في المحاكمة التلفزيونية التي سبقت اعدام الرئيس الروماني شاوشيسكو..كان الديكتاتور يطالع بين الحين والآخر بارتباك في ساعته اليدوية في علامة فسرت على انتظاره لنجدة ما قد تأتيه بين دقيقة واخرى ولكنها عزّت عليه وقتها..وهذا ما يمكن ان نصدقه..ولكن ان ينتظر رئيس اشارة ما من السماء ..مع وجود ثمانية ملايين صوت زاعق مطالب برحيله الفوري..ولمدة شهور..فهذا مما لا يمكن استيعابه..
بعيد جدا عن الواقع..ومثير للاسى ..وبالغ الاسف..كان ذلك الخطاب الذي القاه الرئيس مبارك واعتبره كعرض اخير يقدمه للمعارضة الوطنية والشعبية المرابطة في الشارع لحين انجاز مشروعها الوطني الطليعي باسقاط نظامه والانطلاق بعمل تأسيسي يؤدي الى تكوين نظام ديمقراطي تعددي مبني على قيم العدالة وحقوق الانسان ..
خطاب لا يوحي بعدم القدرة على استقراء نتائج الحراك الشعبي العظيم بقدر ما يشي بسوء فهم مأساوي لطبيعة النظام الذي يسير عليه كوكب السياسة العربية الفريد..ويثير الارتباك عن مدى الخفة التي يتعاطى بها الرئيس مع هذا الامر الجلل..
خطاب لم يحاول فيه الرئيس فيه ان يعتذر عما سلف..ولا اعتذر عن اخطاء..او حتى هفوات..لا له ولا النظام.. بل عبارة عن سلسلة من التوبيخ والتقريع للشعب الجاحد الذي عض على الايدي التي هدهدته لعقود..واتهام واضح وصريح للشباب المصري الثائر باثارة الفتنة والشغب واعمال السرقة..خطاب لم يحمل اي نبرة تصالحية مع الشعب.. ولا حتى ترحم على شهداء الانتفاضة المباركة..ولم يعد بتشكيل لجان للتحقيق في الاحداث..بل كان مطالبة فجة لتنظيم حفلة اعتزال طويلة تمتد لستة اشهر تهئ لمغادرة بروتوكولية احتفالية يختم بها مسيرته المعتقة في الحكم..
نتفهم..نتفهم تماماً..ان لا يستطيع الرئيس ان يتلمس مطالب شعبه..فهي من سنن الحياة السياسية العربية..فالشعب لم يصنف كمطالب في قواميس ودهاليز واقبية وسجون الحكم العربي البغيض..
لكن الصدمة الحقيقية كانت في ضعف المهارات اللغوية للسيد الرئيس والذي كان يحب ان يرطن بها بين الوقت والآخر في مؤتمراته الصحافية العرائسية العديدة..فكيف لم يستطع ان يفهم الرسالة الامريكية الواضحة له بالرحيل والتي نقلها له المبعوث الخاص للرئيس اوباما..تلك الرسالة التي كتبها الامريكان عن يدٍ وهم صاغرون..تحت خطر انسحاق استثمارهم السياسي والامني والاقتصادي في مصر تحت اقدام ثوار شباب مصر الابطال..واين كان المترجم وقتها..الامر الذي دعا الرئيس اوباما لقطع غذائه ليبلغه ان التغيير يقصد به الان وليس بعد شهور..
شهور قد لا يجدها الرئيس كافية بعدها لاجراء ترتيباته التي قد تخفف من الحكم الذي سيصدره التاريخ على فترة حكمه..ذلك التاريخ الذي لا تريد ان تغادر كرسيك الا وانت كتبته كما تشاء واخذت الايمان الوثاق المغلظّة ..بعد الغسل سبعاً احداها بالتراب.. ان لا احد سوف يمسه حتى المطهرون..
كم يهتم حكامنا بالتاريخ..وكم يبذلون مقابل ما يكتب عنهم ..ولا نعلم كيف يطمئنون اليه وهم يعيدون كتابته كل حين..كم بدوت جذلا يا سيدي لشعار انك اول رئيس منتخب في تاريخ مصر..ذلك اللقب الذي اطلقه عليك جوقة الهتيفة المداهنين الذين اورثتهم سحتاً مقاليد الاعلام المصري الوطني الشريف.. ولكنك يا سيدي..وللاسف الشديد..لن يذكرك التاريخ بعد الان..الا كاول رئيس يستلم كتاب انهاء خدماته من رئيس آخر على الهواء مباشرة وعبر الاقمار الصناعية..فهنيئا لك..
التعليقات (0)