في منتصف القرن الماضي وصلت الشيوعية كأيديولوجيا ونظام حكم إلى أعلى درجات القمة، بحيث بدأت كل الدول التي تخضع للنفوذ الشيوعي -منطقة نفوذ الاتحاد السوفيتي سابقاً- تؤثر على جيرانها، مما دفع الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور إلى طرح نظرية الدومينو في خطابه الشهير الذي ألقاه عام 1954.
ونظرية الدومينو ظهرت في الولايات المتحدة وتقول بأنه إذا كانت دولة في منطقة معينة تحت نفوذ الشيوعية فإن الدول المحيطة بها ستخضع لنفس النفوذ عبر تأثير الدومينو.
ولم تكن نظرية الدومينو بعيدة عن عالمنا العربي، فربيع الثورات العربية تأثر بتلك النظرية، فمن ثورة تونس التي فجرها الشهيد محمد بوعزيزي الذي رفض القهر والظلم وأعلن بدمائه الزكية عن انطلاق مشروع التخلص من الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية في المنطقة العربية، فأسقط الشعب التونسي نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لينتقل ربيع الثورات إلى دول أخري ليعلن عن سقوط أنظمة كلاً من مصر وليبيا، ومازالت اليمن وسوريا تنتظر، وربما تشهد مناطق أخرى في عالمنا العربي ثورات سلمية للتخلص من مرحلة الاستبداد.
وبما أن الرئيس الأمريكي أيزنهاور طرح نظرية الدومينو للتعبير عن تأثير الأيديولوجيات وقصد الشيوعية بالذات، فإن ملامح تأثر عالمنا العربي بعد ربيع الثورات العربية بنظرية الدومينو بدأت تظهر للعيان، حيث بدأت ملامح نتائج العملية الديمقراطية تتكشف، وتعلن انتصار الإسلاميين، وهذا بدأ بالفعل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس، والتي حصدت حركة النهضة ذات الجذور الاخوانية بقيادة المفكر الإسلامي راشد الغنوشي على نصف مقاعد المجلس البالغة 217 مقعد.
وتنبع أهمية المجلس الوطني التأسيسي من حجم مهامه في المرحلة المقبلة، حيث يقع على عاتقه صياغة دستور جديد لتونس، وإقامة سلطات تنفيذية جديدة، والقيام بمهام التشريع خلال الفترة الانتقالية التي ستمتد حتى تنظيم الانتخابات العامة وفق الدستور الجديد.
وضمن نظرية الدومينو، وحسب المؤشرات على الأرض، فنحن أمام تكرار مشهد فوز الإسلاميين في مصر، بحيث أولى تلك المؤشرات على فوز الإخوان المسلمين بدأت في الانتخابات النقابية، بحيث اكتسحت جماعة الإخوان في مصر منصب نقيب الأطباء، وكذلك حصدت مقاعد العاملين في جامعة قناة السويس بفروعها الثلاث، ومازالت العملية الانتخابية في الجسم النقابي مستمرة، ولكن مصر على موعد خلال شهر نوفمبر القادم مع المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب، والتي تشير التوقعات إلى فوز حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان بها.
وفي حال حكم الإخوان في كل من مصر وتونس، فنحن أمام مشهد تأثر الدول المجاورة وخصوصاً ليبيا الحرة، واليمن، وسوريا، بنظرية الدومينو الإسلامية، ولا أحد ينكر أن أحد محركي ربيع الثورات العربية هي القضية الفلسطينية، وبذلك قد يكون لفوز الإسلاميين في فلسطين عام 2006م، ممثلين بحركة المقاومة الإسلامية حماس، نواة التأثير على المنطقة برمتها نحو تشكيل الشرق الإسلامي الكبير، وهو مرادف للرؤية الأمريكية والصهيونية للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وهذا ليس خيالاً، فمعالمه بدأت تتشكل، وقبول العالم بنظام إسلامي وسطي معتدل أصبح أمراًُ واقعاً، ونستطيع القول بأن الإسلاميين لو أحسنوا أداء تجربتهم في الحكم، فإن نواة دولة الخلافة الإسلامية ستنطلق من الرحم العربي الإسلامي، لتصل إلى العالم الإسلامي، ويتحقق حينها الوعد الإلهي بإقامة دولة العدل، دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة...
Hossam555@hotmail.com
التعليقات (0)