الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي المعروف
كتب لي احد المعلقين واسمه ra2id تعليقا على موضوعي لم اجد اناسا لا يخجلون مثل المدافعين عن الاسلام جاء فيه:
"انني ومن خلال قرائتي لسيرتك الشخصية على بروفايلك قد لاحظت انك مولع بكتب علم الاجتماع واعتقد اننا لن نختلف على فضل الاستاذ د.علي الوردي ودوره المهم في علم الاجتماع واني لارجو ان تعيد قراءة الفصل العاشر من كتاب "مهزلة العقل البشري" والمعنون ب"الديمقراطية في الاسلام" وارجو ان تعطيني رايك المسهب ولك خالص الشكر والتقدير... " انتهى
بداية اشكر الاخ المعلق على هذا التعليق المهم. وعلى هذا التعقيب الذي غالبا ما اسمعه من العراقيين خصوصا عن دفاع عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي عن الاسلام ..
كتب الدكتور علي الوردي في كتابه ـ مهزلة العقل البشري ـ صفحة 177:
"لا ننكر ان الحكومة الاسلامية كانت تمتاز عن الحكومات القديمة بكونها اتخذت القرآن لها دستورا. ولكن هذا فرق ظاهري. فالقرآن "حمال اوجه" كما وصفه الامام علي. وهو اذن لا يختلف عن ذلك "القانون الذي يحكم اصحابه به نهارا ويرقصون عليه ليلا وقد وجدنا اظلم الحكومات في هذا العصر هي تلك التي اتخذت القرآن لها دستورا." انتهى
وهذا كلام جميل لا نختلف معه عليه. وساعود لاعقب عليه لاحقا.
وفي الصفحة 179 من نفس الكتاب يقول:
"ونحن حين نشاهد الترف الخبيث مستحوذا على سلاطين المسلمين وامراء المؤمنين يجب ان لا ننسى تلك الثورة الشعبية الكبرى التي قام بها ابو ذر وعمار وعلي بن ابي طالب في مكافحة هذا الترف عند اول ظهوره في تاريخ الاسلام.
لقد كانت تلك الثورة فاشلة. لاشك في ذلك. فهي قد سبقت زمانها بعدة قرون، وحق لها اذن ان تفشل. ولكنها مع ذلك بقيت في التاريخ رمزا لديمقراطية الاسلام ودليلا صارخا على ان حكومة الاسلام نشأت في اول امرها من الشعب وبالشعب ومن اجل الشعب.
لقد كانت هذه الثورة امتدادا للثورة المحمدية، ولو درسنا هذه الثورة في بدايتها ونهايتها لوجدناها ديمقراطية تحارب الاسياد المترفين وتجعل الناس سواسية امام الله وامام القانون.
يقول المؤرخون الغربيون ان حكومة الاغريق كانت اول ديمقراطية وآخر ديمقراطية في التاريخ القديم ونسي هؤلاء حكومة الاسلام الاولى التي تمثل في محمد وخلفائه الراشدين.
ولو درسنا سيرة هؤلاء في ايام حكمهم لوجدناهم ديمقراطيين الى درجة لا يستهان بها." انتهى
لا اعلم عن اي ديمقراطية يتكلم الدكتور علي الوردي هنا؟ فحتى لو كان يتكلم عن المصطلح القديم للديمقراطية والتي تعني "حكم الشعب". فهل انتقلت الخلافة لابي بكر بطريقة ديمقراطية شعبية؟ وهل من الديمقراطية يا دكتور علي الوردي ان يكون الخليفة من بني هاشم حصرا؟ هل نسيت السقيفة يا دكتور علي الوردي؟ لنترك تولي ابي بكر للخلافة ولنقل ان هناك ظرف طارئ على هذا. كيف تسلم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الخلافة؟
هل استلمها بطريقة ديمقراطية ام بتوصية من الخليفة الذي قبله ضاربا بعرض الحائط الشعب .. وكيف انتقلت الخلافة الى خليفته الثالث؟ الم تنتقل له بواسطة ستة اشخاص اختارهم عمر بن الخطاب بذكاء لتذهب الخلافة الى الامويين من بعده ويلعبوا لعبتهم؟
اين الديمقراطية يا دكتور علي الوردي في تمسك عثمان بن عفان بالكرسي الذي لا يختلف ابدا عن تمسك حسني مبارك وتمسك بشار الاسد؟
كيف كانت نهاية عثمان بن عفان يا دكتور؟
وهل جاء علي بن ابي طالب باستفتاء شعبي ام نصب من قبل مجموعة من الناس وكانت اكثر الولايات في عهده كرها له؟ ولو كان اختياره ديمقراطيا، لماذا حدثت في زمنه اكثر من معركة كان المسلمون هم وقودها من كلا الطرفين؟
ولكن للاسف لا فائدة من مخاطبة الدكتور علي الوردي لانه فارق الحياة وترك لنا في كتابه مهزلة العقل البشري مهزلة اسمها الديمقراطية الاسلامية.
لا الوم الدكتور علي الوردي على كتاباته هذه، لانه كان يعيش في مجتمع اسلامي ظالم لا يرحم ..
مجتمع مستبد لا يقبل بحرية الرأي .. ولم يكن امامه بعد ان تعرض للهجوم الكاسح من قبل رجال الدين على مؤلفاته وخصوصا كتابه ـ وعاظ السلاطين ـ الا ان يلمع الاسلام بهذا الشكل المفضوح.
والتلميع يتم بسرد انصاف الحقائق من تاريخ مليء بالمتناقضات .. باسلوبه السردي القريب الى الملل احيانا ..
ولكن الاذكياء سيقرأون ما بين الاسطر .. سيقرأون ما اراد ان يقوله الدكتور علي الوردي .. سيقرأون ما لم يكتبه بسبب القمع الاسلامي البغيض.
المسألة الاخرى التي تجاهلها الدكتور علي الوردي، هي ان الديمقراطية في العصر الحديث لا تعني حكم الشعب المطلق، بل تم اضافة الحقوق الانسانية لها .. ومعظم الدول الاوربية الحديثة، لها محاكم دستورية تراجع جميع القرارات والقوانين التي تتخذها البرلمانات، ولو وجدت انها غير قانونية وتتعارض مع حقوق البشر تعيدها وترفض تشريعها ..
اما المسألة التي لم افهمها، هو ما ورد اعلاه من قول للدكتور علي الوردي بالقائه اللوم على القرآن في فشل الديمقراطيات!!!
فلو رفعنا القرآن من اي تجربة حكم لاي دولة في العالم، فهل سيكون من العقلاني ان نطلق على هذه التجربة "تجربة اسلامية"؟؟
ما ورد في المقالة اعلاه هو نقد لهذه الجزئية من كتابه، وهذا لا يعني ابدا التقليل من الدور المهم والمميز الذي لعبه الاستاذ علي الوردي في دفع الحركة الثقافية والادبية والعلمية في العراق بل في المنطقة باسرها نحو الامام بخطوات واثقة ومتسارعة.
التعليقات (0)