منذ اندلاع انتفاضة الاستقلال وخطايا "تيار المستقبل" في تراكم مستمر. صحيح أن "من لا يعمل لا يخطئ"، و"جلّ من لا يخطئ"، لكن "غلطة الشاطر بألف"، ولذلك على "التيار الأزرق" أن يعلم أن أغلاطه ليست بألف وحسب، إنما بأربعة ملايين ونصف المليون في الداخل ونحو عشرة ملايين في الخارج!
حديثنا في هذا المقال ليس عن خطايا أوقفزات الرئيس "سعد الحريري" المفاجئة والصادمة في السياسة والتي تعتبر السبب الرئيس لضعف 14آذار، فقد سبق أن فصّلناها بالتواريخ والوقائع في مقالنا السابق "في 14شباط..ماذا بقي من 14آذار؟"؛ مقالنا اليوم يتناول أخطاء من نوع آخر، هي أخطاء "الوقوع في خطأ الغير" إذا صح التعبير، ونعني تحديدًا وقوع "الحريري" في كلمته الأخيرة في الذكرى التاسعة لذكرى 14شباط بخطأ كبير لطالما اتهم به أخصام الأمس وشركاء اليوم، ألا وهو قلب المفاهيم واحتكار المسميات!
قالها "الحريري" وبصوت عال: "تيار المستقبل يرفض أن يكون على صورة حزب الله"، وختم كلمته بالنبرة ذاتها: "أهل العدالة هم أهل الاعتدال. ونحن، نحن أهل الاعتدال. نحن أهل الاعتدال الذين وقفنا ونقف بوجه كل تطرف، مهما كان".
بقليل من التفكير في كلام "الحريري" هذا، نجد أنه أظهر الوجه الثاني للعملة أو للصورة التي رفض أن يكون على شاكلتها آنفًا؛ فكما يحتكر "حزب الإرهاب المنظم" صفة "المقاومة" وهو منها براء، وكما يحتكر قرار الطائفة الشيعية ويستفرد بتمثيلها، وكما اتهمه "تيار المستقبل" ذات يوم أنه تكفيري بتخوينه من يخالفه أو يعارضة في السياسة... كذلك وقع "الحريري" في خطأ احتكار "الاعتدال" وأكّدها ثلاث مرّات وبأل التعريف :"نحن، نحن أهل الاعتدال، نحن أهل الاعتدال"، ما يعني بمفهوم المخالفة أن من لا ينتمي لتياره أو ليس على منهجه أو حتى يعارضه من أبناء طائفته هو متطرّف ومن أهل التطرف، وهذا أقصى التطرّف، بل هو تكفير ولو بالمجاز! ولو كان للحريري (أو لكاتب خطابه) الحد الادنى من الانصاف والموضوعية لقال:" نحن معتدلون" أو نحن من أهل الاعتدال".
تابعنا سلسلة مقالات "الاعتدال إن حكى" التي نشرتها صحيفة "المستقبل" الأسبوع الماضي وأشار "الحريري" الى احدى حلقاتها، وهي مقالات وإن أتت في سياق "احتكار الاعتدال" الذي أشرنا إليه، لا شك أنها قيّمة في جوانب عدة، وكأي رأي -ومنه هذا المقال- هي مجموعة آراء خاضعة للنقاش والأخذ والرد. وفي نهاية المطاف يبقى "الاعتدال" صفة غير مؤبّدة بالموصوف، فقد تنفك عنه أو تلتصق به تبعًا لالتزامه بمفهوم ومبادئ الاعتدال، وهي لا تمنحه بحال من الأحوال "كارت بلانش" أو شيكًا على بياض ليقترف ما شاء من التطرف والانحلال ويبقى مع ذلك هو هو هو أهل الاعتدال.
فالاعتدال إن شكا أظنه سيقول: لستُ أنا مَن يغطي تطرفًا يقتل شعبًا بريئًا بحقد طائفي فاق الخيال. لستُ أنا من يَعِد ويتعهّد ثم يتنصل من كلامه وكأنه ليس كلام رجال. لست أنا من يرفع السقف عاليًا بمواقف نارية ثم يقفز فوقها وكأنها هلوسات في خيال. لست أنا من ينقلب على تحالف كلما جاءته إشارة من على بُعد آلاف الأميال. لست أنا من يجتمع بخصمه سرًا تاركًا حليفه في غفلة حال. لست أنا من يرفع شعارًا ثم لا يلبث يطبق نقيضه في الحال والمآل. لست أنا من يقبل الهوان لوطنه وطائفته ثم يدرج تخاذله في خانة الاعتدال. كلا كلا، لست أنا من يرضى بكل ذلك، سمّوه انتحالاً، سمّوه انحلالاً، سمّوه تطرفًا، سموه غلوًا، سمّوه ما شئتم، لكن إياكم إياكم أن تشوِّهوا صورتي وتقلبوا مفهومي، وتسمّوا ذلك الغلو والتطرف في الانحلال اعتدالاً.
التعليقات (0)