مواضيع اليوم

الامام الحسين وفلسفة الثورة

عبد الهادي فنجان الساعدي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


لم يبق أمامنا سوى النظر خلسة على منحنيات تماثيل عشتار وإختيار الأضخم من الكرات وأنصاف الكرات دون أن نعي ما يعنيه بئر الحرمان الذي يكبر يوما بعد يوم وكلما شخنا كلما كبر ذلك البئر اللعين. اما البهجة فلم يبق لها ايما معنى في ظل هذا الصخب الهائل وهذه الاحباطات الكارثية.
هل من معنى لوجودك في ظل هذا الانهيار المروع في الخزين الأخلاقي لهذه الامة.. ام ان الامل مازال يدفعك لتصحيح هذه السيول المريعة من الأخطاء.
لقد دمرناهذا الكم الهائل من التراث العبثي والذي يدعو الى البكاء دون توقف، ليس على أبطال هذه الامة المنكودة انما على أنفسنا بعد ان أمضينا أربعة عشر قرنا نبكي عليهم دون ان نغير من الامر ولو بقدر ما صرفناه في جلسة عزائية واحدة.
اي سلطة نملكها ازاء هذا الكم الهائل من الهراء والترهات؟!!
سيول من الاحباطات ازاء لحظة واحدة من اللذة المحمومة.. وها هي جهنم تواجهنا كل يوم.. كل يوم في أعين المارة.. والقرّاء والمعزون والصبية وحتى في غرف النوم.. هل من فسحة لعودة الأخلاق القديمة ترك الطعن من الخلف ولو لمرة واحدة. عندما جاء الحسين وجد أنه وصل في الوقت الضائع.. كان قد أعد لكل شيء حسابه إلا انه لم يَعدَّ للفشل أي حساب.. حتى ولو كان ذلك على حساب سيول الدم التي سوف تنهمر.. وقد أجاد في إختصار طريق الشهادة لأنه يعلم بأن الشهادة هي الطريق الطبيعي لإنتصار الدم على السيف.
(لم أخرج أشراً ولا بطراً.. انما لطلب الاصلاح في امة جدي).. لقد إختصر كل فلسفة الثورة في هاتين العبارتين.. أي انه لو انتصر في خروجه لكان بالتأكيد هدفه الاصلاح.. ولو استلم السلطة.. لكان برنامجه بالتأكيد هو. الاصلاح.
اما نحن فبعد 1400 سنة من خطاب المظلومية والشعارات الكارثية التي كنا نرفعها على مدى هذه القرون.. تأتي الأجيال الجديدة المخصبة لتحدد لنا كارثة أكبر ولترفع شعار (كل أرض كربلاء.. وكل يوم عاشوراء).. اية لعنة تلاحقنا من خلال هذا التأريخ الطويل من المظلومية والقهر والتخلف.. أين هي نتائج الثورة الفجائعية.. أين هو إنتصار الدم على السيف.. لقد تعلم إمام المبادئ السلمية ومسيرات المسحوقين الهنود.. غاندي من الحسين (كيف ينتصر وهو مظلوم) فهل تعلمنا كيف ننتصر على خطاب المظلومية ونحن في السلطة؟!!
لقد عكسنا المفاهيم والشعارات ولم نعد نفرق بين الأمس الذي كنا فيه نخلط بين البكاء على الحسين وبين البكاء على أنفسنا.. اننا من أكثر الامم التي تتميز بأنها تربي أطفالها على الدموع وليس على الحليب.. ليس لندرة الحليب ولكن لكثرة المآسي التي نمارسها ضد أنفسنا والمآسي التي يمارسها الآخرون ضدنا.. إن من حق الفجيعة ان ترحل بعد ان أصبحنا نحن سادة مصيرنا .. ولكننا ما زلنا نتمسك بها حتى الأهداب بعد ان وجدنا بأننا لا نجيد سوى البكاء والعيش على مآسي الآخرين. لم أر ثورة امتدت لأربعة عشر قرنا وهي توّلد التوابين دون ان توّلد القادة او صانعي القرار لمصيرها.
لقد مارس الامام الحسين النقد السلمي لتصحيح مسار الامة.. إلا ان ذلك لم يؤثر في مسار الانهيار الأخلاقي للقادة الجدد وللأمة الاسلامية.. ولذلك أراد ان يضع حداً لكل الممارسات البدائية واستغلال السلطة العشائرية..
وها هي كتائب التوابين التي ظهرت كالطحالب من كل الأطراف التي في السلطة وخارج السلطة.. ولكن الفرق بين التوابين في القرن الحاضر وبين التوابين في ذلك الوقت.. أن التوابين الآن في السلطة.. ألم تطلب بعض تيارات التوابين الوزارات الخدمية.. وعندما حصلت عليها تركت السلطة في أول مواجهة مع التيارات التي أصرّت على إحتكار الوزارات السيادية وهددت بتدمير العملية السياسية برمتها إن لم تحصل على تلك الوزارات.. وحصلت عليها.. ولكنها اصرّت على النهج الدموي لرد الفعل في عملية الفعل والفعل المضاد.. وأعادت نظرية الثورة والثورة المضادة وكأن الثورتان لم تخرجا من ثياب الدوائر الأمريكية السياسية والمخابراتية.
اما أصحاب القفازات البيضاء فقد ذكروني بأحد النصوص البابلية التي تقول بأن أطناناً من القلي (الصابون) لن تمسح عن يديك دماء جريمتك.. وها هم في السلطة وخارج السلطة يمارسون الضغط على عمار وابي ذر والحسين لكي ينسخوا منطوق آية إكتناز الذهب والفضة.
وعندما لم ينفع الضغط استعملوا أكداس العتاد والسلاح الذي تركته حكومة القرية لإعادة حكم العشيرة والتفكه والمظلومية التي الحقت بهم بعد ان مارسوا القتل والتدمير وحجب السلطة عن الاخرين لمدة 83 سنة.
ألم يحن الوقت لتغيير خطاب المظلومية الى خطاب العمل وإثبات الذات للانسان.. ألم يحن الوقت للاصلاح في امة رسول الله!! أننا من أكثر الأمم التي تمارس الحرب والقتل وإغتصاب حقوق الاخرين وهي في السلطة.. اما خارج السلطة فما غير الصبر والتقية والبكاء على مظالم الأبطال التي مضى عليها أكثر من أربعة عشر قرناً.. دون البحث عن العبرة في تلكم المظالم.. ودون البحث عن مخرج لنقل هذا الانسان المسكين من ضفة الدم والبارود ومشاريع التضحية والاستشهاد القومي والعقائدي العقيم.. الى الضفة التي يعيش فيها بسلام وأمان مع أخيه الانسان.

كاتب وصحفي عراقي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !