الانفصاليون..
قرأت ذات مرة قصة في مقالة صحفية لست اذكر كاتبها تقول :
كان رجل يركب حمارا في الصحراء ، صادف في طريقه رجلا منهك القوى من المسير ، أشفق عليه ، فاركبه معه على الحمار ، بعد مسير طويل قال الرجل لصاحب الحمار :
حمارك قوي وسريع ....... فسكت صاحب الحمار ..... وبعد مسافة أخرى قال الرجل لصاحب الحمار : حمارنا لا يتعب !.
نظر صاحب الحمار إلى الرجل وقال له : انزل فهذا فراق بيني وبينك .
تعجب الرجل من قول صاحب الحمار وقال له : ما الذي حدث ؟ هل أسأت الأدب أو بدر مني ما يزعجك ..
فقال له صاحب الحمار : في البداية قلت حمارك .. ثم قلت حمارنا .. واني لأخشى أن تقول بعد قليل حماري وتنسبه إلى نفسك .. إلى هنا .
نعم .. تنبه الرجل صاحب الحمار إلى الخطر الذي يتهدده من الرجل .. واحتاط للأمر .. وتصرف بما يحفظ حقه .
تلك هي المعضلة ، المحافظة على الحقوق ..لم تتمكن دولنا العربية وثقافتنا المتوارثة وعقلنا الجمعي الكلي ، من تقبل الآخرين المختلفين ..ولم تتمكن أيضا من دمج الأقليات العرقية والدينية في بنيتها الاجتماعية ، لتتشكل قيم المواطنة الحقة ، بما يحفظ الحقوق والواجبات وبما لا يخل بهيكل الدولة العربية ذات الصبغة المميزة .. بقيمها وعاداتها وتقاليدها ..
فلم تتمكن دولنا العربية من دمج الأكراد والتركمان والكلدان والأرمن والأشوريين والدروز والغجر في بوتقة الوطن ، ولم يحس هؤلاء بطعم المواطنة على قدم المساواة مع مواطنيهم .. ولم تتمكن الدولة العربية من دمج الأفارقة والزنوج في بنية المجتمع لتشكل نسيجا متجانسا .. بل عملت على إقصائهم إلى أقصى حدود المواطنة .. فعليهم كامل الواجبات .. لكنهم بحقوق منقوصة .. ليس هذا من قبيل التجني على الدولة العربية القطرية .. ولكن الشواهد كثيرة والأدلة أكثر ...
الأقباط في مصر ..الأكراد في العراق وسوريا .. الأفارقة في السودان .. الأقلية العرقية في الصومال ..الامازيغ في المغرب والجزائر .. وليس بعيدا عن هذا وذاك ما يتعرض له العرب أنفسهم من سياسة الإقصاء والطرد والنبذ .. كما نشاهد في الخليج العربي الكويت مثلا وقضية البدون التي لم تزل قائمة إلى الآن ..
فمن أين نزلوا هؤلاء .. أو من أين خرجوا .. هل نزلوا ن القمر ؟ أم هل نبتوا كما الأشجار من الأرض .. أليس هؤلاء عرب .. أليس هم ببشر ومواطنون .
يعاني المواطن العربي في وطنه حالات من الغربة وتلك هي أقسى حالات الغربة غربة .. أن تشعر انك غريب في بيتك .. مطرود منه .. منبوذ ..
المواطنون العرب في دولنا العربية القطرية مواطنون بدرجات مختلفة .. وهذا أمر ليس فيه ما يستره بل هو مفضوح وواضح ..
وجدت في الأردن كيف تمكنت الحكومات على مر الزمن من دمج المواطنين في بوتقة الوطن الواحد من جميع الأصول والمنابت .. وكانت تلك مقولة تتردد باستمرار أن الوحدة الوطنية خط أحمر ..لم يحدث أن تم خرق هذه القاعدة الذهبية للعيش المشترك ..
حافظ الأردن على أن يكون وطنا للعرب جميعا .. تحفظ فيه الكرامة وتصان فيه الحقوق .. ولعل هذا سر لم تدركه كثيرا من الدول العربية بعد ، حيث تم دمج الأقليات في المجتمع في نسيج متجانس عز نظيره في المجتمع العربي .. مع المحافظة على الخصوصية التي تتميز بها كل فئة بما لا يخدش الوجه العام والصفة الموحدة .. وليكون الأردن نموذجا يحتذى في باقي الدول العربية .
أتذكر كتيب صغير لصادم حسين يتحدث فيه عن المواطنة ودمج الأقليات في المجتمع ( دون إبداء الرأي بصدام شخصيا ) انقله بتصرف واختصار :
يقول :
عند الحديث عن دمج الأقليات في المجتمع : يجب المحافظة على خصوصية كل فئة ، وعدم اغتصاب ثقافتها وفكرها وخصوصيتها ، فمثلا عند تقديم رقصة كردية ....... لا يجب أن نقول ( والقول لصدام ) هذه رقصة كردية وإنما نقدمها بلباس كردي ولغة كردية وفلكلور كردي ونقول هذه رقصة من شمال العراق ... بهذا يشعر المواطن العراقي من أصل كردي أنما هو كردي له ما يميزه لكنه عراقي .. ينتمي لتراب العراق .. يدافع عنه ويحميه ويجب أن تقدم له الخدمات .. نعم وتم منح الأكراد حكما ذاتيا موسعا بعد صراع مرير ، وليكون ذلك كأول مرة يتمتع فيها الأكراد بما يشبه الاستقلال .
إلى هنا قول صدام حسين .
نعم أرى في هذا التوجه والفكر ما يخدم قضية الاندماج في المجتمع .. ويحقق قيم غالية تخدم المجتمع ..
ومن هنا نسأل لماذا يطالب الانفصاليون بالانفصال... واليمنيون بالانفصال ... ولماذا يطالب جنوب السودان بالانفصال .. ولماذا الحركات الانفصالية والتمرد والرفض في الصومال .. وغزة ..ولماذا يطالب الامازيغ بالانفصال .. ولماذا يشعر الأكراد بالتمييز وعدم الرضا .. وما سر الصراع في لبنان .. وما أسباب الخلاف بين الكنيسة القبطية والحكومة المصرية .. وما الذي يثير الفتن والقلاقل في كل مكان .
هو شعور بعدم الرضا ..وشعور بالإقصاء .. والنبذ والطرد .. والتمييز ...وغياب العدالة .. وغياب القانون الذي يحتكم إليه المواطنون على قدم المساواة .
يكافح البشير هذه الأيام وحكومته وحزبه ومن والاه لجعل خيار الوحدة جاذبا والحديث عن انفصال الجنوب السوداني عن شماله .. وما عرف أن الجنوب انفصل منذ زمن يعيد .. منذ أن تم فصله وإقصائه .. منذ أن تم تهميشه ونبذه .. من أن تركه البشير ومن معه للجمعيات التبشيرية .. التي تعمل تحت ستار المنظمات الإنسانية والخيرية .. منذ أن تركه نهبا للموساد الإسرائيلي يعيث فيه فسادا .. وتدريبا للجيش الجنوب سوداني .. وإمدادا بالأسلحة وأسباب القوة والخبرة الزراعية القوية التي منم المسلم به أن الجنوب من أفضل بقاع العالم صلاحية للزراعة بسبب العوامل الجغرافية الملائمة ... نعم انفصل الجنوب سيادة الرئيس منذ أن تدخلت الولايات المتحدة بالتعاون مع غير المأسوف عليه جون جرنغ ..وسيء الصيت ( سلفيا كير ) بقبعته الغربية وكأنه راعي بقر أيام الاستعباد في الجنوب الأمريكي الاكثرتخلفا آنذاك ..انفصل الجنوب سيدي الرئيس منذ أن رفعتم السلاح في وجه بعضكم في حروب أهلية مسمومة مدسوسة انطلت حتى على الأذكياء من السودانيين في شماله وجنوبه .. انفصل الجنوب منذ أن علمت وعرفت أمريكا بالثروة البترولية في الجنوب وباقي المعادن .. ومنذ أن رأت الصين تستحوذ على استثمارات البترول فيه ..
اليوم نقول لك وبكل أسف ، المثل العربي البدوي :
ما ينفع العليق وقت الغارة .
ا و : لن فات الفوت ما ينفع دب الصوت ..
نصيحة محب :
لينفصل الجنوب وليتبعه من يريد الانفصال من شرق ومن غرب .... ولكن ليتم ذلك بأحسن صورة .. وأفضل وسيلة .. دونما حقد أو ضغينة أو كراهية .. وليتم وقد أبقينا حبلا من الود ممدود بيننا وبين من انفصل عنا .. فالمتربصون به وبنا كثر .. والطامعون ينتظرون اللحظة الحاسمة لافتراسه ....
وليتم الانفصال : وقد حفظنا حقنا في تقاسم الثروة والمياه .. وبما يحفظ حقوقنا في الأرض والسماء .. وبما يخدم أمننا وعمقنا العربي في السودان .. وبما لا يزعزع استقرار امن وسلام المنطقة ( السودان وجيرانها والقرن الأفريقي ) الذي لا يشتكي حاجة إلى المزيد من المآسي .
التعليقات (0)