أطل علينا العديد من رجال السياسة و "الثقافة" المغاربة في الاونة الاخيرة عبر شاشات التلفاز و صفحات الجرائد و المجلات بآراء ومقالات تهم قضية استطاعت أن تفرض نفسها في ساحة النقاش والحوار و تستأثر باهتمام منقطع النظير،انها القضية الامازيغية.
ان القضية الامازيغية اجمالا تتكون من شقين أساسين هما الشق الهوياتي و الشق اللغوي،واذا كان الشق الهوياتي محط اقتناع شبه كلي بكون صلب الهوية المغربية أمازيغيا بامتياز دون اغفال الروافد الاخرى من عربية و افريقية و غيرها و التي لا تستطيع بأي شكل من الاشكال منافسة المكون الامازيغي في صدارة القائمة رغم بعض الآراء النشازة التي لا تمثل شيئا سواء من حيث عددها أو من حيث مرجعيتها وقرائنها.
ان الانسان الامازيغي ظل و سيظل المعمر الاول و الاخير لهذه البلاد،و تدل الاثار الاركيولوجية بكل علمية و موضوعية أن أقدم وجود حضاري يعود للامازيغ،و ما الهجرات الوافدة التي شهدتها المنطقة الا مجرد قطرات في بحر،و لا يعقل أن تتغير البنية العرقية /الديمغرافية بتوافد جماعات بشرية محدودة عددا و محصورة زمنا و مكانا.
دروس في أبجديات التاريخ الذي يدعي بعض الساسة المغاربة احاطتهم الكاملة به و عدم حاجتهم الى دروسه و هو ادعاء له ما يبرره من كون هؤلاء يقومون بحملات انتخابية سابقة لآوانها،ملؤها التضليل و الخداع السياسيان و الحربائية المألوفة التي أصبحت سُنة هؤلاء ان لم نقل أنها بوادر أمراض خبيثة من قبيل الخرف و العته اللذين غالبا ما يترصدان هذه الفئة من المجتمع.
أما فيما يخص الشق اللغوي،فيظل الاكثر حساسية لدى هؤلاء "الرجالات"،و ان كان الامر لا يستحق كل هذه الضجة المفتعلة و التضليل المفضوح لشعب تنخره الامية،لو استطاع هؤلاء تناول القضية بشكل هادئ و موضوعي و استطاعوا التخلص من عقدهم النفسية الكثيرة و على رأسها تأتي "عقدة التفوق" ،السمة التي تلازمهم كلما تعلق الامر بالامازيغية.
أكيد أنه لو أقدم أحد مناصري القضية الامازيغية على ما يقوم به هؤلاء –من سب و قذف- تجاه اللغة العربية لأهدر دمه في الحين،و لو عوضنا اللغة العربية في كتاباتهم المدحية باللغة الامازيغية لثاروا و ربما قاموا بأشياء يصعب التنبؤ بها،لانهم بكل بساطة ساديون يتلذذون بآلام الغير في حين لا يطيقون و لو كلمة عتاب،لسنا هنا بصدد القصاص أو التهويل و لكن مجرد تنبيه الى ضرورة العدل و الموضوعية في بناء المواقف.
لا تنسوا أيها الساسة الكارتونيون أن الانتخابات المشبوهة و الرشاوى البينة و الاستغلال الفاضح للنفوذ و الولاءات المقيتة هي من أوصلتكم الى حيث أنتم،لست لسانيين بمقدورهم الحكم على قوة لغة من اللغات و قدرتها على التطور و مواكبة العصر،لستم أنتروبولوجيين حتى نصدق ترهاتكم و تفسيراتكم النزوية للمجتمع المغربي.أن يطل علينا رجل سياسة ليطلق العنان للسب و القذف في حق مؤسسة ملكية اسمها المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و يضرب عرض الحائط كل المنجزات العلمية في ميدان تقعيد لغة المغاربة الاولى و مجهودات كفاءات وطنية من أعلى المستويات في حين أنه لم يتجاوز "المسيد" في نظري ضرب من ضروب المفارقات المغربية و استهزاء بالموروث الثقافي الذي سيظل يحيا فينا و يقض مضجع من سار على نهج هؤلاء المغاربة بالاسم لا غير.
ان الانكى من كل ما قيل هو التعامل الحربائي مع هذه القضية،فتراهم يقذفون و يسبون ثم يعودون للثناء على الريفية و الامازيغية و السوسية.يحاربون و بشكل مفضوح الامازيغية الممعيرة الضامنة للوحدة لا لشيء الا لأنها تدحض مزاعمهم حول الاختلاف بين "اللهجات البربرية"،لانهم لا يريدون أن تتقارب و تتوحد اللهجات.قال أحدهم مؤخرا أن الناس يجهلون هذه الامازيغية في اشارة الى اللغة الممعيرة،فهل سأل نفسه ما اذا كان الناس غير الممدرسين يعرفون العربية الفصحى ؟ ان حق أي لغة من اللغات في الوجود لا ينكره الا متنطع،ما أقبح أن يكيل الفرد بمكيالين في بناء مواقفه و ما أقبح أن يتلون الفرد كالحرباء فتراه مع ثم ضد و أحيانا لا مع و لا ضد في مواقف تفترض الشجاعة و الموضوعية خاصة في مسائل مصيرية تهم مستقبل الامة من قبيل هويتها و خريطتها اللغوية.
التعليقات (0)