مواضيع اليوم

الاسلامويون في السودان والمأزق الأخلاقي!(1)

الزبير محمد علي

2010-05-27 11:30:01

0

الإسلامويون في السودان والمأزق الأخلاقي ! (1)
بقلم / الزبير محمد علي


أوضحنا في مقالنا السابق ( أخلاق السودانيين في خطر ) أن منحني المنظومة الأخلاقية للشعب السوداني قد وصلت إلي أسفل سافلين؛ وخلصنا إلي أن الالتزام بالإسلام لاعلاقة له بالتدين الشكلي الذي يشهده المجتمع السوداني هذه الأيام . فالإسلام منظومة متكاملة لا تقبل التجزئة (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {البقرة 85 .
منظومة ترتكز علي التوحيد في العقيدة، والإخلاص في العبادة، والأخلاق في المعاملة. منظومة ما فتئت تُؤكد علي أن هناك ثمة ارتباط وثيق بين الإيمان والأخلاق ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) الحديث.
رُغم ما ذكرنا من حديث؛ فإن تاريخ الدولة الإسلامية قد شهد تبايناً علي المستوي العملي بين من يري أن السياسة لا بد أن تُضبط بالأخلاق (تجربة الخلافة الراشدة )؛ وبين من ينظر إلي عالم السياسة بمنظار أنه عالم له فنونه الخاصة، وله فلسفة تستند بالأساس علي النهج البراغماتي (تجربة الدولة الأموية ) كمثال .
ولحكمة يعلمها الله وبعض الراسخين في العلم؛ فإن حظ التجارب من الصمود في تاريخ الدولة الإسلامية كان حليفاً للدول التي قدمت المصالح علي المقاصد، وحققت الغايات علي حساب الوسائل.
وفي النهاية هذا النهج لم يدم طويلاً؛ ذلك أن هناك تُطلعاً دائماً للخلاص من براثن الفساد والاستبداد. لذلك شهدت الحقبة الأموية والعباسية والعُثمانية أشد فترات الصراع السياسي علي السُلطة في صفحات التاريخ الإسلامي، وكانت النتيجة أن سيلاً جارفاً من دماء المسلمين قد سال بسبب الاستبداد والظلم الاجتماعي الذي صاحب تجربة الدولة الإسلامية بعد عهد الخلافة الراشدة .
وللعوامل المذكورة آنفاً بجانب عوامل التقليد والتعفن الداخلي؛ فإن الإمبريالية الغربية استطاعت اجتياح الدول الإسلامية عسكرياً. كما شهد الربع الأول من القرن العشرين سقوط الخلافة العُثمانية علي يد الأتاتوركية الكمالية .
ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين – أي بعد أن نالت الدول الإسلامية استقلالها – فقد صارت الساحة السياسية في البلدان الإسلامية تحت سيطرة الاتجاهات الماركسية والقومجية واللبرالية؛ حيث أضحت هي المُعبَر الأساسي عن الرأي العام العربي كما أوضحنا بصورة مُفصَلة في مقالنا ( الحركات الجهادية بين المراجعات النقدية والرسائل التهديدية ).
وكرد فعل لهذا التوجه فإن الحركات الإسلامية قد طرحت نفسها كتيار سياسي وفكري يستمد إيديولوجيته من الدفاتر الإسلامية، ويقدم نفسه بديلاً للأطروحات العلمانية .
إن شباب التيار الإسلامي في السودان شربوا الفكر الإخواني من مصر في النصف الأول من القرن العشرين، واستطاعوا بالحماسة الإسلامية أن يقفوا ترياقاً مُضاداً للمد الماركسي الذي اجتاح عوالمنا العربية والإفريقية في إطار الاستقطاب السوفيتي لدولنا في مواجهة المعسكر الغربي؛ بينما رأي فيه كثيرون خلاصاً لهم من هيمنة الإمبريالية الغربية وتجربتها الاستعمارية القاسية.
لقد شهد السودان في تاريخه السياسي بعد الاستقلال انقلاباً مدنياً ذو صُبغة عسكرية بعد أقل من ثلاث سنوات من عمر استقلال البلاد، وقد لقي هذا الانقلاب مقاومةً شرسة من الجبهة الوطنية تُوجت بانتفاضة أكتوبر المجيدة 1964م .
ومنذ الانتفاضة الإكتوبرية؛ فإن التيار الإسلامي في السودان قد عبر إلي المشهد السياسي من أوسع أبوابه. وبغض النظر عن الثقل الانتخابي الضعيف الذي حققه إبان حقبة الديمقراطية الثانية؛ فإن التاريخ يشهد للتيار الإسلامي قوة تأثيره الإعلامي علي تغيير مُجريات الساحة السياسية السودانية .
وكانت الفترة الذهبية للتيار الإسلامي في الحقبة المايوية قبل سودان المصالحة الوطنية؛ حيث التصدي للنظام المايوي بجانب أكبر كيان ديني وسياسي ( كيان الأنصار )؛ وإن كان رؤية البعض أن مرحلة التحول الُكبرى في تاريخ الإسلاميين كانت بعد المُصالحة الوطنية. وإن اتفقنا مع أصحاب هذا الرأي ظاهرياً؛ فإننا نختلف في أن الانتقال كان إلي الأسوأ، ولم يكن ذهبياً كما يري البعض.
ومنذ المصالحة الوطنية مع النظام المايوي، فإن الإسلاميين جناح الترابي قد أسقطوا التربية لصالح السياسة، والمبادئ الخُلقية لصالح بناء الإمبراطورية الاقتصادية. وصار هؤلاء نسبياً من أتباع المدارس التي تؤمن بنظرية الغاية تُبرر الوسيلة. كما سطت علي عقول هؤلاء مفاهيم فحواها أن السياسة ميدان خاص لا علاقة له – عملياً – بمعايير قيَميه أو دينية، وإن كان الإيمان علي المستوي النظري لدي الإسلاميين يناقض ذلك كما أوحت مؤلفات الترابي الفكرية؛ هذا التناقض أدي إلي تنافر بين طرح الحركة الإسلامية علي مستوي التنظير، وبين الإبحار في محيط البراغماتية علي مستوي الممارسة السياسية الفعلية.
وإذا سُئلنا ما الشواهد علي ذلك ؟ لقلنا بالمواقف التالية :
- موقف الإسلاميين الهزيل من اتفاقية كامب ديفيد؛ وهي اتفاقية أيدها النظام المايوي في تبعية عمياء لنظام السادات في وقت كانت فيه كل الدول العربية معارضة لتلك الاتفاقية؛ بل حتى الجبهة الوطنية السودانية بقيادة حزب الأمة كانت قد نفضت يدها من المصالحة الوطنية عقب هذا الاتفاق. فكان هذا التأييد الإسلامومايوي بمثابة خيانة للقضية الفلسطينية، وتسوية غير عادلة للصراع العربي / الإسرائيلي .
كذلك موقفهم غير الأخلاقي من ترحيل اليهود ( الفلاشا ) إلي إسرائيل، وسكوتهم غير المُبرر علي محاكمة الأستاذ محمود محمد طه، علي الرغم من أن إمام الحريات ! الترابي قد بين بصورة واضحة فيما بعد أنه لا يؤمن بحد الردة؛ ولكنه لم يُبرر لنا لماذا سكت عن قضية الإعدام في الوقت الذي لا يؤمن فيه بحد الردة .
وفي سبيل بناء الإمبراطورية الاقتصادية بايع الإسلاميون رأس النظام المايوي علي إقامة شرع الله في خطوة لا تقل في انتهازيتها عن المواقف السابقة؛ وليتهم اكتفوا بذلك . بل وصل بهم الأمر كما أوضحنا في مقام آخر إلي اعتبار رأس النظام المايوي مجدداً للإسلام في القرن العشرين أسوةً بتجديد الإمام المهدي في القرن التاسع عشر علي حد تعبير يس عمر الإمام .

وفي ظل النظام الديمقراطي التعددي 1986م لقي الإسلاميون احتراماً من القوي السياسية، احترام لم تجده الحركات الإسلامية في مصر ،والأردن، وسوريا، وتركيا، والمغرب العربي.
رُغم هذا، فإن هذه العُصبة – علي رأي فتحي الضو – قد عملت علي الاستفادة من الحرية التي أتاحها النظام الديمقراطي في تأليب الرأي العام السوداني ضده. وقد استخدمت – أي العُصبة – في سبيل هذا التأليب كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة.
ودوننا عملية الذكاء السلبي الذي استخدمته هذه العُصبة؛ حيث تمت علي سواعدها عملية قذف المواد التموينية في البحر، بجانب إرسال الذخيرة (فشنك) للجيش السوداني تبريراً لانقلابهم المشئوم علي الشرعية الدستورية في يونيو 1989م في سلوك مُنافٍ للأخلاق والأعراف الإنسانية.
وعندما طالبت الحركة الشعبية لتحرير السودان بتجميد القوانين الإسلامية كشرطاً للانخراط في عملية السلام إلي حين الاطمئنان علي مدي احترامها لحقوق غير المسلمين. أقامت العُصبة الُدنيا ولم تقعدها، وجابت شوارع العاصمة صياحاً في مُظاهرة سُميَت بثورة المصاحف بحُجة أن هذا النوع من الإجراء فيه خيانة للدين والوطن ! في حين أن حفظ النفس من المقاصد الخمسة التي ترتكز عليها الشريعة الإسلامية؛ وهذا يعني أن وقف الحرب مُقدم علي تطبيق القوانين الإسلامية.
هذه الخطوة مُشابهة لمكيدة رفع المصاحف علي أسنة الرماح! ، أو مكيدة مُتاجرة البعض تاريخياً بقميص عثمان؛ فهل اقتصت العُصبة لدم عُثمان بعد انقلابها المشئوم ، أم أنها اتخذته سلماً للصعود إلي السُلطة. هذا ما سنراه في مقالنا القادم ؛ إذا أمد الله في الآجال.
نواصل

صحيفة صوت الأمة 2010م






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !