مواضيع اليوم

الانتحار موضة الموت تغزو العالم العربي

naima zidani

2012-08-22 23:49:47

0

                                                                                           الانتحار

موضة الموت تغزو العالم العربي

 

استطلاع نعيمة الزيداني

تختلف الأماكن والظروف والوسائل والأسباب، ويتكرر المشهد الرهيب ذاته " قتل الذات أو الهروب إلى الموت "...أشخاص لم تعد تعني لهم الحياة شيئا فقرروا وضع نقطة النهاية والرحيل إلى غير رجعة .

الانتحار ظاهرة مثيرة للجدل يحرمها الدين ويرفضها المجتمع ويتدارسها علماء النفس والاجتماع، ومؤخرا تزايدت أعداد المنتحرين بشكل رهيب في عالمنا العربي بعد أن كانت هذه الظاهرة متفشية بصورة أكبر في الدول الغربية مما يجعلنا نتساءل:

لماذا تزداد لدينا نسب الانتحار خلال هذه السنوات الأخيرة؟ هل نضع ظروفنا السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية في قفص الاتهام ؟ من هم الأشخاص الأكثر عرضة للإقدام على قتل أنفسهم؟ هل يتعاطف الشارع العربي مع المنتحر؟ و ماذا عن دور الدين والأسرة والمجتمع في الحد من استفحال هذه الظاهرة ؟

مشاهد مأساوية وأرقام مخيفة

في البداية، نستعرض بعض ما نقلته الصحف العربية الصادرة هذه السنة عن حوادث الانتحار في وطننا العربي ، ففي الجزائر فجع أهالي عدد من القرى التابعة لولاية  "تيزي وزو" قبل ثلاثة أشهر تقريبا بانتحار 15 طفلا لا يتجاوز عمر أكبرهم 14 سنة، انتحروا بطريقة متشابهة وفي توقيت متزامن بعد عرض المسلسل الكرتوني "المحقق كونان" و الذي يبرز كيف يمكن لشخص أن ينتحر أو يقتل نفسه بطريقة يمكنه بعدها العودة إلى الحياة!! !

حاول الضحايا تقليد ما شاهدوه في عالم القصص الخيالية فكانت نهايتهم.

 

خبر آخر مشابه من  المغرب حيث قام طفل يبلغ من العمر تسع سنوات يوم 2 ماي 2012 بشنق نفسه بواسطة حبل داخل غرفة بمنزل أسرته، في دوار أولاد الطالب بجماعة السبعيات بإقليم اليوسفية. و تبين بعد البحث والتحري أن الضحية كان يتابع بشغف كبير المسلسل التركي "خلود" الذي يعرض بالقناة الثانية المغربية، وأنه تأثر بمشهد قيام إحدى الشخصيات بالانتحار مما دفعهلتقليده.

و بالمملكة العربية السعودية، أقدمت مؤخرا فتاة في العقد الثالث من العمر على الانتحار بشنق نفسها بحبل مثبت في "سيفون" دورة مياه بمنزل أسرتها بالطائف.

و ذكرت التقارير الرسمية أن الفتاة كانت تعاني من مرض نفسي وسبق أن ترددت على مستشفى شهار لتلقي العلاج اللازم.

حادثة أخرى من السعودية حيث قضى شاب في العقد الثاني من عمره نحبه منتحراً بتعليق رقبته بحبل في مروحة السقف داخل مسجد بالقرب من سوق الذهب (المعارض) بحي العزيزية بمدينة عرعر وذلك يوم يوم 3 يوليوز 2012.

 

ومؤخرا بالعراق  أفاد مصدر في شرطة محافظة نينوى أن فتاة اسمها "مريم مطو جرير مطو"  يبلغ عمرها  19 سنة انتحرت بواسطة ضرب نفسها ببندقية داخل منزلها في منطقة القحطانية التابعة لقضاء سنجار -120 كم غرب الموصل-.

و تبين بعد التحقيقات أن مريم انتحرت لأن والدها رفض تزويجها من شخص كانت على علاقة غرامية معه.

ويشهد قضاء سنجار  في محافظة الموصل حالات انتحار متكررة وبطرق مختلفة كالأسلحة الخفيفة أو الحبل و معظم الحالات بواسطة إضرام النار.

وفي مصر، انتحرت فتاة بإلقاء نفسها في النيل بسبب خوفها من شبح العنوسة، بعد أن رفض أهلها تزويجها بالعديد من الخطاب الذين تقدّموا لها.

ناهيك عن حالات الانتحار الكثيرة على الطريقة البوعزيزية احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العديد من الدول العربية.

 

وبلغة الأرقام، تقول إحصائيات المنظمة العالمية للصحّة أن مليون شخص في العالم ينتحرون كل سنة. ويشكل الانتحار عاشر سبب للوفاة عموما لكنّه يمثّل ثالث سبب بالنسبة للشريحة العمرية بين 15 و45 سنة، علما بأنّ محاولات الانتحار تفوق هذا العدد عشرين مرّة.

أما في العالم العربي فيدل المؤشر البياني لعدد المنتحرين على ارتفاع النسبة في السنوات الأخيرة.

ففي مصر مثلا، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن أعداد المنتحرين في تزايد مستمر حيث ارتفع العدد من 1160 منتحر سنة 2005 إلى 5000 منتحر سنة 2009.

و أشارت إحصائية رسمية إلى أن 2700 فتاة مصرية تقدِم على الانتحار سنوياً بسبب العنوسة، وأن نسبة العنوسة بين فتيات مصر وصلت إلى 30%! ، وأن 44% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، إضافة إلى تفاقم أزمة البطالة.

وننتقل إلى الجزائر التي تسجل بدورها ارتفاعا في عدد حالات الانتحار من سنة لأخرى، ما يحوّلها من مجرد حالات منعزلة إلى ظاهرة، حيث أحصت مصالح الدرك 2191 حادث انتحار بالجزائر من بينها 335 حالة انتحار حقيقية و1856 حالة شروع في الانتحار بداية من فاتح يناير  سنة2011 إلى غاية شهر ماي 2012 ·

وفي المغرب ، كشف التقرير السنوي الثالث الصادر عن المرصد المغربي للعنف ضد النساء في نونبر 2011 أن 166 امرأة ممن زرن المركز يفكرن في الانتحار هربا من أوضاع يعتبرنها غير قابلة للتغيير.

وفي غياب معطيات وأرقام دقيقة حول عدد المنتحرين أو الذين يحاولون وضع حد لحياتهم بالمغرب، بسبب السرية التامة التي تحيط بها المصالح المختصة هذا الموضوع، أكد الدكتور إدريس الموساوي، رئيس قسم الأمراض النفسية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، أن الظاهرة متفشية في المغرب، بالرغم من عدم وجود أرقام وإحصائيات رسمية تثبت ذلك، مستدلا على ما قاله بكثرة الأخبار التي توردها وسائل الإعلام الوطنية عن وقوع حالات انتحار.

وفي تونس ارتفعت نسب الانتحار بشكلٍ مهولٍ إذْ تُقـدَّر بواحد في الألف سنويًا أي حوالي عشرة آلاف تونسي يحاولون الانتحار كل عام.

أما في اليمن فقد أفادت إحصائية أمنية حديثة بان 70 يمنيا لقوا مصرعهم جراء حوادث الانتحار خلال الربع الأول من سنة 2012، وأن من ضمن المنتحرين 19 أنثى و 9 أطفال.
وحسب هذه الإحصائية، فإن حوادث الانتحار المسجلة خلال الفترة نفسها قد ارتكبت بواسطة الحبال والأقمشة والأسلحة النارية بالإضافة إلى استخدام السموم، وإضرام النار ووسائل أخرى.
وأرجعت الإحصائية الأمنية أسباب حوادث الانتحار إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية وانسداد أفق المستقبل أمام عدد من ضحايا الانتحار، ومعاناة البعض منهم من مشاكل واضطرابات نفسية، وضعف الوازع الديني.

وفي السعودية، تبعا للإحصائيات الصادرة عن وزارة الداخلية، تصاعدت حالات الانتحار في المملكة بارتفاع 39 حالة عام 2010م عن العام الذي سبقه لتصل  الى 787 حالة، أي ما يعادل حالتي انتحار يوميا، وفي الأعوام العشرة الماضية ارتفعت حالات الانتحار إلى الضعف.

وفي الكويت ارتفعت حالات ومحاولات الانتحار من 27 حالة عام 1991 إلى المئات بعد عام 2002م.

 

هل تتعاطف مع المنتحر؟

سؤال طرحته مجلة فرح على مجموعة من الشخصيات فجاءت الاجابات كالتالي:

 

الكاتبة والناشطة الحقوقية  نعمة الحباشنة من الأردن تقول:

الانتحار هو الهروب السهل والشيء الوحيد المتاح في نظر من يقدمون عليه ؛ من وجهة نظري هو ضعف في الشخصية وعجز عن مواجهة الظروف سواء كان المنتحر شخصا صاحب نفوذ أو امرأة ضعيفة تحاصرها القوانين ويقصمها العنف المسلط عليها من المجتمع؛ لا أتعاطف مع المنتحر لكني أشفق عليه وأعتب على المجتمع الذي يروج لفكرة الانتحار خصوصا في زمن الثورات العربية الأخيرة ليصبح الانتحار رمزا للبطولة بينما هو في الحقيقة رمز للهروب والضعف والجبن ؛ دائما أقول أن تحمل سيفك وتقاتل خير ألف مرة من أن تقف عند الزاوية تبكي أو تقتل نفسك بيدك ؛ لأنك إن قتلت نفسك فمن سيدافع عن حقوق من هم بعدك  ؟؟

نفس الرأي نجده عند الإعلامي العراقي شاكر المحمدي الذي يقول:

أنا لا أتعاطف مع المنتحر لأن إنهاءه لحياته لا يحل أمرا ولا أزمة، أما  بخصوص ثقافة الانتحار التي صارت رائجة حاليا كشكل من أشكال الاحتجاج على الأوضاع السياسية و الاقتصادية فمن وجهة نظري لا دخل للسياسة بالانتحار لأن الإنسان يضر نفسه فقط ، وهنا  أتساءل: لما يقدم الإنسان على الانتحار احتجاجا على الأوضاع بدل أن يعمل عملا يوصله للسياسة ليصحح الأوضاع الخاطئة كي يعيش الناس بدل أن يقتل نفسه ويقتل الكثيرون أنفسهم بعده...

و الأكيد أن من واجب منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني العمل على تثقيف وتوعية العقول ورفع المعنويات لوضع حد لهذه الظاهرة.

 

الأستاذ أحمد ، محاسب من أهواز- إيران يقول :أعتقد أن الانتحار هو استجابة لأحاسيس خاطئة تنبعث من اعتقاد الفرد بأن لا وجود لأي حل ماعدا الانتحار، و يحدث أكثر بين من فقدوا الأمل في كل شيء، و فقدوا معه إيمانهم بالله وبرحمته.

و لكن شخصيا من الممكن أن أتعاطف مع الشخص المنتحر لأنه إنسان و طبعا له تأثير علي أحاسيسي الشخصية لذا أرى أن علينا التعمق أكثر في أسباب هذه الظاهرة إذ في الكثير من الحالات يكون الشخص المنتحر واقعا تحت تأثير ضغوط تفوق طاقته.

وطبعا ليس من حل أمامنا إلا أن نتفهم أسباب انتحاره و نأخذها بعين الاعتبار، و أيضا القيام بتحقيقات واسعة حول هذا الموضوع، و تعليم المجتمع بأنه في أصعب الحالات من الممكن إيجاد حلول كثيرة، والأهم دائما هو التوكل على الله.

س.م فتاة من القاهرة 24سنة تقول"أنا أتعاطف مع المنتحر وأعتبره ضحية لأني بصراحة كنت سأكون في عداد المنتحرين بعد تعرضي لصدمة عاطفية سببها زواج شخص- كنت أعتبره حبيبي- بفتاة أخرى وعدم وفائه بوعوده لي.

لم أحتمل خيانته لي فقررت الانتحار بابتلاع كمية كبيرة من الأقراص المهدئة، ولكم أن تتصوروا ما حدث بعد ذلك...

أنقدتني عائلتي من موت محقق وخضعت في المستشفى لعلاج نفسي واقتربت من الله أكثر أما والداي فقد أصبحا جد قريبين مني وصرت أحس بحبهما الكبير لي ،وطبعا يستحيل أن أفكر مرة أخرى في إنهاء حياتي وترك عائلتي التي تحبني .

 

دور وسائل الإعلام

 

بشرى خلفوني فاعلة جمعوية من مدينة الدار البيضاء بالمغرب تقول :

غالبا ما تقوم وسائل الإعلام بتسليط الضوء على الحالات الانتحارية بطريقة خالية من روح المسؤولية حيث يتم تصوير المنتحرين كأبطال وتمجيدهم مثل ما حدث مع البوعزيزي وغيره أما من فشلوا في الانتحار فيتم الاستماع إليهم وتحقيق مطالبهم بشكل يجعل الآخرين يسلكون نفس الطريق ، وهذا ما يفسر طبعا انتحار العديد من الشباب في الوطن العربي خصوصا في المغرب والجزائر وموريتانيا ومصر وغيرها من الدول اقتداء بالبوعزيزي.

المطالبة بأي مطلب حقوقي هدف نبيل وحق مشروع، و لا يمكن أن يكون الطريق إلى تحقيقه هو قتل النفس بل ينبغي نهج طرق مشروعة، وهنا أتساءل: أين النضال السلمي؟ أين العمل الجاد؟

يجب اعتبار المنتحر ضحية لأنه إنسان ضعيف و مقهور وخاضع أيضا لتأثير العديد من وسائل الإعلام التي تضخم الأمور وتحتفل بالمنتحرين بعناوين عريضة و جذابة دون أن تنتبه لطبيعة الخلل الذي تحدثه في مجتمعاتنا العربية والمسلمة.

المنتحر في قنواتنا بطل شهيد ورائد أمة وزعيم ثورة...إنه مسخ وتشويه للمفاهيم  فالانتحار تصرف بعيد عن البطولة أو الشهادة ، إنه وسيلة هروب يلتجئ إليها الإنسان الضعيف المصاب بمرض نفسي وبالتالي لا يمكن تصنيفه لا بين الأبطال ولا بين الشهداء ، الروح ملك للخالق وحده ، والانتحار كفر بالله ويأس من رحمته .

 

وتضيف بشرى خلفوني في حديثها لفرح : أحب الإشارة أيضا إلى بعض الأعمال الدرامية أو الرسوم المتحركة التي تروج لفكرة الانتحار وتؤثر بذلك على العديد من المشاهدين لأنها ترسخ صورا شديدة السلبية في عقولهم خصوصا الأطفال أو المراهقين الذين يحبون عادة الاكتشاف والتجريب وتقمص الأدوار مثلما حدث مؤخرا مع الطفل المغربي الذي انتحر بسبب تأثره بإحدى حلقات مسلسل تركي تبثه إحدى القنوات المغربية، وهنا طبعا أحمل الآباء أيضا نصيبا من المسؤولية لأنهم لا يهتمون بمراقبة طبيعة البرامج التي يشاهدها أطفالهم ،ولا ينتبهون لبعض السلوكيات الناجمة عن الطفل أو المراهق والتي تدل على أن لديه نوعا من الاستعداد لإيذاء نفسه والذي يكون من الممكن معالجته لو تم عرضه على طبيب مختص قبل فوات الأوان."

 

المعالجة النفسية سهى صادق لمجلة فرح:

"علينا أن نهتم بالعائلة كمؤسسة اجتماعية ترعى الفرد وتلبي حاجياته وتزيد من أهمية وجوده "

 

 

ومن لبنان, المعالجة النفسية سهى صادق تقول:

الانتحار هو إقدام الفرد على وضع حد لحياته بملء إرادته، وتختلف وسائله أما أسبابه فتتعدد

منها الأمراض الخطيرة التي يستعصى أو يتعذر علاجها، الصدمات العاطفية التي يتعرض لها المرء جراء فقدانه أقاربه بسبب الموت أو فقدان الحبيب بسبب الفراق ، فقدان الثروة أو المال بسبب المقامرة أو البورصة أو الاحتيال أو خسارة صفقات ، التعرض لإصابة لا أمل  في الشفاء منها أثناء الحوادث أو الكوارث الطبيعية أو الحروب" وللإشارة فتأثير الحروب مختلف من إصابات جسدية قد تسبب إعاقات أو آثار نفسية جراء التعذيب".

وطبعا فإن عدم توفر الفرد على مناعة نفسية قد يؤدي به إلى الإقدام على الانتحار، وهناك من قد يحاول ولا يتمكن من التنفيذ أو يتم إنقاذه ،وفي هذه الحالة ينبغي الاهتمام به وتوعيته ومتابعته ودعمه نفسيا وعدم تركه وحيدا.

إن الأحداث التي تواجهنا في الحياة ولاسيما المصائب إذا لم يتمكن من مواجهتها بعض الأفراد قد تؤدي بهم إلى الانتحار ،حتى فقدان السند أو الصديق وتواجد مشاكل في حياة الفرد ،كلها عوامل قد تؤدي به إلى الانتحار.

والغريب أيضا أن حياة الرفاهية تجعل المرء يمل وتدفعه إلى وضع حد لحياته كما يحصل في السويد.

و طبعا هناك أمراض نفسية  لها علاقة مباشرة بالانتحار فعلى الصعيد العالمي ينتحر 15 في المائة من المصابين بمرض الاكتئاب و10 في المائة من المصابين بالانفصام.

أما سبل الوقاية فهي:

بناء حياة اجتماعية سوية بإقامة علاقات إنسانية  لا سيما الصداقات الحقيقية.

الاهتمام بالجانب الديني الذي يلعب دورا أساسيا في منع الفرد من إيذاء نفسه  فالانتحار فعل يحرمه الدين .

استيعاب الحالات التي تتعرض للتعذيب والاغتصاب ومعالجتها نفسيا وتقديم الدعم النفسي لها.

العمل على رفع معنويات الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة ومساندتهم.

ضرورة تواجد معالجين نفسانيين في المدارس والمستشفيات وجميع المؤسسات ، والاهتمام بتفعيل دور الطبيب النفسي في المجتمع، و محاربة النظرة التقليدية الخاطئة التي تعتبر من يقصده مجنونا .

يجب أن يحل الوعي مكان الجهل والتخلف فالناجون من الكوارث الطبيعية والمجازر والمصابون في الحروب يتعرضون لصدمات نفسية عميقة تستوجب عرضهم على الأخصائيين النفسانيين. نفس الأمر أيضا بالنسبة لمن يعانون من صدمات عاطفية.

التركيز على التربية السليمة لأنها تحمي الأطفال من الإصابة بالأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية التي قد تؤدي بهم للانتحار في ما بعد.

الاهتمام بالعائلة وضرورة التمسك بها كمؤسسة اجتماعية ترعى الفرد وتلبي حاجاته وتؤمن له القيام بأدوار اجتماعية أساسية لتزيد بذلك من أهمية وجوده لأن الفرد قد يفكر في الانتحار حين يشعر بان وجوده وعدمه سواسية.

 

بالإضافة إلى أهمية العمل ودوره الكبير في التخفيف من المشاكل التي قد تواجه الفرد لذا ينبغي إيجاد حلول عملية لمشكلة البطالة.

الاخصائي الاجتماعي علي الزبيدي :

"يجب تكثيف حملات التوعية لمحاربة الانتحار "

 

ومن السعودية، التقينا الاخصائي الاجتماعي علي الزبيدي الذي يقول:

يدل الانتحار على ضعف الوازع الديني، و أسبابه متعددة من بينها الإدمان على المخدرات، العجز عن مواجهة ضغوط الحياة، البعد عن الصلاة وعدم الثقة بقضاء الله وقدره، إهمال الأبناء وقلة الرقابة من الوالدين.

وللتصدي لهذه الظاهرة، ينبغي تكثيف حملات التوعية في الصحف والتلفاز وأيضا عبر الخطب في المساجد والمدارس، الاهتمام بإيجاد حلول للمشاكل الأسرية وعدم إهمالها، عدم التردد في التوجه إلى العيادة الاجتماعية والنفسية لطلب الاستشارة والمساعدة.

ومن خلال الحالات التي تمر عليا بالمركز، أستطيع أن أؤكد أن أغلبها بسبب البعد عن الصلاة.

آخرها حالة لفتاه تبلغ من العمر 17 سنه حاولت الانتحار بشرب منظف الكولوركس ،وأتت إلينا في حاله يرثى لها ولكن بحمد لله تم إنقاذها.

وبعد تحسن حالتها تم الجلوس مع المريضة، وتبين أنها كانت على علاقة بشاب دون علم والدتها،

وتطورت علاقتها به لدرجة أنها كانت تخرج معه لفترة طويلة دون أن تسأل والدتها عنها،وتجاوزت علاقتهما الخطوط الحمراء ،وبعد أن أخذ ما يريده منها تركها وغير رقم هاتفه فأصبحت في وضع سيء ،وازدادت حالتها النفسية تدهورا يوما بعد يوم مما أدى بها إلى الإقدام على الانتحار.

وطبعا كان عليها المكوث في المستشفى، وتمت متابعة الحالة من قبل  الطبيب النفسي و أيضا تم الاجتماع مع والدة المريضة واطلاعها على الأمر وتنبيهها لخطورة إهمالها لابنتها وعدم مراقبتها خصوصا أن الأب متوفى, وأيضا قمنا في المركز بتوعيتها لتمد ابنتها بالدعم النفسي اللازم لتجاوز هذه الأزمة.

 

الداعية أيمن هاروش لفرح:

" الإنسان ليس حرا بنفسه ولا بجسده لأنهما ليسا ملكا له وإنما هما ملك لله تعالى الذي خلقهما"


وأخيرا  يقول  الدكتور أيمن هاروش :

الحياة نعمة من الله تعالى على الإنسان، ونعم الله تعالى يجب مقابلتها بالشكر والعرفان، لا بالكفر والنكران، ولعل من أعظم صور الكفر بنعمة الحياة الانتحار، فالانتحار رسالة تحمل في طياتها نقمة العبد على ربه بنعمة الحياة، وكرهه لهذه النعمة وعدم رضائه بها، كما أنه من ناحية أخرى هو اعتداء سافر على نفس بشرية، صحيح أن النفس له لكن الإنسان ليس حرا بنفسه ولا بجسده لأنهما ليسا ملكا له وإنما هما ملك لله تعالى الذي خلقهما، لذا كان إيذاء الإنسان لنفسه وجسده محرما في الشريعة، ومن أعظم أنواع الإيذاء الانتحار.

ومن هنا تضافرت النصوص في بيان خطر هذه الجريمة والتحذير منها وبيان عاقبة من قام بها، ومن هذه النصوص:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فقَتَلَ نَفْسَهُ فسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)) أخرجه البخاري (5333)، ومسلم (158) ويجأ : يطعن

عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ..." البخاري (1275)، ومسلم (159)

ومن هذين النصين وغيرهما كان إجماع أهل العلم قاطبة على أن الانتحار كبيرة من الكبائر، وجريمة وقع بها صاحبها.

بل وبلغ من التحذير من هذه الجريمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ على من قتل نفسه، كما في الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: ((أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ)) مسلم (1624)، والمشاقص جمع مِشقَص وهو السهم العريض

وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة على قاتل لنفسه ليس لأنها لا تصح، لأنه أذن للصحابة بالصلاة عليه وإنما امتنع هو أن يصلي عليه، وذلك كامتناعه عن الصلاة على المحدود (المقتول حدا) ومن عليه دين، ليكون أبلغ في تنفير الناس وتحذيرهم من الوقوع في هذه الأمور، وأما الصلاة على هؤلاء فهي جائزة عند جمهور الفقهاء.

ولو بحثنا عن الأسباب التي تدفع الإنسان للانتحار ثم عالجناها، لوجدناها واحدا من الأمور الثلاثة:

صعوبة الحياة الدنيا وقسوة الظروف التي يمر بها الإنسان.

الفراغ الروحي الذي يعيشه الإنسان.

الفشل في بعض تجارب الحياة.

أما الأمر الأول فلا بد من فهمنا لطبيعة الحياة الدنيا وعلاقتنا بها، ولقد أطال القرآن الكريم في الحديث عنها وبيان أوصافها، ومن تلك الصفات:

هي دار بلاء وليست دار هناء، قال تعالى: ((لقد خلقنا الإنسان في كبد)) أي مكابدة ومقاساة للهموم والمتاعب، وقال تعالى: (ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين))، وسبب قيام الحياة على هذه الشاكلة هي الصفة الثانية.

هي دار امتحان وليست دار امتنان، ولقد أقام الله تعالى الحياة الدنيا على الامتحان لكي يظهر الصادق في إيمانه ممن يدعي الإيمان، قال تعالى: ((أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين))

فإذا تبين للإنسان هذا الأمر لا يستغرب وقوع المصائب فيها و الأكدار، كما قال ابن عطاء الله في حكمه: ((لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار، فما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها أو مستوجب نعتها))، وكما قال الشاعر:

جبلت على كدر وأنت تريدها          صفوا من الأقذاء والأكدار
فمكلف الأيام ضد طباعها          متطلب في الماء جذوة نار
والسعادة الحقيقة والراحة الأبدية في دار الخلد يوم القيامة، لذا على الإنسان أن يوطد نفسه لهذه الحياة.

وأما السبب الثاني فالفراغ الروحي الذي يعيشه الكثيرون -ولا سيما في البلاد المتنعمة كالدول الغربية - يجعلهم يضيقون ذرعا بالحياة و ينتحرون طلبا للسعادة لعلها في العالم المجهول، كما كتبت روز اليوسف مقالا منذ زمن بعنوان "أهل الجنة ليسوا سعداء"، وقصدت شعب السويد انظر كتاب الإيمان والحياة للدكتور يوسف القرضاوي

وأما السبب الثالث: فالفشل في تجربة واثنتين لا يعني نهاية الحياة وليس الناجح من حقق الفلاح في المرة الأولى، بل الناجح من يصر على تحقيق النجاح، فلا بد من المثابرة والمصابرة، ومازلنا نذكر قصة القائد الذي انهزم وانسحب من المعركة استسلاما لضعفه الموهوم فالتجأ إلى كهف فرأى نملة تحاول أخذ قمحة فحاولت تسعا وثلاثين مرة وفشلت، ونجحت في المرة الأربعين في حملها، فعاب على نفسه استسلامه من المرة الأولى ثم ذهب وقاتل حتى انتصر، ثم إن الخير في علم الله تعالى وتقديره، فقد يكون الخير في الفشل الذي حصل لا في النجاح الذي ضاع، ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون))

وعلاج الأمور السابقة يكون في النقاط التالية:

تربية الجيل وتهيئته نفسيا وفكريا لمواجهة الحياة ومصاعبها وأنها لا راحة فيها فمن عرف طبيعة الحياة لم يطلب منها ما ليس فيها.

ترسيخ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر وأن الله تعالى لا يقدر إلا ما فيه الخير لعباده، وأن جهلنا بحكمة الله تعالى في تقدير الهموم والمصاعب لا يعني عدم وجودها، وأننا لو اطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع.

تربية الجيل على التعلق بالحياة الآخرة وأنها هي الدار الحقيقة وهي دار السعادة ولن تنال إلا بالصبر على الحياة الدنيا.

ربط الجيل بالقدوة الصالحة والمثل الأعلى وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلقد مروا بمحن كبيرة وعظيمة وما من محنة إلا ذاقها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

القيام بحملات توعية وتحذير تبين عقوبة الانتحار وأن صاحبه يخسر الدنيا والآخرة.

محاربة المنابر الإعلامية التي تمجد الانتحار كالمسلسلات العاطفية والقصص الغرامية التي تجعل الانتحار دليل وفاء للمحب، أو تبارك به سبيلا للخلاص من محن الدنيا، ولقد كان لهذه المنابر الدور الأكبر والأسوأ في بث ثقافة الانتحار.

توعية الشباب إلى أن عذاب الآخرة أشد فمن لم يتحمل عذاب الدنيا كيف يطيق عذاب الآخرة.

بث روح الأمل في الأمة والناشئة، ومحاربة اليأس والاستسلام.

العمل على تذليل صعوبات الحياة أمام الناس من تأمين فرص عمل ومحاربة الاستبداد بكل صوره وفي جميع نواحي الحياة.

التركيز على إشباع الجانب الروحي والإيماني في النفس عن الطريق الصلاة والعبادة والذكر والقرآن وغيرها، والبعد عن مواطن الغفلة والقحط الروحي.

وفي النهاية لابد من القول: إن الانتحار مشكلة حقيقة تواجه المجتمع فلا بد من استنفار كل الجهات الإصلاحية لحل هذه المشكلة وعلاج النفوس التي تتعلق بها.

وصلى الله  على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

                                                                                                                     naima-zidani@hotmail.fr

 
 



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !