الاعتذار والتسامح والثقة بالنفس
خليل الفزيع
ثمة يوم عالمي للتسامح يحتفل به العالم في السادس عشر من نوفمبر في كل عام، لتأصيل قيم التسامح بين الشعوب، وصولا إلى تحقيق المزيد من التعاون الدولي وتجسير العلاقة بين الثقافات بعيدا عن الهيمنة الثقافية أو السياسية أو الاستيطانية التي تتبناها دول آلت على نفسها خرق جميع القيم والقوانين والأنظمة الأممية، غير عابئة باحتجاجات العالم ضد تجاوزاتها وغطرستها وانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي، وما يجري في فلسطين على أيدي الصهاينة، هو نموذج قبيح لظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
ولتجاوز هذه الإشكالية المتجسدة في وجود اليوم العالمي للتسامح وعدم التسامح مع الظلم والعدوان وحروب الإبادة الجماعية وتجريف الأراضي الزراعية والقضاء على الأخضر واليابس، أقول لتجاوز هذه الإشكالية لا بد من وجود يوم عالمي للاعتذار وهو اعتذار لا يكتفي بمجرد الكلام بل بالاعتراف بالأخطاء والتراجع عنها مع التعويض عن ما سببته من الأضرار لمن نالتهم تلك الأضرار.
الاعتذار يبدأ التعود عليه من قبل الأفراد من خلال التربية السليمة، اعتمادا على مبدأ الرجوع إلى الحق فضيلة، ولا يمكن أن تتحقق شمولية الرجوع إلى الحق إلا بالاعتذار، فالخطيئة تستوجب الاستغفار والخطأ يستوجب الاعتذار، وهذا السلوك الأخلاقي النبيل دليل الثقة بالنفس ودليل علو الهمة ودليل السعي لراحة الضمير واطمئنان النفس، وإذا ساد هذا السلوك بين أفراد المجتمع أصبح ثقافة اجتماعية وقيمة حضارية من حق المجتمع أن يعتز بها وأن يعمل على تأصيلها وعدم التهاون في القيد بها، لكن بعض الأفراد يجد غضاضة في الاعتذار، وهذا يعني أن تأخذه العزة بالإثم ليتمادى في غيه دون أن يملك الشجاعة للاعتراف بخطئه، ولا نقول خطيئته، لأن الخطيئة تستوجب الاستغفار وطلب الصفح من الخالق وليس من المخلوق، ومن لا يعترف بخطئه الصغير قد يصعب عليه الاعتراف بخطيئته الكبيرة، دون أن يشعر بالذنب بعد أن ماتت في نفسه فضيلة الصدق والاعتراف بالذنب، وغاب عن قلبه الشعور بالإثم، وهذا ما يقوده إلى أن يكذب على نفسه قبل أن يكذب على غيره، وحياة قائمة على الكذب هي حياة فاشلة بكل المقاييس.
وإذا كان هذا السلوك الحضاري مطلوبا ودون تهاون على مستوى الأفراد والمجتمعات، فإنه مطلوب أيضا ودون تهاون على مستوى الدول لتتحقق الأهداف التي من اجلها تتخذ القرارات وتؤسس القوانين والاتفاقيات بين الدول وحتى لا تصبح كل تلك القوانين والاتفاقيات مجرد حبر على ورق، عندما تخترق أو يتم تجاهلها من بعض الدول العنصرية والمبنية على الاحتلال واغتصاب الأراضي من أصحابها الشرعيين الدولية، ولكن وكما أشرنا سابقا فالاعتذار لا يعني مجرد إطلاق التصريحات أو إعلان البيانات للتمويه والتغطية على الخطايا والأخطاء، بل لا بد أن يعقب ذلك عمل فعلي تظهر نتائجه مستجيبا لما تفرضه الاتفاقيات والقوانين الدولية. أما الدول التي تقودها الغطرسة والعنجهية إلى عدم الاعتذار فلا بد من عقاب دولي صارم إذا أريد لهذا العلم أن يعيش بأمن وسلام.
أليس من الضروري وجود يوم عالمي للاعتذار، حتى تكتمل الصورة الجميلة لليوم العالمي للتسامح.. ليكتمل جمال التسامح إذا سبقه اعتذار يتناسب مع حجم الخطأ.
التعليقات (0)