مواضيع اليوم

الانتخابات التشريعية ثورة مضادة

العد التنازلي لــ ( الليلة الكبيرة) حيث تحدث أكبر عملية تزييف في أوراق وطنية، وأغبى نتائج حسابية غير منطقية تجعل نتيجة مجموع الدوائر يصبح أمة.
لست مع الترشح أو ضده، ولست مع التصويت أو ضده، لكنني مناهض لهذا النظام الجاذب لقوى التخلف والأمية والوصولية حتى لو ترشح ونجح ثلة من المثقفين والأكاديميين والشرفاء، فالنتيجة الاجمالية ستكون لصالح الفساد في كل صوَره.

إن المظــهر الخارجي المبهر لزفة الديمقراطية لا يعني أن المحصلة النهائية ستكون لصالحها، لكن تشكيلة مبهرجة وعجيبة ومتنافرة ومتناقضة ستأخذ مقاعدها تحت قبة البرلمان، وأكثرها يمثل قوى خارج الحرم الديمقراطــي تحرك العرائسَ في مسرح هزلي يستدعي الضحك والبكاء في نفس الوقت.
أول ما يتبادر إلى ذهن العضو الذي يحمل حصانة تقوم بحمايته وحماية من قاموا بدعم حملته الانتخابية هي كيفية سداد الديون، وهناك السداد الخدمي أو المادي، وطريقة شكر الكبار متفق عليها مسبقاً لئلا يظن كل من صفق له صندوق الاقتراع أن الفضل يعود لجيبه المثقوب أو لعدم المامه بقواعد الكتابة والقراءة أو لشعبيته في القرية بعدما ساهم في بناء حوش العمدة!

حصيلة جمع فلاح وعامل وفئات لا يعرف أكثرهم ماذا يدور خارج النجع أو في محيط القرية أو على مشارف القاهرة يصبح بقدرة قادر ممثلي الأمة المصرية، وتضمن السلطــة تصفيقاً حادا بعد كل قرار تنطق به مطرقة رئيس مجلس الشعب لصالح القصر والمال والقوة التي تراقب عن كثب من مكاتبها الفاخرة المطلة على النهر الخالد، فتحصي من جديد أموالها لتكتشف أن الأصفار على اليمين زادت!
نظام عقيم يدفع إلى المجلس بحصانات ينام نصفـُها في الاجتماعات، وينام النصفُ الآخر في حـِجـْرِ أصحاب المنفعة وحيتان الرأسماليين غير الوطنيين، ويضحك ( شيلوك) المصري حتى يسقط على ظــهره فهو سيقتطــع، كما فعل تاجر البندقية، من جسد أم الدنيا قطــعة بعد كل جلسة تشريعية معروفة نتائجها سلفاً.
أما العلماء والعباقرة والموسوعيون وصفوة المجتمع المصري والنخبة الرائدة التي تعرف مشاكل وقضايا وهموم الوطن فهي خارج( الليلة الكبيرة)، والحـُمـُّص يتم توزيعه على الناجحين فقط، وشجيع السيما يبرم شواربه فقد أصبح أهم من العمدة وشيخ البلد وإمام مسجد القرية وكاهن الكنيسة التي لم يهاجمها المتطرفون بعد.

لست متفائلا بهذا النظام الانتخابي الذي لم يصـُكّ أحدٌ وجهــَه ويقول عجوز عقيم، فالجميع، تقريباً، يؤمنون بأنه أفضل ما لدينا، وهو مصنوع في الغرب، ويتعامل معه اليمين واليسار، وسيصبح من بين أعضائه نجوم الفضائيات الأكثر قدرة على التلوّن بألوان قوس قزح، وسيحتل المزايدون دينياً مقاعد تكفي للاطاحة بأي مسؤول ليست لديه شهادة من إمام أقرب مسجد أنه يواظب على الصلاة.
وصناعته في الغرب تتوافق تماما مع الوعي السياسي والاجتماعي لدى أفراد الشعب، وتكافؤ فرص الظــهور تلفزيونيا والكترونياً، وانعدام الأمية، وأنت قد تنجح في الانتخابات السويدية أو النرويجية أو الآيسلندية حتى لو لم يكن في حسابك ما يكفي شراء ملابس التزحلق على الجليد لأولادك، أما في مصرنا فعليك ببيع ذهب زوجتك لتذهب بقلبٍ نصف شجاع لأمين لجنة الانتخابات مع افتراض أنه ليس لديك مُمَوّل للحملة تدفع له ضعفَ التكاليف بعدما تصبح السيدَّ النائب.
نظام أحمق في بلد يحتاج إلى كتيبة من صفوة المبدعين والفنانين والعلماء والقضاة والباحثين والمؤرخين والمثقفين وصانعي القرارات الإدارية الناجحة ليـُمـَثـّلوا الأمة، وينتصروا لثورة الشباب في تغيير مصر، وجعلها تقفز في كل خطوة عقداً أو عقدين لعلها تلحق بركب التقدم، وتقوم بتعويض خسائر أفسد نظام حــَكـَمَ مصر منذ بناة الأهرام.

حاولت ما وسعني الجهد أن أقف على نظام يحمل لي نصفَ تفاؤل لعل نصف التشاؤم الآخر يغيب أو يختفي خجلا خلف حملة مشعل التحضر والتمدن والحرية وثورة التشريعات والقوانين في المجلس، لكنني لم أعثر إلا على ما طرحته مرات عديدة في السنوات الماضية، أي أن ترشح كل نقابة و مؤسسة و معهد بحث علمي أو كلية وهيئة سياسة ودبلوماسية واتحادات العمال والكتاب والصحفيين والمهندسين والصيادلة والأطباء وغيرهم اثنين فقط مشهود لهما بالكفاءة بغض النظر عن الدين والمذهب والأيديولوجية والتوجّه الفكري والجنس، رجل أو امرأة مع مساواة كاملة.
يتجمع لدينا، مثلا، خمسةُ آلاف شخص ينسحب منهم مئة شخص بالقرعة السرية ليصبحوا لجنة اختيار أعضاء مجلس الشعب، فيقوموا باختيار ألفين، ثم ينسحبوا. بالسحب السري أيضا نختار من الألفين مئة آخرين ليعيدوا الكرة كلجنة اختيار الأعضاء، فيختاروا من الباقين ألفاً، وتعاد العملية للمرة الثالثة فينسحب مئة ليقوموا باختيار أعضاء مجلس الشعب اختياراً نهائيا.
هنا تخطو العملية التشريعية ناحية القفز بمصر سنوات في كل عام، ويصبح ممثلو الأمة ضميرها في سـَنّ القوانين، ومناقشة بيان رئيس الوزراء، واستبدال القوانين المتخلفة والرجعية والمتطرفة لنصنع نحن قوانين تجعلنا نستحق الفوز بسباق التقدم على مستوى الدول النامية استعداداً للدخول في هامش الدول المتقدمة.
الكرنفال الذي لدينا الآن سيصنع مجلساً كسيحاً لا يستطيع أكثر أعضائه قراءة صفحة واحدة من بيانات الحكومة، ولو أرادت السلطــة أن تمرر قوانين الفساد والنهب والهبر في مشروعات لصالح من تـَلـَبسهم عفريتُ مبارك وولديه وأحمد عز وزكريا عزمي فالمصفقون سيطرقعون أصابعـَهم قبل الهتاف حتى تدمىَ أيديهم.

فكرتي التي أقدمها، وقد حاولت في زيارتي لمصر في شهر مايو لقاء الدكتور عصام شرف لعرضها وطرحها ومناقشتها، ولم أتمكن من لقائه بسبب انشغاله في أحداث إمبابة وإن كنت غير واثق، لاحقاً، أن لرئيس مجلس الوزراء الكلمة الفصل في سياسة الدولة.
لذا فأنا ضد الترشح لأن كل عشرة من المرشحين لا يستحق إلا واحد أو أقل التشرف بدخول الحرم الديمقراطــي وتمثيل الشعب، وضد عدم الترشح لأن الأصوات التي كان يمكن أن تذهب لنصف الواحد لن تعرف طريقـَها.
وضد الانتخاب لأنه مشاركة في جريمة السطو على تمثيل الأمة، وقتل ثورة يناير الشبابية، وتوقيع على بياض لاستنعاج واستجحاش أعرق شعوب المنطقة.
وضد عدم الانتخاب لأنه موقف سلبي يجعل وصول المنافقين والمتزلفين والعاجزين والمرتهنين للحيتان الجدد أمراً هيناً، ويــُعـَبـِّد لهم الطريق لجعل أقفيتنا تلتهب من الصفع، وما بقي من طــعام ولو كان مسمماً تـُمـَنّي أجيال قادمة نفسها بفتات منه يبيعه أشباه الفلول بأضعاف ثمنه.

نظام الانتخابات التشريعية سيعيد الروح لمبارك، وسيعيد مصر إلى ذيل ركب الأمم المتخلفة، وسيسحب الشرعية من أطــهر ثورات العصر.
المعضلة الأكبر في المشهد المصري أن الكتابة والنقد والتحليل والنصائح والاشارة للثغرات والانشغال بهموم الوطن وحتى تسليم المجرمين لمن بيدهم وضع القيود في معاصمهم لا يؤدي إلا إلىَ اهمال أكثر، فالسلطــة تقتلنا بالصمت، والمتسابقون على كعكة الحـَصـانة كالحـِصانِ الأسود الذي تكفيه قطــعتا سـُكـَّر ليسبق الحصانَ الأبيض!
الأحزاب والجماعات في كرنفال لا يسمع فيه أحدٌ أحداً، وكل ما يتم انفاقه على الحملة الانتخابية سيعود لجيوب وحسابات أصحابه، والنخبة تنظر بصمت الصمت كأنها لا تشارك في بناء الوطن، فالمفكر الذي قضى جلّ وقته وعمره يلتهم المعرفة ليخدم بلده ليس قادرا على شراء كيلو كباب أكثر من مرة في كل شهر، وحتى في هذه المرة يضل طريقه من الكبابجي إلى أحدى المكتبات قبل أن يشتريها أحد رجال الزعيم الجديد فهي مناسـِبة لمكتب استثمار أو شركة سفريات أو سوبر ماركت!

هل يستحق مشروعي مليونية تسحب البساط من تحت أعداء الثورة وخصوم الشرف وخلفاء الطاغية مبارك؟
هل يستحق أن يلتف حوله مجموعة صغيرة من المؤمنين بالفكرة، ثم تتزايد أعدادهم كما تزايد شبابُ الثورة بعدما ضاعفهم الفيسبوك مئات المرات فرفع الملايين الأحذية في وجه الديكتاتور؟
أم تتحول فكرتي إلى مقال يستحسنه البعض، ويستمتع الآخرون بمناقشة ثغراته قبل توجيه الضربة القاضية له، وتفغر الأغلبية فاهاً للتعجب، ينتهي بسكوت وعدم الاكتراث، ثم تصبح الغلــَبـَة لصياح المرشـَحين على بضاعتهم في لافتات تؤذي العين: انتخبوا ابن الدائرة المخلص لكم!

وأكرر مع الكواكبي: إنها كلمة قد تذهب اليوم مع الرياح، لكنها تذهب غداً بالأوتاد!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في الأول من نوفمبر 2011
Taeralshmal@gmail.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات