلاد في العهد الملكي كانت مفتوحة يتمتع فيها المواطنون بحرية الأتصال مع الخارج والتنقل وبعض الحريات الاساسية التي لا تتوقر في البلاد العربية الأخرى في تلك الأونة . وكان جانب تسامح الحكومة والصفح المبالغ فيهما مع المعارضين للنظام ومع كل من حاول القيام بالأنقلاب أو خطط له علنا وسرا وأستطيع أن اقول أنه لم ينفذ حكم أعدام في ليبيا قي فترة العهد الملكي إلا مرة واحدة. وكل من حكم عليه بالاعدام أوقف تنفيذ الحكم لأسباب حالا ت المجرمين النفسية وعفو الملك. هذا التسامح والصفح خطر في السياسة ساعدا أصحاب الطموح مثل تلك الطغمة الفاسدة الجاهلة من ضباط الجيش الليبي بقيادة شخص معقد مخبول إستغلت الأوضاع المستقرة للوتوب على السلطة في ستمبر 1969. وقد تمت عملية الأنقلاب بسهولة وتم القبض في الأيام الأولى على جميع من تولى منصبا عاما من رؤساء الهيئات الدستورية التشريعية والتنفيذية والوزراء ووكلاء الوزارات والنواب المنتخبين وكبارصباط الجيش والأمن الكبار وأحال معظم السفراء ورؤساء الادارات وعمداء كليات الجامعة والهيئات العامة على التقاعد . أي كل الذين كانوا في السلطة والسابقون منهم طوال العهد الملكي مع إستتناءات قليلة جدا . والغريب إن إعتقال هذا العدد الضخم لم يؤثرفي تسييرالامورفي الأدارة فقد حل موظفون محل زملائهم المعتقلين من كبار الموظفين وواصلو ا تسيير الاعمال . وهذ يرجع إلى كفاءة الأنظمة الأدارية التي كانت سائدة في العهد الملكي رغم حداثة إستقلال البلاد . .ولم تجد طغمة إنقلاب ستمبر أية مقاومة لأن جميع المسئولين المدنيين في العهد الملكي كانوا غير مسلحين وليس لهم حراسة على الاطلاق فهم في أمان في عملهم وبيوتهم ولاكتائب خاصة لهم ولا إستنهاض قبلي مسلح كما عمل مسئولي نظام القذافي . أما ضباط الجيش والأمن السابقين فقد وقعوا في خديعة لانهم كانوا يتوقعون حدثا داخليا رسميا فلم يتحركوا حتى سيقوا جميعا الى السجن . حتى رجال القبائل في شرق ليبيا وغربها والذين قاوموا الأحتلال الأيطالي مقاومة شرسة والذين كانوا يلعبون دورا في العهد الملكي أختفوا في نجوعهم ولزموا بيوتهم ، ولم نسمع منهم سوى التسابق لـتأييد الانقلاب . وهذا يقلل من أهمية فزاعة القبلية التي نسمع ترديدها اليوم. أما الشعب فقد ساده وجوم مخيف طبعا بأستتناء الأطفال والشباب المؤيد للرئيس عبد الناصر رحمه الله ، أوالذين لا مسئولية وطنية لهم ، وطلاب الفوضى في أي إختلال أمني ، فقد رحبوا بالأنقلاب بأمل عسى أن يكون إنقلاب ستمبر البغيض إمتدادا للثورة القومية التي كان عبد الناصرينادي بها ، هذا الامل تلاشى كالسراب بعد إستقرار الأوضاع ومنذ السنوات الاولى . هكذا تم إنقلاب ستميرالمشئوم بسهولة وقبله في سنواته الاولى جميع الليبيين الشباب مخيريين والكهول والشيوخ مضطرين . واقترح أن يحاسب كل من شارك في إنقلاب ستمبر وأنتهك حقوق الأنسان في تنفيذه وهي جرائم لا تسقط بالتقادم . ومن أهم الأسباب الرئيسية التي ساعدت إنقلاب ستمبر المشئوم كان التشردم بين الشعب والحكومة نتيجة إلغاء الأحزاب ، ونزاع وتناقس على السلطة بين الاقاليم ، وبين القبائل ، وأنقسام قوات الأمن بين الشرق والغرب وإنعدام السلطة المركزية بغياب الملك إدريس رحمه الله . ورغم إعلان ألملك إدريس لوحدة ليبيا سنة 1963 لكن هذا الاعلان لم ينفذ عمليا لأسباب كثيرة وكان سبب التشردم والانقسام . أن أوضاع ثورة 17 ستمبرالمباركة تختلف كثيرا عن إنقلاب ستمبر المشئوم . فهي ثورة مشروعة أطلقها شباب ليبيا المؤمن ببلده على الظلم والطغيان الذي عاشه تحت حكم القذافي المظلم والمنغلق لفترة 42 عاما . العهد البغيض الذي شاب فيه الطفل الرضيع ولم يعد أكثر من80% من الليبيين يعرفون حكما غيره ولا تاريخ بلادهم العظيم. واليوم وقد زالت نشوة نجاح الثورة وظهرت بوادر الخلاف حري بنا أن نجعل من دروس إنقلاب ستمبرالبغيض وعهده الفاسد درسا لنا في المراحل الأولى من ثورة 17 فبراير المباركة . فنتوحد وننسى خلافاتنا الأيدولوجية، وإنتمائتنا الاقليمية والقبائلية، تحت لواء علمنا الوطني في ليبيا الموحدة . ونوطد أمن بلادنا ونننظم أنفسنا ونختار خيارنا من أهل الثقة والكفاءة والخبرة لتسيير أمور البلاد ، ونتذكرالأخطار التي تحيط بنا حتى لا نفجأ بفرد أوفئة من أهل الطموح الشخصي تحت مسمبات كثيرة وهم كثيرون تقفز في ليلة بلا قمر، لا قدر الله ، على الحكم . ويساق شباب ثورة 17 فبراير ورجالها إلى القتل والسجون. أقول هذا حتى لا يعيد التاريخ نفسه ولا نرجع ألى حكم الفرد أو حكم الفئة والذل والهوان بعد هذه التضحيات العظيمة التي سجلها شبابنا في تاريخنا المعاصر .
التعليقات (0)