الأزمة العرقية في الأهواز وأحداث إقليم بلوشستان دفعت الإعلام الإيراني والنشطاء السياسيين أن يتكلموا باهتمام كبير حول الأقليات القومية والمذهبية ومحاولة الحكومة تحسين أوضاعها الاقتصادية وتوفير مساحة معقولة من الحريات الدينية والثقافية.
ويرى المراقبون أن الحكومة الإيرانية قد تلجأ إلى سياسة احتواء مزدوجة بحيث تسعى للتعامل مع الأقليات العرقية بشكل مباشر بعيدا عن قياداتها السياسية وتنظيماتها التي تتحرك من الخارج، التي تتهمها بالعمالة للاجنبي وتنفيذ اجندة خارجية
وتشعر طهران بكثير من الارتياح او هكذ تتخيل من أن المعارضة الإيرانية الفارسية بكل أطيافها الليبرالية واليسارية واليمينية تقف ضد التوجهات الانفصالية والدعوات القومية للأقليات في إيران، وأن هذه التوجهات القومية للأقليات لا تجد آذانا صاغية لدى المعارضة سواء في الداخل والخارج. ومن جهة أخرى تشعر طهران أن القوى الإقليمية مثل باكستان وتركيا لا ترحب بأي دعم أميركي للبلوش والأكراد من شأنه تقوية النزعات العرقية في تلك الدولتين.لان تركيا تخشى من النزعة الانفصالية لدى اكراد تركيا بزعامة حزب العمال الكردستاني , الذي يقوده عبدالله اوجلان , المسجون لدى الحكومة التركية . ولاسيما ان الاكراد في تركيا يشكلون اكبرعدد من اكراد ايران والعراق وسوريا , اضافة الى اكراد ارمينيا واذربيجان ولبنان , والاكراد الذين يعيشون في بلدان اوروبا وامريكا .اذ يبلغ عدد الاكراد حوالي 40 مليون نسمه .
يشكل اكراد ايران 7 بالمائة من سكان ايران اي ( 2و6 ) مليون من اصل 5و68 مليون ايراني , معظمهم في اذربيجان وكرمنشاه وهمدان ولورستان . وتذكر كتب التاريخ ان الصفويين اخضعوا الاكراد لحكمهم 1514 ـ 1576 بتدمير معظم المدن الكردية .وتكرر الامر اثر تمرد الامير الكردي ( خان لبزيرين ) الذي يعني " الامير ذو الكتف الذهبي " , ومحاولته الاستقلال 1609 ـ1610 . وقد اعتبر الصفويون مثل هذه الافكار تشكل خطرا على الدولة الصفوية , ففرضوا حصارا على الاكراد انتهى بهزيمتهم ومن ثم تهجيرهم من قراهم .
لاكراد ايران تاريخ مأزوم مع نظام الحكم في ايران كما هو حال اكراد العراق وتركيا وسوريا . اذ يطمح الاكراد في هذه البلدان الى اقامة " كردستان الكبرى " , ولكن ظروف الاكراد في هذه البلدان
وعلاقاتها مع الدول الغربية وبالذات مع الولايات المتحدة حالت دون ان ينال الاكراد حقهم في الحكم الذاتي . باستثناء وضعهم في العراق حيث نالوا الحكم الذاتي في زمن الحكم الوطني ـ رغم عدم رضا الاحزاب الكردية عن ذاك الحكم ـ , ونيلهم مكاسب كبيرة الان . ومثل هذا الوضع حفز الاكراد في البلدان المجاورة للتمرد والقيام بالكفاح المسلح من اجل نيل الحكم الذاتي كمطلب عالي , او على الاقل نيلهم بعض الحقوق الثقافية والانسانية .
وتفيد بعض التقارير أن إيران حصلت على وعود من أكراد العراق بعدم السعي لإقامة كردستان الكبرى، كما أن التعاون الإيراني ـ التركي لتضييق الخناق على حزب العمال الكردستاني يساعد إيران في تحجيم نشاطات المجموعات الكردية المسلحة في توجيه أي خطر جدي لطهران في المدى المنظور. ولكن هذه التقارير ينقضها ما تتناقله الانباء ان مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان العراق سمح للاحزاب الكردية الايرانية بالعمل على مساحة من الحدود بطول 150 كم وبعرض 20 كم .وهذه الرواية تؤيد المزاعم الايرانية بان المعارضة الكردية الايرانية تنطلق من الاراضي العراقية المحاذية لايران , مما دفع القوات الايرانية وبالذات قوات الحرس ان تقصف المدن العراقية الكردية بالمدفعية الثقيلة .ونقلت الانباء ان زوجة جلال الطلباني زارت القرى التي تعرضت للقصف الايراني وابدت حزنها على ما اصاب سكانها . وهذا الامر يعقد من شان العلاقات بين الاحزاب الكردية والحكومة المركزية في بغداد التي يبدي تحالفها مع حكومة ايران وسكوتها على التجاوزات الايرانية على الاراضي العراقية سواء في الشمال او الجنوب .
يشعر اكراد ايران بالظلم منذ زمن بعيد كما اوضحنا من قبل , وزاد الامر تعقيدا بعد الثورة الايرانية التي قادها خميني 1979 , حيث تجاهل وجود الاكراد عندما تم وضع الدستور , ولاسيما ان الاكراد غالبيتهم من السنة . ورغم ان الدستور نص في المادتين 15 و19على حق الاقليات القومية استعمال لغتهم في التعليم والثقافة , ولكن الحكومات الايرانية لم تنفذ ما ورد في الدستور , بل ضيقت على الثقافة الكردية وصادرت العديد من الصحف الناطقة باللغة الكردية .
ولم يمضي عام حتى سارع رئيس الجمهورية ابو الحسن بني صدر بالايعاز الى القوات الايرانية المسلحة بالهجوم على المناطق الكردية , وتم تمشيط مدن مهاباد وسنندج ومريوان .كما اندلع صراع مسلح بين الاكراد والحكومة الايرانية 1982 , حيث كان الحزبان الكرديان ( الحزب الديمقراطي الكردستاني ) بزعامة قاسملو , والحزب اليساري الكردي ( كومه له ) هما طرفا الصراع مع الحكومة , ولكن القوات الحكومية تمكنت من بسط سيطرتها على معاقل الحزبين , وقد اوغل صادق خلخالي انذاك في دماء الاكراد , ودمرت القوات الحكومية 271 قرية كردية , وانتهى الصراع باغتيال قاسملو مع اثنين من رفاقه على ايدي عناصر من المخابرات الايرانية , وقيل ان نجاد كان واحدا من المتورطين في عملية الاغتيال التي وقعت في النمسا عام 1989 .
وتخشى حكومة محمود احمدي نجاد من امتداد موجة الانتفاضات العربية الى ايران , فالذي حصل في جنوب السودان مرشح لان يحصل في ايران , فالعرب في اقليم الاحواز يطمحون الى نيل حكم ذاتي , وكذلك الحال بالنسبة الى البلوش في الشرق .
ومهما كانت أسباب الأزمة العرقية في إيران داخلية أم خارجية أم مجتمعة معا، فانها تفاقم من الازمة الداخلية التي برزت بعد الانتخابات الرئاسية الثانية بين الاصلاحيين وحكومة نجاد , ومن ثم بين نجاد الحوزة في قم . فإن الحقيقة الجديدة هي أن التغيرات التي تشهدها المنطقة من حول إيران منذ الانهيار السوفياتي حتى الغزو الأميركي للعراق فتحت الملف العرقي في إيران بشكل أعمق وأوسع من أي وقت آخر.
فهل تكتفي طهران بإلقاء اللوم على أعدائها وتستمر في التعامل السطحي مع الملف العرقي، أم أنها تفوت الفرصة على واشنطن ولندن بالتعامل الإيجابي مع الملف عبر مزيد من الاهتمام بالأقليات القومية والاستجابة لبعض مطالبها.
التعليقات (0)