نعلم جميعاً أن الملك بيد الله، وهو من يمنحه لمن يشاء من عباده، أو ينتزعه ممن يشاء، فلا راد لقضائه ولا مغير لحكمه، وما نراه من ثورات قامت في بعض الدول العربية لتغيير أنظمتها الحاكمة ما هو إلا سبب أراده الله لتنفيذ حكمه في خلقه.
منذ بداية إنشاء حركة السادس من أبريل، والقبض على إسراء عبدالفتاح مؤسِستها، ومقتل الشاب خالد سعيد على يد زبانية الأمن، وإنشاء صفحة «كلنا خالد سعيد» على يد الشاب وائل غنيم، الذي أصبح فيما بعد زعيماً ثورياً، وكان سبباً في إشعال فتيل الثورة المصرية والإطاحة بالنظام الحاكم، ما كنا نتخيل أن يرحل عنا بكل هذه السهولة واليسر، رغم جبروته وكبريائه المعهودين.
ضرب المصريون أروع الأمثلة في ثورتهم، وكانوا مثالاً يحتذى في علو الهمة والأخلاق، حتى إننا طالبنا بأن تدَّرس للطلاب في مدارسهم وجامعاتهم، ليأخذوا منها العبرة والعظة، ويعلموا أن من قام بالثورة هم شباب شرفاء، محبون لوطنهم، يريدون له الخير، لم يستغلوا الانفلات الأمني الذي أحدثه ترك الشرطة مهام عملها في السرقة والبلطجة.
ما يحدث في مصر الآن هو بحق انفلات أخلاقي قبل أن يكون أمنياً، فكلٌ يغني على ليلاه، والكل مشارك فيه، ولا أستثني من ذلك أحداً، سواء كان مسؤولاً أو معارضاً أو محايداً.
ارتفاع أسعار السلع التموينية ومواد البناء.. بيع السولار في السوق السوداء بأضعاف ثمنه.. بيع إسطوانات الغاز خارج منافذها.. شح الخبز المدعم.. ازدياد البلطجة.. انتشار السلاح غير المرخص ... كلها وسائل تنبئ بما هو أسوأ، وكلنا مشارك فيه سواء بالسكوت عنه، أو عدم الإفصاح عن مرتكبيه.
جميعنا يلقي اللوم على الحكومة والمسؤولين وصنَّاع القرار، ونسينا أننا المتسبب الأول والرئيسي فيه، لأننا نَحَّيْنَا الأخلاق والدين جانباً من أجل تحقيق مصالحنا الشخصية، وألقينا مصلحة وطننا في سلة المهملات، وأصبحنا أعداءه بعد أن كنا أحباءه.
ما يحدث في مصر الآن من خسائر في الأرواح والممتلكات، هو تدمير للأخلاق قبل الاقتصاد، ونذير شؤم، وعارٌ على كل من شارك فيه، لأن خسائرنا تزيد وتزيد، ومع ذلك لم ننتبه، ولم نحاول تغيير أنفسنا، بعد أن غيرنا نظامنا الحاكم، ظناً منا بأننا نعيش في عصر الديمقراطية، ومن حقنا أن ننتهك حقوق الآخرين.
بعد أن كنا ننتقد على النظام السابق وأعوانه الفساد وسوء الإدارة، أصبحنا فاسدين مثلهم، لأننا سرنا على خطاهم، وحولنا بلدنا الغالي إلى حلبة للصراعات السياسية والفئوية والبحث عن المصالح الآنية.. أصبحنا نعيش في غابة، الغني فينا يأكل الفقير، والقوي فينا يأكل الضعيف، ونسينا أن هناك إلهاً قادراً على الانتقام منا بذنوبنا التي بلغت عنان السماء.
ظن كثيرٌ منا أن الديمقراطية معناها البلطجة، والسرقة بالإكراه، والاعتداء على الآخرين، ويطبقها حسب هواه، على الرغم من أنه لا يعرف معناها، ولو علمه لما تمناها، لأنها ستضر به وبمصالحه الشخصية، لأنها تدعو إلى تطبيق القانون، والمساواة في التعامل، واحترام مشاعر الآخرين.
إذا كنا نحب وطننا، ونريد تطبيق الديمقراطية، علينا أن نتقي الله فيه، ونحترم الدستور والقانون، ونغيّر من أنفسنا قبل أن يغيرنا الله، ونصحح أوضاعنا، ونساعد الآخرين على تحقيق ذلك بالصورة الصحيحة، لكي نخرج من هذا المأزق بسلام.
أسأل الله أن يصلح حالنا، وأن يبارك في شبابنا وشيبنا، وأن يحفظ مصر وأهلها، وأن يكتب لها السلامة من كل مكروه وسوء ... إنه ولي ذلك والقادر عليه.
محمد أحمد عزوز
كاتب ثوري مصري
التعليقات (0)