الأمازيغ عرب عاربة
عثمان سعدي
من هم الأمازيغ (البربر)؟
مدخل
يكثر الحديث في هذه الأيام عن البربر: عن أصلهم، عن لغتهم، عن تاريخهم مع العرب ومع العربية ومع الإسلام . وأنا هنا أستعرض تاريخ المسألة البربرية، عبر مراجع فرنسية لتعزيز رأيي الوارد في الكتاب، والمتمثل في أن البربر من العرب العاربة، استقروا في المغرب ضمن هجرات سابقة للفتح الإسلامي ، على أساس أنهم ساميون، أي من العرب القدامى؛ بسبب بطلان التسمية السامية لتاريخنا، بإجماع المؤرخين. هذه التسمية التي أطلقها المستشرق اليهودي النمساوي ” شلوتزر SHLOTZER ” في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. ويستبدل المؤرخون مصطلح الساميين بالأقوام العربية القديمة أو العروبية.
إن البربر يعيشون في حوض حضاري، ولا أقول ( عرقي )، يقع في هذا الامتداد الجغرافي، من سلطنة عمان شرقا على المحيط الهندي، إلى موريتانيا على المحيط الأطلسي غرباً. وكان هذا الامتداد مسرحا لمد بشري، منذ عشرات آلاف السنيين، في الاتجاهين: من المغرب إلى المشرق، ومن المشرق إلى المغرب.
فالمؤرخ الفرنسي ” غوتييه E. F. GAUTIER” في كتابه : “ماضي شمال إفريقيا”، يرى أن “الاحتمال الكبير هو أن الإنسان الذي عمّر وادي النيل هاجر من الصحراء الكبرى”. (E.F. Gautier: Le Passe de l’Afrique du Nord, p.23)
كما أن ششنق الأول البربري اتجه سنة 950 قبل الميلاد، من المغرب العربي الذي كان يسمى ليبيا ذلك الوقت، وحكم مصر الفرعونية، وأسس البربر الأسرتين الفرعونيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين. كما انطلق البربر من بلاد القبائل بالجزائر وأسسوا الدولة الفاطمية، و بنوا القاهرة. إذن فأن البربر يعيشون وسط هذا الحوض الحضاري الكبير الذي عرف تبادل الهجرات منذ التاريخ القديم.
ومن الغريب أن ( البربريست)، [أي أصحاب النزعة البربرية الشعوبية المعادية للعرب- ]، افتعلوا ما يسمى بالتقويم البربري بمناسبة توجه ششنق إلى مصر، وسموه التقويم الششنقي، فزيفوا التاريخ، وحولوا هذه المناسبة من عنصر تاريخي موحد بين مشرق هذا الامتداد الجغرافي ومغربه، إلى عنصر مكرس لانفصالهما. ويطالب ” البربريست ” باعتماد هذا التاريخ كرأس للسنة البربرية، والاحتفال به كعيد وطني، مقابلا لعيد المولد النبوي الشريف. بينما لا يعرف تاريخ البربر هذا النوع من التقويم.
البربر والعرب القدامى
أن بعض المؤرخين مثل أحمد سوسة العراقي، ” وبيير روسيه P. ROSSI ” الفرنسي، يرون أن الموجات البشرية الخارجة من الجزيرة العربية هي التي عمرت الشمال الإفريقي وحوض البحر الأبيض المتوسط بشماله وجنوبه، وذلك منذ بدء المرحلة الدافئة الثالثة ( وورم 3 (Warm في التاريخ الجيولوجي للأرض، أي قبل عشرين ألف سنة، والتي نجم عنها ذوبان الجليد في أوروبا وحوض البحر المتوسط، وزحف الجفاف على شبه الجزيرة العربية، التي كانت تنعم قبل بدء هذه المرحلة، بمناخ شبيه بمناخ أوروبا حالياً.
وتعتبر هجرة الفينيقيين إلى المغرب واحدة من هذه الهجرات المتأخرة للأقوام العربية من الجزيرة العربية التي سُبقت بهجرات سابقة لها، لم يسجلها التاريخ كما سجل هجرة الفينيقيين. وتنقُّل الفينيقيين من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، ومن بلاد الشام إلى المغرب العربي، جاء عفوياً ليؤكد تبادل هذا المد البشري في هذا الحوض الحضاري الكبير.
ويؤكد المؤرخون العلماء الأوروبيون، من خلال استقراءاتهم لعلم الآثار والنقوش والكتابات القديمة المكتشفة، أن استيطان الفينيقيين – منذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد ( أي منذ 3500 سنة ) – هو الذي مهد لسهولة قبول البربر للغة العربية والدين الإسلامي في القرن السابع الميلادي. ويرون أن اللغة البونيقية Punic Language التي هي عربية قديمة استمرت قائمة بالمغرب العربي كلغة ثقافة وحضارة ودواوين، حتى بعد تدمير قرطاج، وخلال الاستعمار الروماني، وإلى أن دخل العرب المسلمون؛ فحدث الوصل بين البونيقية التي هي عربية قديمة وبين العربية التي هي لغة حديثة طورها القرآن الكريم والإسلام.
[البونيقية لهجة من لهجات اللغة الفينيقية، كانت سائدة في شمال أفريقيا، والفينيقية لهجة كنعانية، وهي بالتالي من جدات اللغة العربية. واللهجة الفينيقية الكنعانية كانت سائدة في لبنان وساحل سوريا ومنطقة الجليل في فلسطين وفي... مالطا. واللغة المالطية الحديثة بالمناسبة خليط من اللغة العربية والإيطالية والإنكليزية، وتكتب بالحرف اللاتيني، لكن أساسها لغة سامية عربية – ].
كما أن هؤلاء المؤرخين يرون أن الديانة الفينيقية، أي القرطاجنية التي اعتنقها البربر، المؤسسة على شبه توحيد، هي التي جعلت نفوس البربر جاهزة لاستقبال الدين الإسلامي بهذه السهولة، بل وبهذه العفوية. إن إمبراطورية قرطاج، وحضارة قرطاج الراقية، التي استمرت سائدة في حوض البحر المتوسط وفي العالم، عدة قرون، تأسست نتيجة للتزاوج بين شعبين عربيين: الشعب الفينيقي القادم من لبنان، والشعب البربري الذي كان موجودا بالشمال الإفريقي، إلى أن جاء العرب المسلمون فأقاموا عملية الوصل بين حلقتي الحضارة العربية.
وسأعرض نصوصاً لمؤرخين فرنسيين، متخصصين في الدراسات البربرية والسامية، تؤكد هذه الحقيقة. فمحررو (مادة الجزائر) في الموسوعة الفرنسية ( يونيفيرساليس UNIVERSALIS) يقولون:
“بدأ تاريخ المغرب الأوسط بوصول الفينيقيين الذين سجلوا حضارتهم كأول حضارة بالمدن، حيث تركت بها آثاراً مكتوبة، فأسسوا مبكراً، في القرون الأخيرة للألف الثانية قبل الميلاد، مراكز تجارية. وتطور الفينيقيون إلى قرطاجنيين، ولم يستعمروا داخل البلاد، ولكنهم طوروا هذه المدن الساحلية التجارية، والتي استمرت قائمة حتى بعد تدمير قرطاج، تحمل تسميات سامية كمدن راسكو رو (دلس)، وروس كاد (سكيكدة)، وروس قونية (ماتيفون)… وكان الرؤساء البرير المسيطرون على داخل البلاد حلفاء وزبائن تجاريين للقرطاجنيين، يمدونهم بفرق عسكرية، وبخاصة بالفرسان النوميديين المشهوريين، وبالفيلة الحربية والجنود. وانتشرت اللغة البونيقية (اللهجة الفينيقية الكنعانية السائدة في شمال أفريقيا – الناسخ) والحضارة الفينيقية بعمق في البلاد وظهرت مدناً للأهالي، وأضرحة ومزارات دينية، بنيت أحياناً من طرف فنيين قرطاجنيين. . . وهكذا فقد كان البربر تلاميذ للفينيقيين الذين علموهم أساليب زراعية وصناعية، كصناعة الزيت، والنبيذ، وصناعة الأدوات من النحاس؛ وعلموهم على الخصوص ديانتهم. واستمر البربر يعبدون آلهة قرطاج، حتى أثناء الاحتلال الروماني، لدرجة أن بعض المؤرخين يرون أن المسيحية، ثم الإسلام، لم يُقبلا من البربر، بهذه السهولة، إلا بسبب دخول هذه الديانة القرطاجنية المغرب، التي هي ديانة سامية. واستمرت اللغة البونيقية متداولة حتى بعد القرن الثالث الميلادي، حيث لعبت دور الوصلة إلى اللغة العربية”
التعليقات (0)