ليس تبسيطا ..ولا اخلالا ..ولا تهوينا في غير محله لو اوجزنا كل ذلك الالم والانقباض في النفس الذي ولدته الدعوة الانفعالية الضاجة الراجزة لاعلان اقليم صلاح الدين بانه خلاف حول ماهية العراق الذي نحب..وبين ان نحب العراق كما هو وكما وجد ووجدنا به بآلامه وقسوته ولفحة هواؤه المجمر على الوجوه المتربة بغبن القرون وبين من يحب العراق الذي يمكن طيه ولفه وتحسسه والاستئثار به واعارته هويات وصور اربكها التتابع المذل للمشاريع الخائبة..
لا اقوى على ان انكر اعتصار الروح الذي لازمني وانا اقسر على تسمع عبارات ظننت انها لن تلوث ضمائرنا واسماعنا بعد الآن وهي تزعق في القاعة المبنية من عرق ودماء واصوات العراقيين بان الامور سوف تساس منذ الآن بقرع الرؤوس في الحائط ..
بمن حضر..اعلن مجلس المحافظة قراره..وبمن حضر ومن آزر ومن تلقف ..عقد السيد رئيس مجلس النواب مؤتمره..ووسط الزعيق الضاج تكلم بما لم يحسن انكاره طوال الشهور الماضية..
علم ودستور ومجلس امة ..وشوارع لا تزعج سكينتها قوات الجيش العراقي..وحصة من الميزانية وواحة من الامن لكل من يصبأ بدين الدولة..وكل هذا مغلف بهالة اعلامية عن الاقليم الذي سيملأها نورا وعدلا واعلاما مثلثة النجوم والآمال المضاعة..
نفس هذا الاعلام لم يفسر لنا هل تكفي النوايا ورضا بعض الجهات الخارجية لاعلان الاقليم ..وهل ان وضع اشخاص بالعقال او بالزي الكردي غير المتقن خلف الميكروفون تكفي لعزو هذه التصريحات الى "مواطني"صلاح الدين..وهل ان صلاح الدين –بالذات- مؤهلة من حيث التكوين الديموغرافي لكي تنشأ كيانا ينأي بسكانه عن مشاكل المحاصصة والاقصاء..
ليس الاشارة الى الخارج هو نوع من التزويق للنص بقدر ما هو انطباعات ولدتها التغطية الاعلامية المهللة بالمنجز الثوري لمجلس المحافظة في فضائيات الكيانات المعادية لحرية العراقيين وتجربتهم السياسية..وفي التصعيد التسقطي للعمليات الامنية العراقية الذي سبق وترافق مع القرار والاحاديث المكرورة عن قوات موالية للحكومة واستهدافهم لمواطنين عراقيين ..وتسريب اوراق ومشاريع تصب في ترسيخ الطائفية ورسمها كاخدود متغضن في جبين العراق الجريح..
ما زلنا مواطنين لنفس هذا البلد..وهذا مايجعل لنا حقا على مجلس محافظة صلاح الدين ان يجيب عن تساؤلاتنا حول مدى شعبية وتقبل هذا القرار خارج اسوار تكريت ..وهل يطعن في مصداقية التمثيل الواسع الذي يدعيه انصار الاقليم خروج مظاهرات منددة بالقرار في اكثر من مكان من المحافظة او تهديد بعض الاقضية والنواحي بالانفصال عن المحافظة والارتباط ببغداد مباشرة في حالة المضي بهذا الامر..وهل ستكون الغفلة مبررا كافيا لنصدق ان الدجيل او الدوز يغضبها اعتقال بعض البعثيين الى هذا الحد..وكيف استطاع المجلس الموقر تأمين كل هذا الاجماع في محافظة هي اصلا ململمة قسرا مما اقتطع من المحافظات الاخرى ولم يكن هناك مبررا لوجودها الا لاضفاء بعض الهيبة على مسقط رأس الصنم..
لممثلو القوى المؤيدة للقرار ان يدفعوا بأن "لدى المحافظة مبررات قانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية وخدمية لإعلان محافظة صلاح الدين إقليما، والذي تم دراسته على مدى ثلاثة أشهر".وكننا نجرؤ ان نهمس في اذن مجلس محافظة صلاح الدين بان هناك ايضا الكثير من المصاعب القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدمية تعترض اعلان المحافظة اقليما وستحتاجون الى شهور طويلة مقتطعة من امن ولقمة ورخاء العراقيين دون ان يرى مشروعكم النور خارج فضائيات الرأي او الرأي الآخر او عناوين بعض الصحف الخليجية المطبوعة في اوربا. .وان كان من الممكن ان تجدوا الآن بعض الاستحسان اوالتهليل لعبارات الاجتثاث وقوانين بريمر من هناك او هناك فان الفائدة التي ستجنونها من كل هذا التصعيد هو المزيد من القناعة في صفوف الشعب العراقي بالمخاطر التي يحملها التهاون في تطبيق هذا الاجتثاث..وهذا الشعب هو من تتشاركون واياه العيش في هذا الوطن وليس الوهم البعيد الضرار الذي تهدهده في خيالاتكم اشرطة الاخبار المسيسة وبرامج الحواريات الشعاراتية الزاعقة..فان الحق الدستوري ليس كافيا دون التوافق الوطني وان القفز على حقائق الارض والتاريخ قد تكون وسيلة مناسبة في مناكفات المنتديات المرمية على قارعة الشبكة العنكبوتية ولكنها لن يكون لها مكانا تحت شمس الحقيقة والانتماء الوطني الصميم..ونتمنى ان يكون للحكمة والبصيرة مكان في قراراتكم قبل ان يصبح من الصعب ان نحدد اي الرؤوس التي يجب ان تقرع بالحائط..
التعليقات (0)