الانترنت والتحكم بالعقول
بقلم د.محسن الصفار
عندما نشرت قصص كتابي (حكايا وعبر ) وهي قصص عن مواقف انسانية لشخصيات خيالية فوجئت بعد فترة بأن هذه القصص يعاد نشرها على انها قصص واقعية حصلت لاشخاص حقيقيين وفوجئت باسماء معينة ومن عوائل معينة وجنسيات معينة توضع محل اسم الشخصية الاصلية للقصص ويعاد تداولها الاف المرات وفي الاف المواقع ورسائل الواتساب حتى اصبحت في حكم الامر الواقع ومهما حاولت ان اقنع الاخرين ان هذه القصص ليست حقيقية ولا وجود خارجي لابطالها هؤلاء لم يكن احد يرغب ان يصدق .
قد يتصور القارئ ان هذه العملية عفوية ولكن الواقع ابعد ما يكون عن ذلك فالانترنت ومحتوياته تعتبر اليوم من اهم وسائل السيطرة على الافكار وسوقها في اتجاه معين بحسب رغبة الجهات التي ترغب بذلك فتجاريا تسعى الشركات الى طرح التصاميم او المنتجات التي ترغب بتسويقها عبر الاف الصور او الفيديوهات المسلية والتي يشاهدها الاشخاص وينبهرون بها غير مدركين ان القصد من ورائها تلقين وعيهم الباطن وسوقه صوب منتج معين موجود في هذه الصور والافلام التي تتكرر بشكل مدروس في كل مقطع او صورة وبالتالي يجد المشاهد نفسه لا شعوريا يرغب في شراء هذه البضاعة دون سبب منطقي .
اما سياسيا فأن ضخ الصور ومقاطع الفيديو و القصص عن احداث معينة يساهم في تلقين الفكر الخاص بالمتابع لها لدرجة انها تساهم في تغيير فكره او دفعه للخيانة او التطرف مثلما حصل مع التنظيمات الارهابية التي جندت عشرات بل مئات الاشخاص من خلال ما تبثه عن طريق الانترنت من صور ومقاطع فيديو وطبعا هناك نسبة تزوير رهيبة في هذه المقاطع فنفس المقطع ينشر تارة على انه في سوريا وتارة في اليمن وتارة اخرى في العراق اما الصور فنجد صورة شخص ينتحر حرقا في الصين على انها حرق للمسلمين في بورما وهناك الاف الامثلة على هذا ناهيك عن تحريف الصور بواسطة الفوتوشوب او حذف مقاطع من فيديو بحيث يتغير معنى كلام الشخص الذي يتحدث فيه تماما .
بل ان الامر يتعدى التجارة والسياسة ليصل الى الاخلاق العامة من خلال طرح سلوكيات معينة شاذة عن العادات والتقاليد والشرع بشكل كوميدي مما يسقط قبحها تدريجيا وقد قامت مجموعة باحثين بدراسة عن نكت الحشاشين توصلت في نهايتها ان ما يطرح عن طرائف الحشاشين وخفة دمهم تسقط تدريجيا قبح هذا الادمان البغيض وتصور مرتكبيه على انهم اشخاص رايقين وطريفين وبالتالي فأن تعاطي هذا المخدر يجعل من الشخص محببا وهو خلاف الواقع تماما اذا ان مخدر الحشيش يتلف خلايا المخ ويسبب اضرارا جسيمة للشخص لا تحمد عقباها ابدا .
كما يستخدم المجرمون الانترنت لاغراض النصب والاحتيال والابتزاز والتحرش الجنسي بالاطفال من خلال عروض وهمية للاثراء السريع او عروض علاقات غير مشروعة وغير ذلك كما ان الافلام الاباحية تسبب دمارا اخلاقيا وفكريا واجتماعيا وضررا نفسيا لايمكن حصره في مقال او عدة مقالات .
كل هذه الامثلة تدل على شيئ واحد وهو خطورة محتوى الانترنت بكافة اشكاله على التفكير السليم للمجتمع ومدى قدرته على سوق المجتمعات نحو توجهات خاصة حتى لو كانت خلاف الواقع وخلاف مصلحتها الوطنية والاجتماعية .
لذا فأن الحذر من الانترنت واجب وخصوصا على الاهل لحماية اطفالهم من مخاطر الانترنت اي تهاون سيؤدي الى سوقهم بعيدا عن تربية الاسرة وستجد الاسرة ابنائها وقد انحرفوا عن الطريق القويم سواء بالادمان او العلاقات المحرمة او التطرف والخيانة للوطن والدين .
التعليقات (0)