مواضيع اليوم

الاقتصاد الأمريكي.. مقامر لا مغامر

ملف اخضر

2009-03-30 15:28:14

0

الاقتصاد الأمريكي.. مقامر لا مغامر

-------------------------------------

 
وأنا أشاهد بعض الأسهم المالية وهي تهوي في الشهور الأخيرة، كنت كثيرا ما أتخيل صوتا يرن في رأسي، يشبه إلى حد كبير صوت واحد من هؤلاء المشرفين على موائد القمار في "لاس فيجاس"، والذي يقول للمقامرين ببرود، وهو يكنس بيديه الأقراص المعدنية الصغيرة العائدة لهم من على الطاولة، بعد أن خسروا اللعبة": نشكركم على اللعب أيها السيدات والسادة".
دعونا أولا نحاول فهم ما حدث مؤخرا.. الذي حدث هو أن "وول ستريت" أو مركز صناعة المال والأعمال في الولايات المتحدة قد تحول إلى فقاعة في السنوات الأخيرة، بسبب الزيادة الكبيرة في السيولة، وبسبب الشيء الذي يعتبر أكبر صانع للفقاعات في التاريخ ألا وهو: الطمع.. وفي غمار ذلك نسي بعض من أذكى الناس واحدةً من أقدم القواعد المعمول بها في مجال الاستثمار وهي أنه: لا يوجد شيء اسمه عائد بدون مخاطرة.
وظيفة الحكومة هي حراسة الخط الدقيق الفاصل بين الحد الضروري من المخاطرة الذي يقود الاقتصاد الخلاق والمقامرة المجنونة بمدخرات الناس بطرائق تعرضنا جميعا للخطر.
فقاعة استثنائية
في حقبة التسعينيات من القرن الماضي كانت الأسهم الخالية من المخاطر وغير القابلة للخسارة والمرتفعة العائد هي أسهم شركات تقنية المعلومات، أو ما كان يطلق عليها أسهم الـ"دوت كوم".
النسخة المعادلة لذلك في عقدنا الحالي هي القروض العقارية المتدنية الفوائد والمخاطرة، والسندات المالية.. فكما حدث بالنسبة لأسهم وسندات "الدوت كوم" في تسعينيات القرن الماضي، حيث تضخمت قيمة الأسهم المالية إلى مستويات غير معقولة، حدث أيضا لرواتب المديرين التنفيذيين في "وول ستريت".
والسوق بشكله الحالي يساعد على ذلك، حيث نرى القوي يأكل الضعيف، ويفرض عليه شروطه المالية.
ولكي تكتمل الصورة علينا أيضا فهم سبب "استثنائية" الفقاعة الحالية كي نعرف بالضبط أين تحتاج الحكومات الذكية للتدخل.. فإذا ما افترضت أنك وجارك قد ذهبتما إلى أحد البنوك، وحصلتما على رهن عقاري، مثلكما في ذلك مثل غيركما من الناس الذين لجئوا إلى تلك الوسيلة، وأصبحوا من أصحاب العقارات.
افترض أيضا أن شركتكما المالية أو مصرفكما الذي قدم لكما الرهن، قام بعد ذلك ببيع المنزلين لأحد الوسطاء الذي قام بوضعهما ضمن إطار حزمة أكبر من الرهونات العقارية المماثلة، ثم عمد بعد ذلك إلى تقسيم تلك الحزم من القروض إلى أجزاء صغيرة، أو أسهم وسندات مؤسسية، وبيعها لكافة المؤسسات والشركات التي تبحث عن عائد إضافي.
إن معنى ذلك أن الأقساط التي تدفعانها أنت وجارك سدادا للرهن العقاري، تذهب لسداد فوائد الأسهم والسندات.
الهرم يتداعى
ولكن ما حدث عندما انهار السوق العقاري دون أن يتمكن الناس من تغطية قيمة الرهن أو بيع منازلهم، هو أن تلك الأسهم فقدت قيمتها، وهو ما كان يعني أن البنوك التي تحتفظ بتلك الأسهم قد خسرت جزءا كبيرا من رأسمالها، وأن الهرم كله بدأ يتداعى.
وأصيب هذا السوق العقاري برمته بالعدوى، بحيث لم تعد البنوك تعرف بالضبط قيمة أصولها المدعمة بالرهونات العقارية، فماذا كانت النتيجة؟.. كانت النتيجة أن تلك البنوك توقفت عن الدفع، وهو ما أدى بدوره إلى نشوء أزمة الائتمان الحالية.
وأزمة الائتمان تلك هي في الحقيقة التي جعلت الأزمة الحالية مدمرة على النحو الذي نراه عليها؛ فنحن في النهاية لا نستطيع تحمل الاستمرار فترة طويلة على وضع تمتنع فيه البنوك عن تقديم القروض للشركات الجيدة العاملة في السوق.
هذا هو السبب الذي يجعل الكونجرس بحاجة إلى إنشاء "مؤسسة للحلول الائتمانية" على غرار تلك المؤسسة التي استخدمناها للخروج من أزمات المدخرات والقروض في ثمانينيات القرن الماضي، فنحن نحتاج الآن -كما كنا نحتاج في الثمانينيات- إلى وكالة حكومية تتولى شراء قروض الرهن العقاري الرديئة، والاحتفاظ بها مؤقتا، ثم إعادة بيعها بعد ذلك بطريقة منظمة، لأن ذلك سوف يحول دون بيع المنازل التي لم يتمكن أصحابها من تغطية قيمة الرهن بثمن بخس، وهو ما سيساعد البنوك في النهاية على استعادة الثقة المفقودة، والبدء في منح القروض للراغبين من جديد.
بالإضافة لذلك، تحتاج الجهات التنظيمية -على المدى الطويل- إلى طرائق تتمكن بها من الحد من مبالغ (الرفع المالي) أي القروض الاستثمارية التي تستطيع بنوك الاستثمار أو شركات التأمين منحها في وقت واحد، لأننا لو وضعنا في اعتبارنا درجة التداخل والارتباط بين تلك البنوك والشركات في الاقتصاد المعولم، فإننا سندرك أن انفجار بنك أو شركة يمكن أن يجر وراءه العديد من البنوك والشركات الأخرى.
السوق الحر.. عصر ينتهي
يقول "ديفيد روثكوف" المسئول السابق في وزارة التجارة بإدارة الرئيس السابق "بل كلينتون" ومؤلف كتاب "طبقة السوبر.. نخبة القوة العولمية والعالم الذين يحاولون صنعه": "نحن الآن في نهاية العهد الذي سادت فيه مقولة "اترك كل شيء للسوق" ومقولة "كلما قللت الحكومات من درجة تدخلها كان ذلك أفضل" ... "بيد أنني أعتقد مع ذلك أنه من المهم التأكيد على الفارق بين الحكومات الذكية والحكومات التي تبالغ في التدخل في كل صغيرة وكبيرة".
ويشير "روثكوف" أيضا إلى أننا "لسنا بحاجة إلى زيادة كبيرة ومفاجئة في كمية الضوابط في وول ستريت ... بل كل ما نحتاجه هو عملية إعادة تفكير شاملة في الكيفية التي يمكننا بها أن نجعل المؤسسات المالية العالمية أكثر شفافية، ونضمن بها كذلك أن المخاطر الموجودة في تلك المؤسسات -الكثير منها جديد، والكثير منها غير مفهوم حتى من قبل الخبراء- سوف تُدار وتُراقب بشكل سليم".
خلاصة القول: إن وظيفة الحكومة هي حراسة ذلك الخط الدقيق الفاصل بين الحد الضروري من المخاطرة الذي يقود الاقتصاد الخلاق والمقامرة المجنونة بمدخرات الناس بطرائق تعرضنا جميعا للخطر.. نعم، نحن بحاجة للتأكد أن ما يحدث في "لاس فيجاس" يجب أن يظل هناك، ولا ينال مناخ الاستثمار، بمعنى آخر: نحن في حاجة إلى العودة للاستثمار في المستقبل وليس المراهنة عليه.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !