مواضيع اليوم

الانتخابات اللبنانية العالمية

.زاهي رشيد علامة

2009-04-25 10:08:13

0

الانتخابات اللبنانية العالمية

تكاد الانتخابات التشريعية اللبنانية القادمة تكون -إلى جانب أنها الأكثر كلفة في العالم- انتخابات عالمية بامتياز، عابرة للقارات، وسوف تكون الساحة اللبنانية كالعادة، مسرحاً لعرض القوى بين الدول الفاعلة والمؤثرة في السياسة اللبنانية خصوصاً بين السعودية وإيران. أما النكهة الخاصة هذا العام هي ان الانتخابات تأتي بعد سنة على بروفة الحرب الاهلية المذهبية في شوارع بيروت.
في شرح مبسَط للإنتخابات وشجونها، نعتبر أنها ستكون متناقضة كما هي حالة لبنان بلد التناقضات، لن تكون للربح والخسارة فقط مع ان الهدف للفريقين المتنافسين 8 و 14 آذار هو تأمين الاكثرية البرلمانية ولو بفارق نائب واحد، بل الهدف الموازي ايضاً هو عرض الاحجام والاعداد لكل فريق لكي يستثمرها في اي نشاط سياسي في مجلس الوزراء والنواب ولكي يقول للطرف الاخر إنه شريك في العملية السياسية بالكامل، مع العلم ان ذلك أمر حتمي لأن فوز اي من الفريقين سوف يكون بعدد نواب لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة إذا ما صحَت التوقعات. ولن تكون هذه الانتخابات مصيرية بتاتاً كما يروج البعض، فلو انتصر من انتصر لن يستطيع ان يأخذ لبنان إلى أية جهة. فقد كتب للبنان ان يكون كما يعرفه الجميع لبنان المقاومة والسلام، لبنان السياحة والجمال، لبنان الأكبر من اي يبلع والاصغر من ان يقسَم. لن يستطيع حزب الله ومعه المعارضة ان تنقل لبنان الى الجبهة الايرانية-السورية إذا ما فاز، كما يدعي خصومهم. فلبنان مكون من موالين وخصوم لهذه الجبهة وهم كثر. ولن تستطيع السعودية حكم لبنان كما تصور المعارضة إذا بقيت الأكثرية كما هي. فقد استولت الاكثرية الحالية على الحكم اربع سنوات وكان حكمها اسمياً فقط وكذلك ستكون المعارضة إذا فازت. ذلك لأن لبنان ليس للبنانين فقط بل لبنان للعالم كله، لبنان للسعودية وإيران وسوريا ومصر وروسيا وفرنسا وأميركا ومخابراتهم. لبنان لخمسة عشر مليون لبناني في ارجاء المعمورة. لبنان لآلاف جنود اليونيفل ودولهم. لبنان عاصمة المسيحيين في الشرق. صحيح أن هذه القوى جميعها تتصارع على لبنان لكنها ضمنياَ متفقة ان يبقى كما هو، حاوياَ الجميع بلا استثناء، وحتى إن استعمل من فترة لأخرى في الصراعات بين الدول العملاقة. فإذا اشتدت الأمور بين أميركا وإيران على الملف النووي، أو الصين وأميركا في تايون، وروسيا وأميركا في جورجيا وغيرهم، كانت مشاكل لبنان هي اداة الحل والربط في هذه الصراعات وغالباَ ما تخوف اللبنانيون من صفقات على حسابهم.
اما فيما يخص اللبنانيون انفسهم في هذه الانتخابات فهم يخوضونها بالعاطفة فقط وليس العقل. هذه المرة أبدا لم يعمد المرشحون والاحزاب والفاعليات السياسية الى خداع الناخبين ببرامج انتخابية تنتهي صلاحيتها مع اقفال الصناديق، بل عرفوا مباشرة الى ان اللبنانيين هذه الأيام تواقون للكلام العاطفي الجياش ومن له باع طويل في المزايدات الطائفية وشتم الاخرين فهو صاحب اكثر الحظوظ في طائفته لكسب المقعد. أما المرشحون المستقلون من علمانيين وتكنوقراط فلا مكان لهم الآن. اليوم الأبطال هم الكتل الطائفية وليست العلمانية. بربكم انظروا إلى اللوائح المتنافسة، لن تروا انها كتل انتخابية بل هي اشبه بالباصات الطائفية تحمل الموالين لها وتدهس المعارضين.
هل هذه هي الانتخابات التي يريدها اللبنانيون؟ نعم انها كذلك، صحيح أن اللبنانيين شعب متنور ومتفوق وناجح لكنه بالسياسة عموماً يشبه العشائر والقبائل. فكما يقول الشيخ يلتزم الجميع، اللبنانيون ذاهبون بشكل أعمى إلى صناديق الاقتراع، ومن كل حدب وصوب. يقال إن يوم الأول من يونيو اي قبل اسبوع من الانتخابات، سوف يشهد وصول اكثر من 30 الف لبناني من الخارج من مختلف القارات بما في ذلك الخليج العربي، ناهيك عن الألوف الأخرى حتى يوم الانتخابات، حيث يقدر عدد القادمين بمئات الآلاف. طبعاً بين هذه الأعداد الكثيفة من هم ليسوا مهتمين بالانتخابات بل يقال إن الكرم السعودي والايراني وصل الى اعطاء تأشيرات مجانية وحجوزات في الفنادق لكل من يرغب في المشاركة، عبر الأحزاب الطائفية طبعاَ، وبما أن زيارة لبنان عزيزة على قلوب اللبنانيين جميعاً, فقد يستغل القادمون هذا الكم الهائل من الاموال المغدقة للاستجمام في لبنان على حساب حاتم الطائي. أما اللبنانيون المقيمون، بعضهم من سيبيع صوته مقابل حفنة من الدولارات، حيث من ممكن أن تصل قيمة الصوت الواحد الى اكثر من الف دولار أميركي، فما بال البيت الذي يسكنه عشرة أصوات؟ طبعاً عشرة آلاف دولار أهم من أي برنامج سياسي.
الأغرب مما ذكر سابقاً، أن اللجنة الوطنية لديمقراطية الانتخابات، وهي جمعية غير حكومية كلفتها الدولة اللبنانية بمراقبة الانتخابات وقد تشرفت بالانتساب إليها في الانتخابات السابقة، قد سجلت أكثر من سبعين مخالفة انتخابية قبل بدء الانتخابات بشهرين. ومن المتوقع أن تبقى هذه المخالفات حبراً على ورق، ذلك لأن الحكم في لبنان ليس بالقانون والقضاء بل بالتوافق بين الزعامات الطائفية. والمواطن اللبناني لا يهمه أن تعمل العدالة إلى محاسبة المخالفات بل يراها فرصة ليخالف هو الأخر، وهلم جرا من مناوشات.
حتماً إنها اغرب انتخابات في العالم والأكثر كلفة.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !