في الذكرى الخامسة لاستشهاده
الاستقلال الوطني والامن القومي والسلام العالمي
في فكر الشهيد صدام حسين
د. حسن طوالبة
الاسقلال والسيادة من اكبر المهمات التي اضطلع بها الشهيد صدام حسين طيلة السنوات الماضية ,
وقد دافع والحزب عن هذه الثوابت المبدئية بكل السبل , وبعد الغزو الامريكي للعراق 2003 , وتسلم اعوان امريكا وايران السلطة في المنطقة الخضراء , صار العراق مستباحا من نظام الملالي والقوات الامريكية واجهزة المخابرات الصهيونية , فضاعت السيادة والاستقلال الوطني . في هذه المقالة نسلط الاضواء على صناعة القرار الوطني في صون السيادة والاستقلال .
اولاً: صدام حسين وصناعة القرار التاريخي.
بات من المسلم به، ان صدام حسين اصبح في عداد القادة التاريخيين الذين تركوا بصماتهم على حقبة زمنية في التاريخ، من خلال قيادتهم شعوبهم نحو الظفر في شتى المجالات، ومجابهتهم كل التحديات التي كانت تواجه بلادهم وشعوبهم وكياناتهم.
صدام حسين قائد تاريخي، حفظ للعراق استقلاله الوطني وحفظ للامة العربية شخصيتها القومية، من خلال الانتصارات العسكرية التي حققها ضد المعتدين الغزاة، ومن خلال الانجازات العلمية المتطورة، التي اكدت قدرة العرب على التعامل مع العلم والتقنية باستجابة عالية للمتطلبات الوطنية والقومية، واعاد للامة بعض سيرتها في الانجازات العلمية التي رفدت بها الامم والشعوب في اوربا والعالم واصبحت نواة لهذا التقدم العلمي الذي نشهده اليوم.
لماذا هذا الحكم….ولماذا تميز صدام حسين بانه صاحب الدور القيادي في حياة العراق والامة العربية….؟ وصاحب القرار السياسي التاريخي في استقلال العراق الوطني وحماية هذا الاستقلال، وفي توفير فرص الامن القومي العربي…؟
1-اتسم صدام حسين بكل السمات التي تميز القادة التاريخيين. فقد اجمعت الدراسات الحديثة والقديمة ان القائد الناجح يتميز بالبسالة، والحسم، والثقة بالنفس، والتحمل والجلد، والحماس والمبادأة، والاستقامة، والعدل، واللياقة البدنية، والعقل الراجح، والتمسك بالقيم
الروحية والاجتماعية.
و إذا كانت السمات- الآنف الذكر- تميز القادة الناجحين عموما فان صدام حسين تميز بسمات ادق خصوصية، في حياة العراقيين والامة العربية منها على سبيل المثال:
أ.انه قائد عصري، تميزبالحيوية والتفاعل مع مسار الحياة وفي الوقت نفسه مشبع بروح التراث، ويتصل بالامة العربية وتاريخها وتراثها ورسالتها اتصالا " حيا "، لذلك فهو تمتع بقدرة اتخاذ القرارات التي تلبي روح العصر، وتستمد روحها وحيويتها من اصالة الامة وتراثها المجيد، وشكلت الافعال وانماط السلوك الكفاحي في معركة قادسية صدام وام المعارك والحواسم، صدى لروح البطولات التي صنعها الاجداد العظام، وبرز صداها في الحياة المدنية في التربية والتعليم والاثار والحياة الاجتماعية، حيث استنهضت الومضات المشعة في تاريخها واستحضرت ارواح الابطال الذين صنعوا سفر المجد العربي.
ب.صلته الحية بالشعب وتمثله لكل همومه وتطلعاته. لانه ادرك منذ وقت مبكر مقدار الظلم والعسف الذي مارسته الانظمة ضد ابناء الشعب. ولذلك صاغ نظرية خاصة في ( حب الشعب) واكد على كسب الشعب لامد طويل كيف…؟
- خاطب عقول ابناء الشعب قبل قلوبهم، فاثار عندهم حس المحاكمة والاستنتاج.
- بنى جسور الثقة المتينة مع ابناء الشعب بالصدق والوفاء للوعود، وعدم التدخل في
تفاصيل حياتهم.
- سعى بدأب حثيث لبناء وحدة وطنية متينة في البلاد لايمانه بان الشعب الموحد القوي يولد جيشا قويا ويصنع امكانات علمية متقدمة.
ج-حمل خصائص البعث ومبادئه وتمكن من تمثيلها بصدق وترجمتها إلى نظرية عمل خاصة، لها خصائصها الوطنية. ولذلك جمع في ذاته جدلية الصلة الحية والقوية بالامة والتاريخ والصلة الحية بالشعب، أي جدلية الاصالة والمعاصرة.
2- لم يرضخ لظروف الزمان والمكان، ولم يقبل ان يتدحرج الشعب مع الحالة المفروضة عليه ومع التيار في الزمان والمكان. ولم يقبل الخوض فيما كان ويستند عليه، ولم يرضخ إلى الكائن، بل كان يحرص على معرفة ماكان، وماهو كائن، وماسيكون. وهو ماعبر عنه بالحرص على احياء التراث والتاريخ، ولكنه حذر من الاستسلام لكل ماكان ، محفزا لماسيكون، في ضوء ماهو كائن في الحاضر. فهذا الربط الجدلي بين عناصر الزمن للاحداث هو الذي ميز القائد التاريخي، وهو الربط الجلي بين التراث والمعاصرة. و إذا مانظرنا إلى جميع القرارات التي صدرت خلال عمر الثورة نجد انها نبعت من رؤية استراتيجية لكل ظروف الزمان والمكان في الماضي والحاضر والمستقبل.
3-القائد العظيم هو الذي يخرج من بين شعب عظيم، تلك قاعدة متعارف عليها. وصدام حسين واحد من شعب له تاريخ حضاري عريق، ولكنه جاء هبة لهذا الشعب ليقوده نحو صنع امجاد جديدة. ولذلك كانت عنايته عظيمة بالعلم واقتناص كل الفرص التي تؤمن امتلاك التقنية المتقدمة، التي تؤمن السير مع المتقدمين علميا من حولنا ان لم نتقدمهم. وقد تجلى الاصرار على تنمية القدرات العلمية لابناء الشعب في اصعب ظروف العراق قساوة. وتحقيق الشيء الكثير مما كان يصبو اليه واخرها الانجازات العلمية في الميدان العسكري والمدني، رغم كل ظروف الحصار القاسية التي مر بها العراق .
4-لانه ديمقراطي ويؤمن بالحرية فقد اعتبر الدفاع عنها معركة حياة او موت، فلم يحتكر السلطة رغم انه مثل مركز القيادة في اتخاذ القرارات التاريخية منذ بداية الثورة عام 1968، وكان شعاره بان يكون سيفا يتقدم السيوف وليس السيف الوحيد، وان يظل راية تخفق مع كل الرايات فوق روابي الوطن.
ومن هذا المنطلق ظل حرصه شديدا على مبدأ القيادة الجماعية وعدم التفرد بالقرار. رغم قدرته على ان ينفرد بصنع القرارات التاريخية، نظرا للقدرات العقلية والكفاءة النظرية، والتنظيمية التي كان يمتلكها. ورغم ان العمل الجماعي ظل طابع القيادة في العراق إلا ان رفاق القائد التاريخي، اعترفوا بدوره المتميز كرمز من رموز الامة العربية. ولذلك حرص القائد الشهيد ان يتقدم الصفوف الاقتحامية بجرأة وبسالة وحكمة ومعه كل المخلصين من القادة المدنيين والعسكريين. وبهم وبالشعب العظيم تحققت سلسلة المنجزات والانتصارات العظيمة خلال مسيرة الثورة وخلال وقوفهم امام القضاة التابعين لارادة الاجنبي , فقد ظهروا امام الرأي العام العربي والعالمي متراصين اقوياء لا ترهبهم قرارات المحاكم اللاشرعية .
5-واضافة إلى ايمانه بالعمل الجماعي في القيادة، فقد ترجم صورة القائد ، من صورة لاهوتية، إلى صورة واقعية، يعرفها ابناء الشعب، ويحبونها ويطيعونها ولايخافونها. انه القائد الذي صنع نظرية ( حب الشعب)- كما اسلفنا- اعتبر الشعب مدرسته وملهمته في الحياة تعلم من الشعب وهو يقوده، منحهم الثقة بالنفس، وسند ظهره بعزيمتهم الصلدة، سعى إلى المبادأة وعرف ان الكل يتدافعون خلفه للوصول إلى الهدف.
6-الحرص على احكام الموازنة في اتخاذ القرارات، أي عدم القبول بالحالة الوسطية بين الموقف اليميني والموقف اليساري، او بين نظريتين او فكرتين. ولكنه حرص على فهم النظريتين وعدم رفضهما معا، بل أعتمد موقف جديد له خاصيته المنسجمة مع خصائصنا الوطنية والقومية منها:.
أ-سادت اتجاهات في السياسة تؤكد تغليب العوامل الذاتية الداخلية على العلاقات والعوامل الخارجية. وبعضها يغلب العلاقات والعوامل الخارجية ويعطيها اهمية كبرى. ولكن صدام حسين أكد ضرورة اخذ العوامل الخارجية المؤثرة بعين الاعتبار عندما نقيس ونعمل بالقدرات والممكنات الذاتية. والحرص على مواءمة الاشياء والامكانات مع الخصوصية الوطنية والقومية.
ب-عند تأميم شركات النفط الاجنبية عام 1972 ، لم يأخذ بالرأي الفني الذي حذر من مخاطر التأميم، ولم يأخذ بالرأي الذي طلب التسرع ولكنه وجد في كل منهما مشروعيته وصاغ قرار التأميم بما يلبي طموحات الشعب، وما يدفع مخاطر التأميم السلبية ومحاولة الشركات والقوى الاستعمارية اجهاض التجربة.
ج-عند دراسة وضع اول خطة استراتيجية تنموية اقتصادية عام 1975 عرفت بالخطة الانفجارية، حذر من مخاطر النظرية التي تقول بان بلدان العالم الثالث ومنها العراق بلدان زراعية وعليها ان تهتم بالزراعة فقط، كما حذر من اتجاه نقل الصناعة بدون دراسة ومؤائمتها مع خصوصيات البلد. وكان القرار ان يكون الميل في التنمية الاقتصادية لصالح الصناعة ثم الزراعة، لان التقدم الصناعي، يخفف من حدة الرضوخ لتقلبات السوق العالمية واحتكار الدول والشركات لمكائن ومعدات الصناعة، ويؤمن فرص عمل كبيرة. كما يؤمن في الوقت نفسه مستلزمات الخدمات والتنمية الاجتماعية..
د-عندما تفجرت أزمة الطاقة في عقد السبعينات من القرن الماضي، اندفع البعض إلى تسويق اكبر كمية من النفط لانه رأى ان بدائل الطاقة باتت على الابواب. في حينه كان قرار صدام حسين " يجب ان يكون احد اخر برميلي نفط في العالم عراقيا"
هـ-اوقفت الدول التي خاضت الحروب عمليات التنمية في بلادها. وسخرت كل القدرات للحرب. اما صدام حسين فكان قراره ان يظل العراق قويا في الميدان العسكري والميدان العلمي والميدان الاقتصادي والميدان الثقافي. ورغم ما أحرقته الحرب من معدات عسكرية الا ان العقل القيادي ظل يتعاقد مع الدول لشراء اسلحة تسلم للعراق بعد خمس او ست سنوات من تاريخ التوقيع، بحيث يكون بمقدور القوات المسلحة ان تتسلم اسلحة جديدة وحديثة عند نهاية الحرب. كما قرر العقل القيادي كسر احتكار صناعة السلاح خلال فترة الحرب وقد رفدت الصناعات المتنوعة القوات المسلحة خلال الحرب. وحققت توازنا حقيقيا مع العدو الصهيوني. وقد جاء اعلان صدام حسين عن امتلاك العراق للسلاح الكيماوي المزدوج، تعبيرا عن قدرة صانع القرار في احداث توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني وكسر احتكاره للرعب النووي في منطقة الشرق الاوسط، وبذاك الانجاز الوقائي اعاد للامة العربية ثقتها بنفسها، وقدرتها على مواجهة التحديات الخارجية.
وفي سنوات الحرب والحصار شهد العراق بناء وافتتاح اكثر من جامعة، ومئات المعاهد الفنية، والوف المدارس، كما ظلت مسيرة التعليم في تقدم، وظلت الحركة الفنية والادبية تنتعش يوما بعد اخر.
ثانياً الاستقلال الوطني
الاستقلال الوطني يعني استقلالا في الفكر والتصرف، والبناء واقامة العلاقات المتوازنة مع الاخرين، ومن ثم قدرات مختلفة لحماية الكيان الوطني المستقل وحماية الامكانات المادية فيه، ومكونات النهوض لدى الشعب، التي شكلت قاعدة اساسية لنهوض الامة العربية وتكونها…
كيف فهم الاستقلال الوطني؟
انها سلسلة من الاسئلة المترابطة تبدأ بالوطن الذي عرفته الكتب المدرسية بانه البقعة الجغرافية المحددة المساحةالمعترف بها دوليا, التي تعيش فوقها مجموعة من البشر لهم لغتهم وديانتهم وتاريخهم وعاداتهم ويحملون جنسيته . ويرتبطون بهذا الوطن بروابط الالفة والمحبة ، والاستعداد الفطري للدفاع عنه يعرفون حقوقهم وواجباتهم التي حددها الدستور. وبهذا الاستعداد عرف مصطلح ( الوطنية). بأنها ليست شعارا يُقال، بل هي فعل وممارسة مقرونة بايمان عميق واستعداد دائم للتضحية دفاعا عن الوطن ومكتسبات الشعب وتاريخهم وتراثهم ودفاعا عن مستقبلهم ايضا. والوطني هو الذي يقدم عطاء لهذا الوطن والامة، وتتفاوت درجات الوطنية بمقدار مايكون للوطني اسهم ورصيد اكبر في ( بنك الوطنية ).
والاستقلال الوطني، ليس نظرية تقال في كتب السياسة والقانون، ولكنه نظرية واستعداد لترجمتها إلى فعل مصحوبا بايمان عميق باهمية الوطن واستقلاله واستعداد للدفاع عنه. واساس مقومات الاستقلال الوطني وحمايته، هو المجموع العددي والنوعي للقوة المادية والمعنوية الموجودة في البلد، وتوفر الارادة الوطنية للدفاع عن الاستقلال، وتوفر القدرة على تحريك القوة، وتوليد قدرة دفع كبيرة تحقق الهدف.
ولكن هل الاستقلال الوطني يعني الدفاع عن الوطن فقط…؟ ام هو بناء وطني بكل ما تعنيه كلمة البناء، أي البناء الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي والفني، واساس هذا البناء وقاعدته هو الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب؟ وفي مفهومنا فهو البناء المادي والروحي للاستقلال الوطني، وهو البناء الذي صمد خلال منازلات قادسية صدام وام المعارك والحواسم .
صحيح ان الاستقلال الوطني يصنعه الافراد والمجتمع عموما من مدنيين وعسكريين. والاصح ايضا ان الاستقلال تصنعه. اضافة إلى ذلك القيادة. القادرة على توحيد طاقات الامة وتحريكها لتشكيل قدرة نوعية. وخلال مسيرة البناء الوطني يتفاوت الاستقلال بتفاوت الاداء بين فرد واخر وبين مجموعة واخرى، كما يظهر السلوك المندفع والمتحمس للبناء مقابل السلوك المتردد او الجبان او السلوك الانتهازي. وخلال مسيرة البناء الوطني المعروفة في العراق ابتداء بتصفية شبكات التجسس وتأميم شركات النفط الاحتكارية، وحل المسألة الكردية حلا عادلا، واقامة الحكم الذاتي للاكراد، والاقدام على تنمية انفجارية، واعادة بناء القوات المسلحة في الكم والنوع، واقامة الجبهة الوطنية، والعمل الوحدوي مع العرب، واقامة علاقات متوازنة مع دول العالم. ان هذه المسيرة التي قادها صدام حسين اعطت اكثر من درس :
1- قيادة العراق الثورية ليست من صنف القيادات التي ترضخ للتهديد، لانها تؤمن بمباديء قومية ايمانية اشتراكية، ومستعدة للتضحية من اجل ترجمتها إلى حيز الواقع فعلا وعملا. فهي ليست من نمط القيادات التي تتلون كل يوم بلون وحسب المواسم والحالات، بل هي ثابتة على المباديء تتعامل مع الاخرين تعاملا اخلاقيا بعيدا عن المراوغة والشر. وقد اثبتت القيادة العراقية مصداقيتها في اكثر من تجربة واثبتت تمسكها بتلك المبادئ اثناء المحاكمة المسرحية التي اعدت فصولها في مدينة الفن الامريكية .
2-اكدت تجربة العراق لجميع الدول صغيرها وكبيرها في العالم، ان الذي يمتلك ارادة وطنية، يمكنه ان يشيد البناء الوطني القادر على صون الاستقلال، وان يقيم علاقات متوازنة مع الاخرين، علاقات تقوم على الود والاحترام. وفي الوقت نفسه، لايرضخ للابتزاز أو محاولات
التوريط والايقاع.
التعليقات (0)