الاعتكاف سنة مشروعة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فقد روى البخاري وغيره عن أبى هريرة رضى الله عنه :- أن النبي – صلى الله عليه وسلم-" كان يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما "
والاعتكاف معناه في اللغة :- لزوم الشيء وحبس النفس عليه خيراًََََََََ كان أم شراً قال تعالى:[مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ] {الأنبياء:52} ..أي مقيمون متعبدون لها
ومعناه شرعاً :- هو لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله عز وجل
وهو مرغوب فيه لاسيما في العشر الأواخر من رمضان، وحكمته اجتماع القلوب على الله تعالى بالخلوة وكثرة الذكر والتنفل وتلاوة القرآن.
واعتكاف البدن في المسجد يحقق غاية سامية نطمح إليها جميعاً، ولا نجاة لنا إلا بها .
يحقق الإنابة وعكوف القلب على الله عز وجل
يقول ابن القيم: (( الإنابة هي عكوف القلب على الله عز وجل، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه، وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبته وذكره بالإجلال والتعظيم، وعكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة لرسوله، ومن لم يعكف قلبه على الله تعالى وحده، عكف على التماثيل المتنوعة))
والتماثيل التي يعكف عليها القلب من دون الله قد تكون أصناما كما كان يفعل المشركون، وقد تكون أشياء أخرى يتعلق القلب بها فتصير مثل التماثيل ويصير المسلم لها عبدا.
يقول ابن القيم :((فإذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفا عليها فهو نظير عكوف الأصنام عليها، ولهذا سماه الرسول – صلى الله عليه وسلم عبدا لها ودعا عليه بالتعس والنكس فقال" تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش " رواه البخاري في كتاب الجهاد وابن ماجة في الزهد)).
ولا تتم هذه الإنابة وهذا العكوف القلبي إلا بهجر العوائد، وقطع العوائق والعلائق
والعوائد كما يقول ابن القيم هي السكون إلى الدعة والراحة وما ألفه الناس واعتادوه من الرسوم والأوضاع التي جعلوها بمنزلة الشرع المتبع، والعوائق هي أنواع المخالفات ظاهرها وباطنها، فإنها تعوق القلب عن سيره إلى الله وتقطع عليه طريقه، والعلائق هي كل ما تعلق به القلب دون الله ورسوله من ملاذ الدنيا وشهواتها ورياستها وصحبة الناس والتعلق بهم.
والاعتكاف يحقق كل ذلك، فهو يحقق الإنابة، والخلوة، وعكوف القلب على الله، وهجر العوائد، وقطع العوائق والعلائق.
مما يعطى المؤمن فرصة لمراجعة الذات ومحاسبة النفس والتخلص من عيوبها التي ألفتها فصارت لها طبعا.
ففي الاعتكاف يخلو المؤمن بربه، وتصفو نفسه، وتسمو روحه، ويتلو القرآن بتدبر، ويعرض نفسه على كتاب الله حلاله وحرامه... أوامره ونواهيه ...أحكامه وشرائعه... أخلاقه وفضائله... فيعرف قدر نفسه، ويقف على حقيقة أمره، فتحدث له نوع من المكاشفة لذاته، فيتعرف على مناطق القوة فيها فيغذيها، ومناطق الضعف فيعالجها، وبذلك يصير الاعتكاف مدرسة ربانية عظيمة لمراجعة الذات والارتقاء بها .
التعليقات (0)