مواضيع اليوم

الاستغاثة بالأنبياء والصالحين

إبراهيم أبو عواد

2013-12-10 12:02:02

1

 الاستغاثة بالأنبياء والصالحين

 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .

 

.......................................

 

     [1] إن الاستغاثة بالأسباب من حيث إنها أسباب عادية مع الإيمان أن الله تعالى وحده هو المؤثِّر أمرٌ شرعي قد جاء في القرآن الكريم ، فقال تعالى: ] وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصلاةِ [ [ البقرة: 45] . فهذه الآية الواضحة فيها أمر على الاستعانة بالصبر والصلاة من حيث إنهما سببان عاديان لا تأثير لهما دون مشيئة الله تعالى. فالخالق تعالى أمر بالاستعانة بالأسباب ، ولم يُسَمِّ ذلك شِرْكاً . ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الصبر والصلاة ، فيجوز الاستعانة والاستغاثة به .

 

     [2] قال تعالى : ] فَاسْتَغَاثَهُ الذي مِن شِيعَتِهِ [[ القَصَص: 15] .

     والآيةُ تتحدث عن استغاثة الإسرائيلي بموسى صلى الله عليه وسلم على القبطي. أي: طلب نصره وغَوْثه .

     قال التجاني في كتابه الفوز والنجاة في الهجرة إلى الله ( ص 206) : (( فنسب اللهُ تعالى الاستغاثة إلى غيره من المخلوقين. وهذا دليل واضح كالشمس على جوازها . فإن قيل إن المستغاث به في هذه الآية حي وله قدرة ، وإنما كلامنا في الميت . أُجيب بأن نسبة القدرة إليه _ أي إلى المخلوق _ إن كانت استقلالاً فهي كفر . وإن كانت بقدرته تعالى على أن يكون هو السبب والوسيلة ليس إلا . فلا فرق بين الحي والميت ، فإن الميت له كرامة . وإذا لم تُنسَب الإغاثة إلى الله تعالى حقيقة ، وإلى غيره مجازاً ، كانت الاستغاثة ممنوعة )) اهـ .

     [3] ما رواه البخاري في صحيحه ( 2/ 536 ) : عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يَبلغَ العَرَقُ نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد )) .

     إن الناسَ في هذا الموقف العصيب يلجأون إلى الأنبياء _عليهم الصلاة والسلام_، لأنهم صفوة الله من خَلْقه ، فيتوسّلون بهم إلى الله ، ويَطلبون منهم النصرة والغوث والمساعدة لكي يُفرِّج اللهُ كَرْبَهم ، ويَمنحهم الأمانَ .

     قال الحافظ في الفتح ( 11/ 441 ) : (( وفيه أن الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله تعالى في حوائجهم بأنبيائهم )) اهـ .

     [4] ما رواه مسلم في صحيحه ( 4/ 2074) عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن نَفّس عن مؤمن كُربة مِن كُرب الدنيا نَفّس اللهُ عنه كُربة من كُرب يوم القيامة ، ومَن يَسّر على مُعْسِر يَسّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، ومَن سَتر مسلماً سَتره اللهُ في الدنيا والآخرة ، واللهُ في عَوْن العبد ما كان العبدُ في عَوْن أخيه )) .

     [5] عن عبد الله بن عمر _ رضي الله عنهما _ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( وَمَن فَرّج عن  مسلم كُربة فَرّج اللهُ عنه كُربة من كُربات يوم القيامة )) [متفق عليه. البخاري ( 2/ 862 ) برقم ( 2310 )، ومسلم ( 4/ 1996 ) برقم ( 2580 ).] .

     قد  يسأل  أحدهم  ما علاقة الحديثين السابقين بالاستغاثة ؟ . فنقول إن النبي صلى الله عليه وسلم نَسب تنفيس الكربات وتفريجها والتيسير إلى غير الله تعالى إسناداً للفعل إلى السبب . وهو ما يسمى في علوم البلاغة بالمجاز العقلي ، من أجل رفع الحرج عن أمته . وبالتالي يجوز نسب الإغاثة إلى غير الله تعالى من باب المجاز العقلي كما وَضّحنا قياساً على ما سبق . فإذا قال أحدهم نفعني النبي أو الولي أو أغاثني ، أو قال : أنا مُفرِّج الكربات وكاشف الهموم بإذن الله تعالى ، فلا يعنون إلا هذا الإسناد المجازي .

     وقد ورد في القرآن الكريم أمثلة واضحة على المجاز العقلي ، منها قوله تعالى على لسان السيد المسيح صلى الله عليه وسلم : } وأُحْي الموتى بإذن الله { [ آل عمران : 49]. فانظر كيف نَسب السيدُ المسيحُ صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى ( وهي من أعظم الأمور ) إلى نفسه مقيِّداً الأمر بإذن الله تعالى . وقوله تعالى : } وإذا حَضر القِسمةَ أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه { [ النساء : 8]. فانظر كيف نسب اللهُ تعالى الرزق إلى العباد بغض النظر عن كونهم أحياءً أو أمواتاً ، لأن فعل الرِّزق أُسْنِد إلى مخلوق، مع أن الرزاق اسم من أسماء الله تعالى ، والرزق بيده وَحْدَه .

     قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن ( 2/ 256 ) : ((  نوعا المجاز ، وله سببان أحدهما الشبه ويسمى المجاز اللغوي وهو الذي يتكلم فيه الأصولي ، والثاني الملابسة وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ويسمى المجاز العقلي ، وهو أن تسند الكلمة ما هي له أصالة بضرب من التأويل كسب زيد أباه إذا كان سبباً فيه )) اهـ .  

     [6] ومن المقطوع به عند أئمة المسلمين المعتبَرين أن النبي صلى الله عليه وسلم يُستغاث به . قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ( 1/ 181 ) : (( ومنهم من ينسبه _ أي ابن تيمية _ إلى الزندقة لقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به . وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم )) اهـ .

     فانظر إلى وصف الزندقة الذي أطلقه الأئمة المعتبَرون على مانع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد عَدّوا ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم . مما يبرهن على أن موضوع الاستغاثة كان محسوماً ومقطوعاً به ومُوافقاً عليه عند العلماء الربانيين قبل أن يأتيَ ابن تيمية ببدعته . وهذا يعكس أن ابن تيمية قد خالف علماءَ عصره الأثبات ، لا كما يعتقد بعض الجهال أن العلماء كانوا في ضلال مبين حتى جاء ابن تيمية لينير لهم الطريق .

     [7] أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هَلكوا ، فأتي الرجل في المنام فقيل له : ائتِ عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون. [رواه ابن أبي شيبة ( 6/ 356 ) برقم ( 32002 ) ، وصححه ابن كثير في البداية والنهاية ( 7/ 92 )، ووافقه الحافظ في الفتح ( 2/ 495). ].

     قال الحافظ في الفتح ( 2/ 496 ): (( وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة )) اهـ .

     قال محمد السيد التجاني في كتابه الفوز والنجاة ( ص 209) : (( فهذه الرؤيا وإن كانت حقاً لا تثبت بها الأحكام لإمكان اشتباه الكلام على الرائي ))اهـ.

     قلت : وإنما الاستدلال بفعل أحد الصحابة الذي جاء قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب منه أن يستسقيَ لأمته ، ولا يخفى أن هذه استغاثة. والمسجد ممتلئ بأكابر الصحابة ، فلم يُنكر عليه أحد. وهذا إجماع سكوتي وفيه دلالة قاطعة على اعتقاد أئمتنا الصحابة _ رضوان الله عليهم_ أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ، وأنه يُستغاث به . إذ لو كان ميتاً لكان مخاطبته مضيعة للوقت . فانتبه ! . وقد يقول أحدهم إن الإجماع السكوتي دلالته ظنية لا يقينية، فنقول له إن كلامك هذا صحيح لكنه لا ينطبق على هذه الحالة ، لأن المسجد مليء بالصحابة ، ولم يعترض منهم أي أحد ، فلو كان الأمر منكراً لاعترض أحدهم على الأقل، وإذا قلنا بأن الأمر منكر والصحابة كلهم ساكتون عليه ، فهذا طعن لا يليق بالصحابة الكرام _ رضي الله عنهم _ . وهذا دليلٌ باهر على أن لا فرق بين الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً، لأن الأنبياء _ عليهم الصلاة والسلام _ على وجه التحقيق أحياء في قبورهم، وأحياء عند ربهم . 

     [8] عن ابن عباس قال : (( إن لله ملائكة فضلاً سوى الحفظة ، يكتبون ما سقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة في سفر ، فليناد : أعينوا عباد الله ، رحمكم الله )) [رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح ( 6/ 91) برقم ( 29721 ) . وقد عقدَ الهيثمي في المجمع ( 10/ 187) باباً أسماه" ما يقول إذا انفلتت دابته أو أراد غوثاً أو أضل شيئاً". وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 3/ 7) : (( فكل عرجة نزلة )).].

     قلتُ : ولا يخفى أن هذا الكلام استغاثة بغير الله تعالى ، وبمخلوقات لا نراهم ، مع اعتقاد أن الفاعل الحقيقي والمؤثِّر هو الله تعالى وحده. وهذا الحديث له حُكم المرفوع ، لأنه أمر غيبي لا يمكن لابن عباس        _ رضي الله عنهما_ أن يعلمه دون أن يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم .

     [9] وفي صحيح البخاري ( 3/ 1227 ) : عن سعيد بن جبير قال ابن عباس عن السيدة هاجر _ رضي الله عنها_ في قصة زمزم: (( فلما أشرفتْ على المروة سمعتْ صوتاً ... فقالت : قد أسمعت ، إن كان عندك غواث )).

     قلتُ : وقد طلبت الغوث من مخلوق لا تراه ، وإنما تسمع صوتاً يدل عليه ، فاستغاثت به، أي إنها استغاثت بغير الله تعالى. وهذا دليل آخر على جواز الاستغاثة بالمخلوقين مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفاعل . 

https://www.facebook.com/abuawwad1982

 




التعليقات (1)

1 - كيف سيصل العرق إلى نصف الأذنين

سمية المعادي - 2013-12-12 09:01:47

يا أخ ابراهيم، كيف سيصل العرق إلى نصف الأذنين يوم القيامة والناس سيحاسبون في السماء أو الفضاء كما دلت أحاديث وروايات أخرى. أم أنهم سيكونون واقفين في بركة كبيرة خاصة لا ينفذ منها الماء أو السوائل. نرجو تحري الدقة في الكتابة وسرد المقالات، وعدم الأخذ بكل ما يرد من أحاديث وقصص وروايات ضعيفة حتى لو كانت مذكورة في كتب السسن مثل البخاري وغيره. وبالتوفيق ،،

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !