الانزلاق نحو العنف في تونس .... فخاخ النّار في تونس 1
1 مسألة التجمعيين
حصل الذي كان يخشاه الجميع سقطت روح مواطن تونسي ، و ليس هنا مهم رأي الطبيب الشرعي و لا ملابسات الوفاة و لا تصريح وزارة الداخلية و لا المزايدات . المهم أن انزلاقا حادا للعنف كان حافا بالموضوع، و كان طرفا فيه. لم تكن كذلك هذه أول جثة تصنعها أحداث العنف، لكنها المرة الأولى التي تشير إلى ما يمكن أن يحدث في قتال سياسي بين طرفين مهما كانت تصنيفاته الثورية . و ما يمكن أن يتخذ فيه التجاذب السياسي من أشكال العنف الحاد . فأحداث مدينة تطاوين ستلقي بظلالها على مسألة صراع على السلطة، يخشى أن يتطور إلى صراع وجود يكون فيه الموت فصلا و الدماء لغة و لونا طاغيا على الكلام و الحوار. صراع لا يبدو فيه إسلاميوا النهضة و حدهم لكنهم راس الحربة فيه و لا يبدو نداء تونس وحيدا فيه لكنه راس الحربة أيضا في استقطاب يبدوا ان الحياة السياسية ستكون مضطرة لقبوله و اللعب فيه .
يعتقد محمد و هو موظف بإحدى الإدارات العامة و عضو سابق في لجان حماية الثورة أن أكثر ما يهدد الثورة هم التجمعيون، وهو اختصار للمنتمين للحزب الحاكم في تونس، و يستدل على ذلك بان ما وقع في محافظة نابل؛ و هي منطقة سياحية هامة و تتميز بالهدوء الاجتماعي نسبيا بين متساكني حي سيدي عمر و متساكني دارشعبان الفهري. كان بتحريض من أزلام النظام السابق و قد وقع إيقاف الذين مدّوا النّاس بالمال من أجل التناحر يعتقد محمد كذلك أن كلمة "ديقاج " أو ارحل لم تكن كلمة مما يطلق عليها في تونس ب " كلمة هكَّاكا" لبيان ثانويتها لكنها كانت كلمة محورية و مركزية ضمن هتافات الثورة و أن جميع الأحزاب تحاول الالتفات عن هذا المطلب و لا تريد أن تحقق ما أرادته ثورة يناير 2011.
يتقاسم هذا المواطن رأيه مع قطاع كبير من التونسيين. لكن الأمر لا يبدو أبدا بهذه البساطة و هذا التوصيف الذي يحدد إطارا خاصا للعلاقة مع جزء من المجتمع السّياسي التونسي. علاقة قد يميزها هوس و مطاردة لشبح عودة أعداء الثورة و ربما إنتاج وهم خاص للصراع، خلق لعدو لم يكن محددا لكنه بدأ يتشكل داخل الحياة السياسية أي نداء تونس .فالمشكلة ليست في مئات الآلاف من منخرطي الحزب الحاكم سابقا، لكن المشكلة التي ينظر إليها جزء من الطيف السياسي هو تجمعهم من جديد. و إعادة إنتاج الحزب الذي يتواجد أعضاؤه القدامى بكثرة في مختلف دواليب الدولة، و الالتفاف على مكتسبات الثورة . فلا يمكن بحال إغفال حقيقة التداخل الشديد، و الانصهار بين الحزب الحاكم و الدولة و جميع مرافقها في عهد الرئيس المخلوع ، و قد شكل الأمر معضلة كبيرة حتى في اشد حالات تفجر الوعي الثوري. و هو ما مثّل تحديا لكل محاولات البسترة و التنقية التي حاولها الفاعلون على السّاحة .
كان واضحا أن الدّولة التونسية تمكنت من إنقاذ رجالها عبر الكمون أولا، ثم الاطمئنان و العودة إلى الكراسي و التشبث فيها تحت عناوين رجال الإدارة و رجال الدولة حتى أن مدار الثورة في فجرها الأول، لم يتعد الزهو بمنجزها في طرد الطّاغية، و حرق المنشآت التّابعة للحزب الحاكم و التشفي في مراكز الأمن بحرقها و نهبها . أعطى إذا جانب البيروقراطية مثالا ناجحا في مراوغة الاحتجاجات التي ساعد طابعها العفوي في بقاء النظام القديم في مسارب الدولة
لا تريد هذه الملاحظات أن تصادر الفكرة الأساسية التي يريدها المقال لكن تريد أن تؤطر حقيقة ان التجمعيين أصبحوا مدار جدل صارخ و تجاذب حاد ، بدأ ينذر باشتعال العنف في الكثير من المناطق التونسية . عنف خرج إلى نوع من الاقتتال الحقيقي و تفاقمت شبهات تكون مجموعات عنيفة ترسل رسائل غاضبة خاصة إلى عناصر تنسقيات نداء تونس و هو حزب جديد يقوده رئيس الحكومة السابق السيد الباجي قائد السّبسي، و تشتد تأكيدات كثيرة الوضوح استقطابه لمنتسبي الحزب المنحل من جديد رغم إنكار كوادره لكل ذلك .
فرغم علو اللّغط في مجالس حماية الثورة لمحاسبتهم و عزلهم من الحياة السّياسية إبان الثورة و استجابة الدولة بإصدار قانون العزل الأول الذي تم بموجبه إبعاد الذين اضطلعوا بمهام عليا في التجمع المنحل. و قد كان قانونا محدود الفاعلية لم يتمكن فعلا من اجتياز هذه العقبة و إبعاد شبح عودة النظام القديم و التمكن من بناء حياة سياسية نقية من آثار النظام السابق ، لأنّ العودة كانت عبر البوابات المفتوحة في الكثير من الأحزاب
الأخرى .
أدت المشاكل المتفاقمة التي واجهت الترويكا الحاكمة و عدم التمكن من ضبط الأمر في البلاد و عدم إدراك الحاكم الجدد مبكرا لضرورة توضيح معالم الفترة الانتقالية، و رسم المواعيد بدقة و تكاثر الأخطاء نتيجة نقص التجربة في إدارة الدولة و التشويش الذي نجحت المعارضة في خلقه . إلى اهتزاز صورة الإسلاميين من النهضة خاصة و هم عمود هذا الائتلاف لدى الكثير من أطياف المجتمع و اهتراء النسيج الانتخابي بصفة تدعمها القراءات الجادة، إلى حصول خلط لكثير من الأوراق و ضياعها من يد السلطة مما فاقم من حساسية قياداتها من مسالة التجمعيين. رغم أنها كانت شديدة البراقماتية في استقطاب الكثير من الكوادر المحسوبة على الحزب المنحل. و قد اثر ذلك بصفة واضحة في صدقيتها و جعلها تتهاوى أمام ممارساتها الانتقائية و تهافت خطابها حتى أمام أنصارها رغم محاولتها إرضائهم عبر حملة "اكبس" الفاشلة .
صار من الواضح أيضا، أن القوى المعارضة للحكومة أصبحت تبحث عن استقطاب جديد يزيد من فرص إحداث تغيير حقيقي في افرازات الانتخابات و دعم الاستقطاب و تجميع القوى. لذلك فهي تحاول جاهدة رصّ كل القوى الداعمة و يشكل التجمعيون جزء مهما منها و داعما لطموحاتها في مكان وازن في الخريطة السياسية و الوقوف ندا للنهضة و حلفائها.
يقف أنصار النظام السابق اليوم في قلب المحك فبينما تزداد حساسية الإسلاميين و الكثير من القوى الوطنية من تواجدهم، و محاولاتهم السياسية بتجييش و تنبيه الرأي العام أو القانونية عبر إصدار قانون آخر للعزل، و محاولة اغلب القوى الديمقراطية و العلمانية تثمير هذا الخزّان المهم من القوة الانتخابية رغم أن التجربة الأخيرة بينت أن الشّعب التونسي قد عاقب كل الذين تحالفوا مع بقايا النظام السابق .
نعرف جميعا أن الاستئصال لا يكون إلا بالعنف و الإرهاب و التصفية و القلع و هو أمر يتخذ غطاء خطيرا من المفاهيم الحافة فلا يمكن مواجهة الأمور بهذه الصفة لأنها ستكون ذات عواقب وخيمة ستصل إلى دوامة سفك الدماء. و اخذ أحد بجريرة آخر، و الوقوع في الفوضى و الانفلات لذلك فمن الخطير أن تتخذ أي جهة سياسية كانت أو أهلية قرار التصعيد و العنف، تجاه موضوع هو أحرى بالنقاش، ولعل سيد نفسه المجلس التأسيسي يسرع في حل المشكلة قبل استفحالها بإصدار قانون واضح المعالم يضع حدا لإفساد الحياة السياسية بعد الثورة .لأن انفلات الأمور وهو توصيف فقط لتبعات قانونية و اجتماعية و سياسية ،سيدخل البلاد في مزيد من الهشاشة الأمنية و أتون العنف و العنف المضاد و يسرع
في تأزم الأمور .
مرة أخرى تسجل السياسة انحرافها عن المعقولية و اختزال فعلها في الانتخاب فقط و تنسى أن الديمقراطية مسار طويل و تمرين متواصل يستغرق ما يستوجبه بناء المسارات و التاريخ . و الأخطر أن ينقسم المجتمع التونسي عوض الالتفات إلى المستقبل و رفع التحديات و يصبح فيه الدّم لغة و القتل على الهوية أمرا ممكنا بافتاءات السّياسة و افتراءاتها و اللّعب على حبل المصلحة العليا للثورة و البلاد و الدولة .
سعيف علي
تونس الحرة 2012
saiifali@yahoo.fr
التعليقات (0)