مواضيع اليوم

الاستغلال السياسي للجانحين

الاستغلال السياسي للجانحين


يقول مشيل فوكو في كتابه المراقبة و المعاقبة : " الجنوح وسيلة للاشرعية تتطلبها ممارسة السلطة بالذات، فان الاستخدام السياسي للجانحين بشكل مخبرين و محرضين كان واقعا قائما حتى قبل القرن 19، ولكن بعد الثورة الفرنسية 1789 اكتسبت هذه الممارسة أبعادا أخرى مثل : نسف الأحزاب السياسية و التجمعات العمالية من الداخل، و تجنيد العملاء ضد المضربين و الدعاة الى العصيان، وتنظيم بوليس ــ تحتي ــ يعمل بالتنسيق المباشر مع البوليس الشرعي، و مؤهل ــ عند اللزوم ــ لأن يصبح جيشا موازيا "
هذا الجنوح كالسرقة، واغتصاب، و النشل، و النصب، و الاحتيال....الخ لا يهدد المصالح الاقتصادية و لا يشكل خطرا سياسيا على أنظمة الحكم، لأنه موجه لنفس الانتماء الطبقي للجانح، ولهذا فالمؤسسة السجنية تهدف الى اعادة انتاج الجنوح و اللاشرعية، ولا تريد في جوهرها القضاء عليه ، وذلك من أجل خدمة حلقات الربح لصالح الطبقة المسيطرة.
وبهذا يغدو السجن ثكنة " لتجنيد" الوشاة و المخبرين، و يصبح بذلك الجنوح كلاشرعية غير ضارة ، مجندا لمواجهة لاشرعيات من شأنها أن تهدد المصالح الإقتصادية و السياسية للطبقة الحاكمة الأحزاب التنظيمات العمالية الحركات الاحتجاجية...الخ، ووواحد من " سلع" المؤسسة السجنية، و أحد دواليب البوليس وأحد أدواته.
تشكل الحلقة الثلاثية : بوليس ــ سجن ــ جنوح حلقة لا تنفصل أبدا، آلية تقدم الرقابة البوليسية، بحيث يحول السجن المخالفين الى جانحين،هؤلاء يصبحون أهدافا و مساعدين للمراقبات البوليسية التي تعيد بانتظام ارسال البعض منهم إلى السجن.
وبذلك يحصل التزاوج المباشر و المؤسسي بين البوليس و الجنوح، زواج الجريمة و السلطة . انها بحق لحظة مثيرة أصبحت فيها الجرمية أو الجريمة جزءا من ماكينة السلطة .
وما البلطجية في مصر سوى جنوح منتج من قبل السلطة استخدم لمواجهة الحركة الاحتجاجية التي باتت تهدد المصالح الاقتصادية و السياسية للطبقة المسيطرة . و هذا الباراديغم هو وحده ما يمكن أن نفسر به تساهل المصالح الأمنية مع المجرمين بكل البؤر المظلمة " الأحياء الشعبية " و التي تعرف واقع التهميش و الذي تعتبر الجريمة و الجنوح أحد الأبناء الشرعيين لهذا الواقع ، و استغلال هؤلاء الجانحين لضرب احتجاجات حركة 20 فبراير بهذه المناطق المعتمة تماما كالذي حدث في أحياء مثل: حي اسباتة بالدار البيضاء، و حي عوينات الحجاج و بن دباب و سيدي بوجيدة و بن سودة بفاس، و ....الخ .
وهكذا يتضح كيف تعمل آلية المراقبة عبر المثلث بوليس ــ سجن ــ جنوح، آلية دقيقة من خلالها يتم اجهاض القلاقل التي تهدد مصالح الطبقة المسيطرة، وهكذا يتضح و بجلاء كيف يتم استغلال الجاحين سياسيا، هذا الستغلال الذي يمتد بجوره إلى القرن 19 كما ذكر مشيل فوكو.

عبد الواحد الحمداني
عضو حركة 20 فبراير ــ فاس ــ

نشر هذا المقال بجريدة  أخبار اليوم




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات