الاسلامُ دين ٌ لا دولة
آن الآوان ان نعلنها صريحة وبلا مواراة او خوف او تحايل للبشرية جمعاء أن الاسلام دين الله هو الدين الخاتم للبشرية وليس دولة او نظام حكم او ما شابه ذلك , وهذا ليس تقليلا من قدر الاسلام بقدر ما هو اعترافٌ بقدسية الاسلام وسماويته وشموليته للبشرية جمعاء وان المقولة التى تنادي بأن الاسلام دين ودولة هى افتراء على الله وتحجيم لشمولية الإسلام لأنه اذا كان الاسلام دولة فهذه خصوصية واننا ندعى ان من مع دولة الاسلام هم المؤمنون وغيرهم الكافرون وليسوا من الدولة وهو نهج العنصرية مثل الصهيونية التى تدعى ان اليهود هم شعب الله المختار ومثل النازية التي تدعو الى علو العنصر النازى على كل الشعوب وحاشى لله ان يرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بدين عنصرى محدود لطائفة معينة .
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن رئيسا لدولة او مؤسساً لدولة او حتى داعيا لبناء دولة ولكنه كان رسولا من الله سبحانه وتعالى الى كل البشرية عربا وعجما شمالا وجنوبا بيضا وسودا , رسولا يدعو الى الوحدانية لله والى تطبيق احكام الله على البشر جميعا وقد كان بحكم أنه الرسول النبى من الله فهو القائد والمعلم بامر الله وعندما توفي الرسول كان لزاما ان يختار المسلمون خليفة لرسول الله كي يوحد كلمتهم وعندما توفى ابوبكر خليفة رسول تم اختيار عمر بن الخطاب خليفة لخليفة رسول الله وقد كان عمر بن الخطاب مجددا فانشأ الجيش وقسم له الرواتب وعين فى كل ولاية اميرا ممثلا له واطلق على نفسه لقب (أمير المؤمنين) وبدأت حينئذ ما يسمى بالدولة الاسلامية وهو فكر تجديدى اوجبته نتائج انتشار الاسلام وتعدد ولاياته , وما قام به عمر ابن الخطاب يعتبر تجديدا فى الفكر الاسلامى اوجبته الحاجة فى ذلك الوقت وليس خاصية من خواص الاسلام , حيث انه ثبت ان ما قام به عمر بن الخطاب لم يقم به الرسول ولا الخليفة الاول ابوبكر ولكنه تجديد اقترحه عمر بن الخطاب ووافق عليه جموع المسلمين .
وبعد مقتل عمر بن الخطاب تم اختيار عثمان بن عفان وفى عهده تم الفصل بين الخليفة كخليفة رسول الله وبين الامير او القائد وعليه فقد بدأت الاختلافات حول عثمان حتى قامت ثورة كبيرة انتهت بمقتل عثمان فى بيته وبعد حصاره وهنا اختلف المسلمون فمنهم من اختار على ابن ايى طالب خليفة ومنهم من طالب بقتل ومحاسبة قتلة عثمان وهؤلاء رفضوا خلافة على ومنهم معاوية ابن ابى سفيان حتى انتهت الخلافات الى مقتل على ابن طالب واستقرار الحكم لمعاوية وبدأت الصراعات والخلافات بين المسلين على دولة الخلافة التى لم ينادى بها رسول الله والتى كانت ومازلت حتى الان سببا لتفرق المسلمين وتأخرهم .
إننا اذا حكمنا العقل والمنطق وبحثنا فى آيات القران الكريم لن نجد نصا واحدا يدعو لقيام دولة باسم الاسلام ولكننا نجد احكاما اسلامية واخلاقا اسلامية , فمن اين اذا جاءت مقولة الاسلام دين ودولة ؟
إنَّ الاسلام دين الله للبشرية جمعاء لا يجب ان نشبهه بالدولة الدينية التى ترتكز على الديكتاتورية باسم الدين مثل الدولة الفرعونية القديمة التى قامت على اساس الوهية الفرعون وقدسيته ولا يجب ان نشبهها بدولة سلطة الكنيسة فى اوروبا فى العصور الوسطى التى قامت على قدسية رمز الصليب كرمز مسيحيى وديكتاتورية البابا كممثل مقدس للمسيح على الارض ولا يجب ان نشبهها بدولة الهيكل اليهودية التى ترتكز على استعلاء اليهود كشعب الله المختار وامتلاكهم لهيكل سليمان رمزا لليهودية والصهيونية , اننا اذ نشبه الاسلام الدين الخاتم لكل البشرية بهذه الديكتاتوريات الدينية لنجعل من الاسلام نظرية للحكم وليس دينا الاهيا لكل البشر .
ان الزعم بوجود دولة للاسلام كانت فتنة كبرى الحقت بالمسلمين خلافات كثيرة وقد تفنن اعداء الاسلام على مر العصور فى زرع هذه الافكار فى المسلمين حتى ينتشر الصراع بين المسلمين وحتى ينشغل المسلمون بالتقاتل بينهم وبين بعضهم وهو ما يحدث الان , وما كل الحركات التطرفية الدموية الا وليدة فكر دولة الاسلام او ما يسميه لنا الأعداء (بدولة الخلافة ) وما الحركات الاسلامية مثل الخوارج وغيرها وحتى الحديث منها مثل القاعدة وداعش وقبلها المتشددون من الطوائف الاسلامية وكلها تلعب على وطر دولة الخلافة الاسلامية والاسلام منهم براء .
إن الواقع الزمانى والمكانى اثبت ان وجود خليفة واحدا لدولة اسلامية فى العالم كله هى فرضية مستحيلة التحقيق ولكننا نستطيع ان نقول ان كل دولة بها اغلبية مسلمة يجب ان تطبق احكام الله بما يناسب الظروف وبما يتوافق مع الفهم الصحيح وروح الحكم وليس منطوق الحكم , ومعنى ذلك ان تكون اى دولة تسير على نهج الاسلام وليس بقوة السلاح نقيم الاسلام كما قال الله تعالى "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" صدق الله العظيم .
وفى الختام احب ان اشير الى موقف الامام ابى العزائم وهو رجل من رجال الدين الاسلامى نادى بوسطية الاسلام وبمبادىء الصوفية السمحة المبرأة من الاكاذيب والخرافات فى الثلث الاول من القرن العشرين حيث حدد موقفه من الخلافة الاسلامية فى ثلاث كتب كتبها وهى ( الاسلام دين) و (الاسلام نسب) و(الاسلام وطن) وفيها لم يقل ان الاسلام دولة وعندما الغى كمال اتاتورك الخلافة وطالبت انجلترا باختيار الملك فؤاد ملك مصر بان يكون خليفة للمسلمين عارض الامام ابوالعزائم هذا الراى واعلن ان الخلافة ان وُجدت فلها شروط ومنها ان تكون بلد الخلافة مستقلة وليست محتلة مثل مصر ,وكذلك احب ان اشير الى مقولة الامام الداعية متولى الشعراوى فى الثمانينات من القرن العشرين والتى نادى فيها الشعراوى بان لا نُدخل السياسة فى الدين ولكن ان نجعل من كل سياسى حاكم رجل متدين , أى ان ندخل الدين فى اهل السياسة ولا ندخل السياسة فى الدين , رحم ا لله الشيخ الشعراوى .
التعليقات (0)