كثر الحديث عن المؤامرة الخارجية المرافقة للانتفاضات العربية . وصارت هذه الفكرة تشكل فزاعة تخوف من استمرار هذه الانتفاضات , بل والدفاع عن الانظمة المستبدة , واظهار منجزات هذه الانظمة , وضرورة بقائها , بدلا من مجيئ الدول المتأمرة لتحكم في بلاد العرب .
الانظمة تتهم قوى المعارضة بالعمالة للاجنبي , والسؤال المهم . هل ولد المعارضون عملاء للاجنبي , ولماذا صاروا عملاء ؟ هذا اذا افترضنا جدلا ان المعارضين حقا هم عملاء للاجنبي . لماذا هرب المعارضون من بلادهم وهجروا اوطانهم واهلهم واحبائهم ؟ الم يكن ظلم الانظمة المستبدة هو السبب في تشريد المعارضين ؟ لو منحوا حقهم في حرية الرأي والاجتماع والانتماء للاحزاب والنقابات , هل يتركون بلادهم ؟ .
للاسف لقد غالى الحكام المستبدون في عمليات الاقصاء لكل من يخالفهم في الرأي , وبالتالي شكل المعارضون جيشا كبيرا في بلاد الغرب , ودرسوا في جامعاتها وتشربوا بعادات وافكار الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها . وصار منهم الفني المحترف في الصناعات وفي الاعلام بحيث فاق اعلام المعارضة تأثيرا في الرأي العام كل اعلام الانظمة الرسمية .
اذا افترضنا ان المعارضين في الخارج كلهم او نصفهم او جزءا منهم عملاء للاجنبي , فهل المعارضون في الداخل هم ايضا عملاء ؟ هل كان محمد بوعزيزي التونسي عميلا لفرنسا عندما عبر عن يأسه بحرق نفسه في الشارع العام ؟ . وهل كانت ملايين المصريين الذين باتوا في ميدان التحرير عملاء للاجنبي ؟ وهل كان المنتفضون الليبيون في بداية انتفاضتهم عملاء ايضا ؟ . وهل كان المنتفضون السوريون في درعا وباقي المدن السورية عملاء ؟ .وهل كان المنتفضون اليمنيون وما زالوا عملاء ؟ .
وقعت العمالة عندما تشبث الحكام بالسلطة , وداسوا على كرامة ابناء الشعب , واستهانوا بهم ووصفوهم بالجرذان وبشتى النعوت التي لاتليق بالجنس البشري . ولو ان الحكام استجابوا لمطالب شعوبهم التي كفلتها كل القوانين الدولية , وكفلتها دساتير بلدانهم , لما وقعت المجازر بحقهم ؟ . فالعمالة ان صح وصفها , هي من صنع الحكام المستبدين , الذين ظنوا انهم ظل الله على الارض , وان ارائم هي منزلة من السماء , ولايجوز ان يخالفها احد . العمالة ان صحت هي من صنع من اراد ان يورث الحكم لابناءه واقاربة , واعتبر البلاد مزرعة له ولابناءة واقاربه يسرقون اموال الشعب لضمان ملذاتهم وترفهم الشاذ .
المؤامرة
..................
اما فكرة المؤامرة فهي ليست جديدة , بل هي موجودة منذ ان فكر العرب بالتحرر والوحدة والاستقلال , فاتفاقية سايكس ـبيكو 1916 هي بداية التأمر الحديث في الاقل , وما زالت المؤامرة قائمة اليوم وغدا مادامت الارض العربية تختزن هذه الكميات الهائلة من الطاقة التي تشكل عصب الحياة في بلاد الغرب .
الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة لهم اجندة خاصة لبلاد العرب اهم بنودها :
1 . ضمان امن الكيان الصهيوني , بالاتفاقيات تارة , وبالعمل العسكري تارة اخرى .
2 . ضمان تدفق النفط العربي الى بلاد الغرب , بالكميات التي تحددها وتوفر الطاقة اللازمة لمصانعهم , وبالاسعار المناسبة التي ترضي شركاتهم المستغلة .
3 . ضمان بقاء الاسواق العربية مفتوحة للبضائع الغربية , بالاسعار التي تحددها المصانع والشركات الاحتكارية .
4 . مكافحة ما يسمى بالارهاب في اراضي العرب وبادوات عربية ودماء عربية . وهذا ما هو حاصل على ارض الواقع .
5 . ضمان بقاء انظمة هزيلة تابعة لدول الغرب , تنفذ مخططاتها التي تضمن مصالحها الاقتصادية , وتضمن امن اسرائيل .
الغرب الذي حمى الانظمة الفاسدة ساهم بشكل او اخر في اسقاطها , والتخلي عن الحكام العملاء له , او التابعين له , وقد استغل الانتفاضات العربية وركب موجتها بالدعم الاعلامي والسياسي والعسكري بالنهاية , من اجل ضمان النقاط الانف ذكرها اعلاه , ولن يتخلى عن سياسته هذه ابدا , مادام الحكام لا يعيرون بالا لشعوبهم ولا يحققون مطالبهم المشروعة .
على الصعيد الاقليمي فهناك دول اقليمية لها مطامع ايضا على حساب العرب . ايران : منذ القديم لها اطماع في ديار العرب , وصفحات التاريخ مليئة بالشواهد الدامغة على ذلك . ومنذ قيام ثورة خميني والاطماع ظاهرة وجلية , وقد تسللت الى بلاد العرب في غفلة من الحكام العرب السادرين في غفوتهم وملذاتهم وفسادهم , فدعمت حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة , في حين كان المفروض ان تقوم الانظمة العربية بهذه المهمة الجهادية ضد عدو يحتل ارض فلسطين . ولايران اطماع لا تخفيها في العراق وفي بلدان الخليج العربي .
ايران وقفت من الانتفاضات العربية موقفا مزدوجا وكالت بمكيالين ازائها ,فهي مع الانتفاضة في ليبيا ومصر واليمن وضدها في سوريا , وكلها مواقف اقتضتها مصالح ايران واجندتها في الاقليم , فهي تريد ان تكون لاعبا رئيسيا ومهما في قيادة الاقليم ان لم تتزعمه كله .
اما تركيا فهي دولة اسلامية قادرة على دغدغة مشاعر العرب المسلمين بمواقف محددة , كما حدث في اسطول الحرية الذي كان هدفه رفع الحصار عن غزة المفروض من اسرائيل .وهذا الفعل كان المفروض ان تقوم به الدول العربية , كواجب قومي وواجب انساني .وقد لعب اردوغان دورا مميزا في استثارة مشاعر العرب , حتى ان البعض راهن على نجاحه في اية انتخابات رئاسية في اي بلد عربي .
المؤامرة موجودة ومغفل من لا يدركها , واكثر المغفلين هم الحكام العرب السادرين في غيهم , بل يتشبثون بنظرية المؤامرة لتبرير عنفهم واجرامهم ضد ابناء الشعب المعارضين لحكمهم .
ما يطالب به الشعب هو حكم ديمقراطي لا يقوم على الطائفية والعرقية والدينية . ما يطالب به : الحرية والكرامة والعدالة والمساواة , وهذه حقوق نصت عليها شرائع السماء وقوانين الارض . فلماذا لايعقلها الحكام المستبدون ؟ .ويجنبوا انفسهم وبلادهم هذه المصائب والكوارث التي يندى لها الجبين ؟ .
4/11/2011
التعليقات (0)