جاء في الحديث الشريف:( إذا جاء رمضان فتحت ابواب الجنة، وغلقت ابواب النار، وسلسلت الشياطين)، ولئن کان هناك ثمة إختلافات محددة بخصوص"سلسلت الشياطين"، أي غلت بالاصفاد، بيد ان معظم الآراء الواردة او اقواها تقديرا، تکاد تجمع على انها"أي الشياطين"تغل بالاصفاد و القيود في هذا الشهر الفضيل مما يتيح للأنسان مساحة أکبر من انجاز فرائضه و عباداته ليخطو للأمام بإتجاه رحلة طويلة بقصد نيل درجة او درجات من التکامل.
الشيطان، او تلك القوة السوداء و الشريرة التي طالما بنى و يبني الانسان الکثير من الاساطير و الاحاجي المتباينة عنه وفي معظمها يرجع سبب إخفاقاته او نکوصه او تقاعسه او أخطائه او حتى حسناته في غير محلها، الى عهدة هذه القوة التي يبدو انها تحظى بجمهور عريض من ابناء آدم الذي جاء للوجود ليهد المنزلة التي کانت لها و يجعل بذلك من نفسه و ابنائه و احفاده أعدائا دائميين له حتى يوم القيامة.
الشيطان، الذي يبدو ان علاقته المختلفة الابعاد ببني البشر لم تنقطع أبدا وانما ظلت هذه العلاقة محل إضطراد و تقدم حتى وصل الامر بأن يجاهر الکثير من أحفاد آدم، ذلك الجد الاکبر للأنسان الذي أخرج من الجنة بعد أن أغواه الشيطان، ليس فقط بإنقيادهم للشيطان وانما حتى عبادته وليس هذا فحسب وانما أنبرى نفر آخرون من بينهم الکتاب و الفنانين و الساسة و العلماء و الصحفيين وغيرهم الى الدفاع عنه و تمجيده بزعم أنه ليس کما تصوره العقائد الدينية(الاسلامية و المسيحية و اليهودية و الزرادشتية) ککائن شرير و ضال و مضل للانسان، حيث أن کنيسة الشيطان تدعو علنا الى تمجيد العدو الازلي للانسان و تسعى للتأکيد على ان هذا الکائن يمثل قوة خيرة و هو صديق و نصير للانسان وليس العکس.
لکن، الغالب و الاعم و الاقرب و الاکثر شيوعا وقبولا بين المليارات الستة من أحفاد آدم و حواء الذين يعيشون على وجه البسيطة، هو ان الشيطان يعتبر الممثل الحقيقي و الاوحد لقيم الشر و الظلام بأسوأ معانيها، وسعى و يسعى الانسان وعبر مختلف الطرق منها على سبيل المثال لا الحصر، الاستعانة بالادعية و التعاويذ الدينية و طقوس أخرى مختلفة، بيد ان الشيطان، وعلى الرغم ماقيل و يقال من أنه"الاضعف"و"الافقر"لأنه ملعون أي وفق آراء الکثير من المفسرين وعلى رأسهم العلامة الطباطبائي، خارج دائرة الرحمة الالهية، فإنه مازال الحاضر الغائب دائما، ومع قدوم شهر رمضان، يترافق معه دوما الحديث عن تصفيد الشياطين بالقيود و إتاحة مساحة و فضاء"غير مشيطن"أکبر للانسان، ومايعني ذلك بالضرورة ان نسبة و مستوى الشر و الظلامية في المجتمعات الاسلامية لابد ان تنخفض الى حد ملحوظ يتناسب مع خلو الساحة من ذلك العدو الازلي الشرير، لکن واقع الحال لا ولم يدل مطلقا على ذلك بدليل ان الجرائم و الفظائع و الجنح التي يرتکبها الانسان في شهر رمضان، مازالت بنفس نسبة الشهور الاخرى! وهنا يطرح ثمة سٶال بالغ الاهمية نفسه وهو: إذا ماکانت الشياطين في الشهر الفضيل مقيدة في الاصفاد، فمن ياترى الذي يدفع بالانسان للإقدام على ارتکاب المحرمات و الجرائم و انواع المخالفات و الخدع و الجنح؟ ان إلقاء التبعة على(النفس الوامة)و(الامارة بالسوء) لوحده لن يکون مفيدا و منطقيا من حيث ان الدارج هو ان الشيطان هو الذي يقوم بالوسوسة للنفس الانسانية التي لم تزکى(قد أفلح من زکاها) فيدفعها دفعا للقيام بالموبقات و الافعال الشنيعة او ما يشاء من أمور أخرى، لکن الشياطين في الاغلال فمن يوسوس للنفس الانسانية؟ انه الشيطان الاخطر و الاکبر(مع الاعتذار للجمهورية الاسلامية الايرانية لإستخدام التسمية لأمر آخر)، الشيطان الذي فاق الشيطان الحقيقي في حيله و الاعيبه و جرائمه، وهو الانسان نفسه، والدليل على أن الانسان هو الشيطان الاکبر الانصع هو: هل سمع أو قرأ او شاهد أحدکم(حتى من أهل السحر و الشعوذة و الدجل أنفسهم)، شيطانا يواقع أبنته لسنوات طوال و ينجب منها کومة أطفال؟ من سمع منکم بشيطانة تقوم بدفن أطفالها الرضع في حديقة دارها او تقوم بتقطيعهم فتاتا و ترميهم في مجاري المياه! هل صادفتم شيطانا يقتل أباه و يذبح أمه من الوريد الى الوريد؟ واخيرا هل تبادر لذهنکم في جمهوريات و ممالك الشياطين المتناثرة هنا و هناك شيطانا ملکا او رئيسا يقوم بذبح شعبه من أجل أن يبقى في کرسي الحکم و السلطة؟
يروي أبن أبي الحديد في شرح النهج ان انسانا کان يرکب ناقة في احد الفيافي وهناك هاجت عليه الاحاسيس الجنسية فتبادر الى ذهنه مواقعة الناقة ولما کانت أطول منه ومن الصعب عليه الوصول الى مبتغاه بسبب من فرق الطول، تفتق ذهنه عن ثمة فکرة فوضع عصا بين القدمين الخلفيتين للناقة و ربطها باحکام ومن ثم صعد عليها ونال وطره من الناقة المسکينة، وبعد أن عاد الى رشده من ثورة و هيجان غريزته، وشعر بالندم و الذنب"کعادة الانسان دوما"، ولکي ينجو بنفسه من تلك العقدة و يجد تبريرا منطقيا لما إقترفه من فعل شنيع؛ ردد مع نفسه: الا لعنة الله عليك أيها الشيطان، فتجلى له الشيطان من فوره و خاطبه: بل لعنة الله عليك أنت، والله لو بقيت سنينا أفکر، لما خطرت لي فکرة کفکرتك هذه!!
التعليقات (0)