شيركو شاهين
sherkoo.shahin@yahoo.com
اذار شهر كوردي بكل ما للكلمة من معنى، فكل يوم فيه وساعة ولحظة لنا عندها دمعة فرح ودمعة حزن، ولنا فيه كذلك شموخا وكبرياء وثورة داعية الى الحرية، فمزيجها من المشاعر يصعب فرزه او محاولة فصله، فالافراح فيه طقوس حية من اوائل رموزها الدبكة والطبل وشعلة ثورية، والاحزان فيه تجسدت في فاجعة هنا وقصف وحشي هناك في اقطاع متعددة من هذه الامة، ووسط هذا الموج العارم من الاحاسيس، يأتي الحادي والعشرين من نوروز كالحضن الدافئة، ليحيل الحدود والاسوار بين ابناءها الى سراب، وتتوحد فيه المساحات ووتتحول شمس يومه الى بيرق ترتفع لاجله الهامات الى عنان السماء بعد ان بزغت على شعب عاش دوما حرا ابياً وقمة عالية بين قمم الجبال.ووسط فرووقات الظروف التي تحيط الامة الكوردية من خلال الدول الواقعة تحت سيطرتها والتي لطالما سعت لطمس القيم الحضارية والثقافية للشعب الكوردي كان بعدها لزاما ان تخوض تحديات صعبة لنيل الاعتراف التام بعيدها وبكونه عيدا قوميا بالنسبة لابناءه.فكورد العراق لم ينالوا الاعتراف الرسمي بجميع ابعاد اعياد النوروز (القومية والثقافية والتاريخية) الا فيما بعد اقرار بيان اذار الخالد (11-اذار-1970) والذي جاء متوجاً للكفاح المسلح الذي دام لعقود طوال بعد ان سطر فيه رجال (البيشمه ركه) أيات التحدي والشهادة، فاعترف بعظمتها الاعداء قبل الاصحاب، الى جانب قياداته التي مدت جذورها عميقا من خلال تلاحمها مع ابناء جلدتها، ورغم كل ما مرت به الحركة الكوردية فيما بعد عام (1970) من نكسة وخيانة للعهود الا ان اعياد النوروز كانت دوما نبراساً ينير درب المناضلين.اما ايران فيحسب لها احترامها لهذا العيد، فالشعوب الايرانية كانت قد اخذت انطباعا قدسياً حول التحولات الفصلية خلال العام وتوارثتها فيما بعد الاجيال حتى اخذت بذلك بعداً تاريخياً وحضارياً، وبما انه لم يأخذ ابد صفة او بعدا قوميا فانه لم تمنع مراسيمه وطقوسه حتى فيما بعد قمع الثورة الكوردية بقيام جمهورية مهابات وسقوطها نتيجة التأمر على تلك الجمهورية الفتية، وحتى فيما بعد الثورة الايرانية وقيام الجمهورية الاسلامية في عام (1978)، بل تم ايلائها اهتماما خاصا لصفته الثقافية الوطنية ولازال الاحتفال به متواصلا حتى يومنا هذا.اما عن تركيا، فان اعياد النوروز لم تقر الاتحت ضغوط شعبية من قبل مختلف الوان المجتمع وكل له فيه دوافعه الخاصة، فاحتفالات النوروز في المدن الكبرى كانت شبه معدومة وكانت على الدوام تتم بشكل شبه ضيق ضمن القرى والنواحي البعيدة عن مراكز السلطة للمحافظات الكوردية، ولكن بعد بدأ انهيار جمهوريات الاتحاد السوفيتي وتحولها الى دويلات صغيرة ذات أسس وطنية مستقلة وجدت الحكومة التركية نفسها محرجة امام اشكالية بالغة التعقيد على الصعيدين الداخلي والخارجي، فالشعوب الاذرية كانت تحتفل دوما بهذا العيد وعد في العديد من تلك الدول المستحدثة عيداً رسمياً وقومياً، ونظراً لامتداد ملايين الترك واصولهم الى هذه الثقافات لم تجد الحكومة التركية بديلا عن الرضوخ والاستجابة لهذه المطالب.ورغم وقوع اوسع اراضي كوردستان واكثرها نفوسا للمواطنين الكورد ضمن حدود الدولة التركية، الا انها ووببساطة شدية لاتعترف بهم كمجموعة عرقية مستقلة ولاتعترف بابسط حقوقهم الوجودية بعد ذلك، ولطاما اطلقوا على الكورد تسمية (اتراك الجبل). ولن يكون غريبا بعدها ان قدم شخصا كورديا الى اعلى محاكم الدولة لا لشيء سوى كونه نطق بلغته الام -الكوردية- على مرء او مسمع من رجال الامن، والدلائل والشواهد بعدها على انواع الاضطهاد العنصري (الاتاتوركي) كثيرة، ولايسعنا هنا المجال لطرحها.وعلينا ان نذكر ان كل مايشاع عن جهود تركيا لاقامة الاصلاحات الداخلية ومراعاة حقوق الانسان كشرط اساس لدخولها السوق الاوربية ما الا محض افتراء واباطيل، كون اغلب الادلة والقرئن تدل الى عكس ذلك، فقد اكدت تقارير مؤسسة رعاية حقوق الانسان التركية ان الشكاوى المقدمة اليها بارتفاع متواصل بخاصة من قبل مواطني منطقة (ديار بكر) ذات لغالبية الكوردية وان نسبة الانتهاكات في تزايد مستمر منذ اقرار التاريخ الشكلي لافتتاح المحادثات حول انتماء تركيا الى الاتحاد الاوربي.والحال ليس باحسن منه في سوريا، ولم تكن اعياد النوروز تقام الابشكل سري ومحدود وهذا لغاية منتصف عقد الثمانينيات تقريبا، حيث بدأت الجموع الكوردية بعد ذلك التاريخ بالاحتفال علنا عبر حضور كثيف في الحدائق وبين احضان الطبيعة، ومن البديهي ان لايحلو للحكومة السورية ذات الافق البعثي الشوفيني مثل هذه الفعاليات فعملت قبل (21-اذار-1986) على منع الفعاليات والاحتفالات الشعبية الخاصة بهذه المناسبة، وعلى اثرها قامت مسيرة سلمية في العاصمة دمشق، فما كان من قوات الامن الا ان هاجمت المشاركين فيها معتدية عليهم بالضرب والتنكيل واطلقت عليهم النار بعدها، فسقط العديد من القتلى والجرحى ومن بينهم الشهيد (محمد امين ادي)، وحين دفنه في مدينة القامشلي في (22-اذار-1986) اشتعلت مظاهرات عارمة شارك فيها الالاف من الكورد الغاضبين، وحين ذاك خضعت الحكومة لنداء الجماهير واصدرت مرسوما رئاسيا يجيز الاحتفال بعيد (الام) والمصادف ايضا عيد النوروز (21 اذار) وذلك تجنبا للاعتراف الصريح بهذا العيد القومي.ان المشاعر القومية التي اججها نوروز في ذلك اليوم لم تأت وليدة اللحظة بل جاءت بعد عقود طويلة من الاضطهاد الذي عمدت اليه الحكومة السورية منذ تاريخ تاسيسها متخذاً اشكالا شتى وعلى رأسها القضاء على اي تواجد غير عربي في البلاد.ان جزاء مهما من كوردستان قد الحق بالدولة السورية بموجب اتفاقية (سايكس-بيكو) –سيئة الصيت- وعلى الرغم من العهود والمواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان التي صادقت عليها سوريا شرطا اساسيا لقيام الدولة وتعهدت على الالتزام بها، الا انها مع الاسف تنكلت لكل تلك العهود والمواثيق وسعت لتذويب القومية الكوردية في البوتقة العربية، حيث ما فتأت بتجاهل وجود اكثر من (2.5) مليون كوردي يعيشون على اراضيها، وليس هذا فحسب بل عمدت على بث روح الطائفية والاشاعات الهدامة بقصد اظهار الكورد انهم مجموعة من الانفصاليين والتشكيك بعدها بعمق تاريخهم واصالة لغتهم وحضارتهم، وذلك في ابشع حرب نفسية داعية لتهجيرهم خاصة في الاجزاء التي تشهد تواجدا مطلقا لهم مثل (القامشلي والجزيرة وكوباني وجبل الكورد).ويكفي انها انفردت باجراءات شملت ابشع تميز عنصري في العالم الحديث وبمأساة فريدة من نوعها، حيث قامت بموجب المرسوم (93لعام1962) بانتزاع الجنسية السورية من عشرات الالاف من العوائل الكوردية بتاريخ(5/10/1962) حيث وصل عدد المتضريين من هذا القرار الى مايتجاوز (250 الف شخص)، وينص هذا المرسوم على حرمان الكورد من جميع حقوقهم المدنية بما فيها الهوية والعمل والتعيين في دوائر الدولة ومتابعة التحصيل العلمي والتنقل بين المحافظات والسفر والاقامة في الفنادق وتسجيل الممتلكات وعقود الزواج الولادات، بل وحتى شراء سيارة او عقار، والادهى من ذلك كله حين قامت بمصادرة اراضي ومنازل المجردين من جناسيهم (مكتومي القيد) واجبارهم بعد ذلك على دفع الايجارات.وتحول اولائك الكورد من مواطنين الى مساجين.بقى لزاماً ان نشير الى شعوب الدول المجاورة لجماهير شعبنا الكوردي ان عليها واجباً تاريخيا هو ادراك ان نكران دور الطرف الكوردي في المنطقة وتجاسر الانظمة القمعية الحاكمة على حقوقه هو في حقيقة الامر انكاراً واضحاً وصريحاً لحقوقهم الذاتية في مستقبل شعوبهم ونيلهم التحرر الكامل الاجتماعي والسياسي والثقافي.وان يعلموا ان عصارة ما افرزته هذه المنطقة من عطاء هو وليد الشركة الاخوية بين حضارات المنطقة من كورد وعرب واشوريون وفرس.وعسى ان يكون نوروز هذا العام وكل الاعوام لبنة لبناء المنطقة على اساس التعايش الاخوي والمساواة في الحقوق والواجبات.فبنوروز تتجدد الدعوة لنبذ الفرقة والتشتت ليحل محلها الحب والسلام.
نشر بتاريخ 27/3/2006
التعليقات (0)