عقب اعلان اللواء عمر سليمان قرار التنحي صدرت تصريحات من اطراف في الكونغريس الامريكي و قوى اقليمية و اطراف محلية مصرية لها علاقات بواشنطن بضرورة حل الجيش المصري بحكم ان المؤسسة العسكرية تستهلك امكانيات مادية ضخمة تستنزف الاقتصاد المصري و لا مبرر لوجود هذه الامكانات المرصودة في ظل حالة السلام و التنسيق بين القاهرة و تل ابيب يجعل من فرضية نشوب حرب مستقبلية مستبعدة من جهة و من جهة اخرى ان بقاء استمرارية المؤسسة سيشكل ثورة مضادة و حجر عثرة في القطع مع آليات اشتغال النظام السابق، و لعل تجربة قرار بول بريمر بحل الجيش العراقي بعد الدخول الى بغداد تشكل منطلقا لهذه الدعوات خاصة ان التجربة استطاعت تفكيك النظام بصورة فعلية و سمحت بإعادة تشكيل نظام جديد وفق المصالح الامريكية ، نظام قال عنه وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس خلال زيارته للعراق في بدايات شهر ابريل الحالي و امام الجنود الامريكيين في قاعدة ليبرتي قرب بغداد انه مثالا لدول المنطقة لإرساء الديمقراطية بل ان الاضطرابات حسب زعمه التي تعم الخريطة العربية تجعل العراق واحة للديمقراطية الحقيقية التي تنشدها مختلف الثورات التي تهز انظمة الحكم.
مناسبة التذكير بهذه التصريحات، الشعارات و الدعوات التي بدأت في التنامي و التصاعد ضد المؤسسة العسكرية بعد الصدام الذي وقع في الساعات الاولى من صباح يوم السبت المنصرم بين الشرطة العسكرية و المحتجين في ساحة ميدان التحرير الذين اصروا على الاعتصام بالميدان حتى يتم التسريع في محاكمة رموز النظام السابق. ان هذه الشعارات الجديدة التي بدأت تسري ضد دور الجيش الجديد و مع اصرار المجلس العسكري على فرض القانون باستعمال القوة في ظل عجزه في تدبير الكثير من الملفات المستعجلة و الملحة ستشكل تهديدا واقعا على الاستقرار الهش الذي نشأ في مصر بعد جمعة الغضب و انهيار المنظومة الامنية في حالة اذا ما اصرت بعض التيارات المؤثرة في الشارع المنتفض ضد الاوضاع و جعلت من شعار الشعب يريد حل الجيش عنوانا لمرحلة مصر ما بعد مبارك وهذا ما سارع الناطق الرسمي للمجلس الاعلى للقوات المسلحة اسماعيل عثمان الى نفي قيام المجلس بثورة مضادة بل و اكد على الاستجابة لكل المطالبات التي رفعتها الثورة غير ان الصورة التي بدا فيها الناطق الرسمي و حالة الارباك و الاهتزاز على خلاف بدايات احداث ما بعد 25 يناير يشعر كل المتتبعين ان لحظة قبل الانفجار هي السمة الغالبة اليوم على المسرح المصري.
الصدام مع الجيش ليس هو برميل البارود الوحيد المطروح على الساحة بل ان حقول الالغام القادرة على تفجير الوضع متعددة فالصراعات محتدمة بين التيار الصوفي و التيار السلفي و بين التيار السلفي و الاسلاميين الديمقراطيين و بين التيارات الدينية الراديكالية و التيارات العلمانية و بين التيار الاسلامي و التيار القبطي ناهيك عن مطالبات الاستقلال و الحكم الذاتي لبدو سيناء و الاقباط و قبائل جنوب مصر ، و هي صراعات تستفحل وسط المعدلات الكبيرة للإقبال على السلاح القادم من شرق ليبيا و شبه جزيرة سيناء و المناطق السودانية الغربية سواء السلاح العشوائي الذي يتجه اليه الافراد او السلاح المنظم الذي تتجه اليه الجماعات و كذلك في غياب قنوات الاتصال و الحوار و انعدام الآليات الدستورية و القانونية لتصريف التناقضات بالطرق السلمية تجعل مصر اليوم في عين عاطفة نظرية الفوضى الخلاقة التي لا تتنظر سوى الطلقة الاولى حتى تتحرك في كل الاتجاهات و المناطق.
هي صورة قاتمة لمستقبل مصر نقدمها الى كل اولئك الذين اتهمونا و يتهموننا بالاستقرار و الانتقال السلمي للسلطة الذي نادينا به بعد خطاب مبارك الثاني لأننا كنا ندرك المنزلاقات و الزواريب التي يمكن ان تدخلها مصر اذا اصر البعض على الاسقاط الفوري للنظام، لكن ثقافة البله السياسي كانت اقوى من ثقافة العقل و لعل تصريح الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز من واشنطن يوم الاربعاء 6 ابريل 2011 الذي قال ان انتشار الديمقراطية في المنطقة يمكن ان يحسن بشكل كبير الوضع في اسرائيل و علينا استغلال الصحوة التي يشهدها العالم العربي، تصريح بمثابة سؤال علينا الوقوف امامه مليا.
التعليقات (0)