( الاصلاحات المطلوبة بحاجة الى ثوار حقيقين , وليس الى فاسدين احترقت كل اوراقهم )
"اننا نأمل أن يكون الطريق نحو التغيير ثوريا وتوافقيا في الوقت ذاته " .هذه العبارة هي للملك عبدالله الثاني ملك الاردن من خطابه أمام منتدى قادة العالم في جامعة كولومبيا الامريكية عام 2011 . ومن أجل هذه الغاية طالب الملك أن يعمل الاردنيون يدا بيد لتحديد الاولويات الوطنية , وتكريس الظروف المناسبة للوصول الى مستقبل أفضل .
كلام في غاية الاهمية , ولكن المهم في النية الصادقة لتطبيقه على ارض الواقع . بعد عام على هذا الكلام راوح الاصلاح في مكانه , حتى ان الحراك الشعبي صار محط استهزاء من اعوان النظام , وتسلط حملة عليه لتشويه مقاصده , بمعنى اخر هناك حملة لشيطنة الحراك , وانه من الممارسات العبثية التي لا فائدة منه , وترتكز الحملة على التخويف من نتائج الحراك , وانه سيقود الى نتائج كارثية مستشهدين بما جرى في ليبيا واليمن وسوريه وفي مصر وتونس , وان القبول بالوضع الراهن كما هو افضل من الوصول الى واقع مؤلم سوف نندم على ما فات .
الحديث في الحراكات الشعبية وفي الندوات والمحاضرات وحتى في الندوات التلفازية في الفضائيات الخاصة أنصب على الاصلاح , ولكن الاصلاح في كثير من الاحيان يسير بخطوات رتيبة ولم ترضي معظم قطاعات الشعب , وقد يحتاج مثل هذا الاصلاح الى مدد زمنية قد تطول وقد تقصر . أما العمل الثوري فانه لا يحتمل التأخير , او التمدد لمدد طويلة , فاين ما جرى في الاردن من اصلاحات وبين العمل الثوري المطلوب الذي تحدث عنه الملك ؟.
الاصلاح قد يقوم به القائمون على دفة الحكومة , ولكن عندما يكون هؤلاء هم الذين قادوا البلاد الى ما هي عليه الان من أزمة اقتصادية وسياسية , فهل يعقل أن يفهموا ما رمى اليه الملك في التغيير الثوري ؟ وهل يصلح من يتهموا بالفساد والروتين ان يقوموا بعمل ثوري حقا ؟ . العمل الثوري يحتاج الى ثوار من قلب الشعب يعيشون معاناته وآلامه , وليس من شارئح اختبرت من قبل الشعب .
معظم الاحزاب والقوى السياسية في البلد يعرفون أن المشكلة تكمن في الرموز والاجهزة والمؤسسات التي تحكم منذ عشرات السنين , في معظم القضايا المهمة, وبيدها أدوات السلطة . وأن لهذه الرموز مصالح كبيرة في البلد , وقد حافظت على مصالحها بسن القوانيين والقرارات التي تضمن تلك المصالح على حساب غالبية أبناء الشعب الذين كانوا يشكلون الطبقة الوسطى , وصاروا اليوم ضمن الطبقة الفقيرة .
قد يحصل التغيير في القوانيين والتعديل في الدستور , كما جرى في قانون البلديات , الذي لا أعتقد أن القانون الجديد قد جاء بشيئ مهم قد يصلح حال البلديات البائس , حيث تشهد الانتخابات البلدية في كل دورة صراعات عشائرية حادة , واصطفافات فئوية لاتخدم البلد في شيئ .وكذلك الحال في قانوني الانتخابات البرلمانية و الاحزاب , , اضافة الى اقرار التعديلات الدستورية .
كل هذه الانجازات مهمة ومتقدمة قياسا على ما نشهده في بلدان عربية من حولنا ,ولكن التغيير الثوري الذي يستلزم ثوريين للاشراف على تنفيذ هذه القوانيين بشفافية , ومن قبل هيئات مستقلة , يشرف عليها افراد لم تتلوث سمعتهم من قبل , وعانوا من تعسف الافراد المسيئين الذي زادوا من معاناة المواطنين .
لم يعفي الملك رأس الهرم الحكومي من المسؤلية , ولكنه يلتمس العذر له اذا أخطأ في احدى قراراته , فقال " لم تكن النتائج دائما بمستوى الطموح . ونحن في مواقع المسئولية التي يجب أن يصاحبها تحمل جزء من اللوم . أعطوني قائدا واحدا يدعي أن كل قرار أتخذه كان صائبا , وسأثبت لكم أنه شخص منفصل عن الواقع , وأعتقد أن الشرط الاساسي لنجاح أي شخص يسعى لخدمة الاخرين هو أن يدرك أنه من البشر وبالتالي فهو غير معصوم عن الخطأ "
ان التماس العذر لمن يخطئ مرة بدون نية مسبقة , أو بدن أجندات خاصة أو خارجية , أمر صائب بهدف تعديل مساره من الخطأ الى الصواب . أما اذا كان المخطئ والمسئ يرتكب خطأه واساءته من أجل غايات خاصة , أو من أجل الاضرار ببلده , فلا يجوز حمايته , أو ايجاد أعذار له عن أخطاءه , بل يجب محاسبته أمام عامة الناس في البلد , لتطمئن قلوبهم ويغلبوا الثقة على النكوص , لان الثقة هي بداية الشوط , أما النكوص واليأس هو نهاية الشوط , وبعد ذلك لا أحد يأمن العواقب .
أنا لا أدعي معرفة الفاسدين ولا جهات الفساد , ولكن الاحاديث والمقالات حول الموضوع قد أزكمت أنوفنا من كثرة الفساد والمفسدين , ولا يمكن أن يكون هذا الحديث من باب التشهير أو الحسد , أو الاضرار بالبلد , اذ لا يوجد دخان بدون نار كما ان الاحالات الى القضاء لرموز النظام يؤشر مقدار الفساد الذي اودى بالبلد الى هذا الحال المزري من الجوع والفقر والمديونية , اذ لايعقل ان تتصاعد المديونية على الاردن وتصل الى ارقام كبيرة رغم كل المساعدات والهبات من الدول العربية والاجنبية ومن البنوك الدولية .
وعليه فالتغيير الثوري الذي اراده الملك يستلزم اجراءات ثورية تحدث تغيرا ملموسا في الادارات والمؤسسات الحكومية وخاصة المؤسسات الاقتصادية , التي كثر الكلام حولها , وبالذات في الاستثمارات العقارية
والسياحية , والاجراءات الثورية تحتاج الى ثوار , اي باختصار ان الحرس القديم ما عاد محط ثقة المواطنين , ولابد لصاحب القرار الذي بيده السلطة الاولى ان ينزل الى الشعب ويلتقط بنفسه من هم القادرين على اداء مهمة العمل الثوري .
التغيير الثوري يشمل السياسة الخارجية , العربية والعالمية ,ولاسيما أن الاردن, قد حاز على ثقة عالمية ممتازة في تنفيذ اجندات لا تعود على البلد بالخير الكثير . أن الاخرين من حولنا يضمرون لنا الشر .اذ يأمل العرب في من يقرع الجرس , ويعلي صوته بوجه الادارة الامريكية والصهاينة , ويتصرف كما تصرف بعض الزعماء الذين تحلو بالثورية من قبل .
قد يقول قائل أن بلدنا صغير , وهذا صحيح , ولكن الموقف الثوري في هذه القضايا , هو الموقف المطلوب لاننا بلد صغير ومستهدف , والكل يعرف ما يحاك لبلدنا , وجعله " الوطن البديل " . في مثل هذه الحالة البلد الصغير قادر على أن يقلب الطاولة على رؤوس كل اللاعبين , سواء كانوا كبارا ام صغارا .
القضية الفلسطينية اليوم أمام امتحان عسير , معظم دول العالم التي تحضر جلسات الجمعية العامة للامم المتحدة متعاطفة معها , باستثناء الولايات المتحدة , وقد كشر اوباما عن أنيابه كما هو حال الرؤساء السابقين , ضد العرب , وضد قضيتهم العادلة , وأبدى انحيازه الى جانب الكيان الصهيوني وكذلك المرشح الجمهوري وكلاهما يخطبان ود اليهود الصهاينة لكسب اصواتهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة هذا العام . مطلوب اليوم التخلي عن المبادرة العربية , واتخاذ قرارات نفطية كالتي أتخذها العراق والسعودية عام 1973 . كما ان الازمة السورية قابلة للامتداد خارج حدودها الجغرافية , فلا يجوز اقحام البلد فيها وتنفيذ اجندة خارجية .
التعليقات (0)