أدى ضعف الدولة الإسلامية إلى تفككها وتكونها في دوليات صغيرة وأول ما بدئ هذا الضعف في حقبة العباسيين حيث أن ملوكهم وطدوا حكمهم بالموالي من شتى الأمصار الغير عربية وأسثأتروهم بالمال والجاه والألقاب حتى أصبحوا هم من يمارسون الحكم ولم يبقى لملوك بني العباس إلى الاسم.
وأدى هذا الوضع إلى استقلال الأقاليم الإسلامية التي كان اغلب ولاتها من غير العرب كالأتراك في مصر ثم بعدهم الأخشديين وغيرهم في باقي البقاع الإسلامية فكان هذا التفكك فرصة سانحة للروم بأوربا حتى يحتلوا الأراضي العربية , فتمكنوا من ذلك بدخول فلسطين وقبلها بمحاولة الاستيلاء على أجزاء من الشام فاستطاعوا السيطرة على بيت المقدس وصولا إلا مدينة صيدا شمالا ومنطقة ما يعرف اليوم بجنوب لبنان وقد عرفت تلك الحقبة بالحملات الصليبية .
وبعد انهيار الدولة الفاطمية والتي كانت تمتد من المغرب إلى مصر على يد صلاح الدين الأيوبي تأسست الدولة الأيوبية فاستطاع هذا السلطان أن يحرر البقاع الإسلامية المستعمرة من طرف الروم فعادت للمسلمين هيبتهم وسطوتهم وقد استمر الوضع على تلكم الحال بين مد وجزر إلى عهد العثمانيين وهم من أسسوا الإمبراطورية العثمانية واستطاعوا أن يضموا جل البلدان الإسلامية ما عدا المغرب والذي كان دولة قوية القواعد متينة الحكم وكدا بعض الأمصار في الشرق .
بدورها عرفت الإمبراطورية العثمانية تضعضعا وتراجعا في السلطة والنفوذ, رغم ما حظيت به من القوة والسطوة, حتى هابتها الأمم المجاورة. وقد برز هذا الضعف مع السلطان عبد الحميد وعرف هذا الأخير بمناقب عديدة جعلت شخصيته محل اهتمام ليومنا هذا ..
في هذه الفترة كانت أوروبا قد بلغت عزها ومجدها المعرفي العلمي بعد عصر الأنوار وظهور المذاهب الفكرية المتنورة البعيدة عن سلطة الكنيسة, وكان الصراع الاقتصادي في أوجه, وكل إمبراطورية تسعى لان تحظى بمكانة رفيعة تأهلها لبسط نفوذها وإحكام سيطرتها. فتعالت في أتناء هذه المرحلة أصوات تدعو للتوسع واحتلال البلدان الأخرى بعقلية تعتبر أن شعوب أوربا هم أرقى الشعوب والباقي عليه أن يكون خدما لهذا الأخير ..
فأبدت الإمبراطوريات الأوروبية رغبتها في التوسع , فكانت أن أرسلت بعتتات ووحدات لباحثين حتى يدرسوا حال هذه الشعوب ويتعرفوا على تقاليدهم وعاداتهم ,وعرف هذا الأمر باسم الدراسات الكولونيالية.
وقد بدئت الحملة الثانية من الاحتلال مدعمة من طرف النخبة السياسية والاقتصادية وكذا المثقفة, بعد أن كانت الحملة الأولى مدعمة ومباركة من طرف الكنيسة. فدخلت فرنسا مصر بقيادة نابليون وقضت بها 3 سنوات قبل أن تنسحب, ثم الجزائر في سنة 1830 ولم تكن سوى ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية والتي عاصمتها اسطنبول بتركيا حاليا. ثم بقيَّة الأمصار والأقطار الإسلامية ومن بينها المغرب, و كانت حينها زمام الدولة في يد العلويين وكان الوضع الداخلي متدهورا ساعد على طمع وتنافس الدول عليه فاحتلت اسبانيا شماله وجنوبه, وتركزت فرنسا في وسطه وبعد مرور عقود على هذه الحال وجل الدول العربية والإسلامية تعيش نفس الوضع. ظهرت ما سمي بالحركات الوطنية والتي جعلت هدفها دفع العدو خارجا وتحرير البلاد من الاحتلال الأجنبي. وقد كان الاستعمار في إبان ذلك يقسم البلاد الإسلامية إلى دوليات, ويؤسس فيها هياكل تقود الدولة حسب أهواء المستعمر. واستطاعت تلكم الحركات التحررية دفع العدو خارجا, لكن ما لبتت الفرحة أن تكتمل حتى ظهرت مصائب أخرى أكثر خطورة من وجود المستعمر ..
تمثلت تلك الخطورة بالسياسات التي نهجها في تسيير شؤونها الداخلية وكذا تعاملها مع دول الجوار, فكانت تلك الدول وكأنها قد نشئت لساعتها ولم يكن لها أي ماض أو تاريخ تستمر عليه, فقلدت الغرب في كل سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فكانت من الدول الإسلامية من تبنت الفكر الاشتراكي ومنها من طبقت الفكر الرأسمالي, فأصبحت في عملية تضاد مباشرة وغير مباشرة. فكان الاستعمار آنذاك ولحد الآن استطاع أن يخلق قطيعة مع الماضي لأغلب تلك الدول, فاعتبرت تاريخها من التراث الشعبي التي تقدمه للسياح وليس كثرات علمي ثقافي سياسي تستمر عليه. والأصعب من ذلك أجمع تلك البعتتات العربية التي أرسلت للغرب للتعلم, فعادت كأقوى الجيوش ترسخ مبادئ التغريب وتفند في الأمة الفكر الدخيل ,لا من اجل الحكمة والتعلم ولكن من اجل طمس الهوية وتغييرها بهوية معولمة. فكانت تبشر بين الناس دعوة الانقياد للغرب .
إن هذه الكرونولوجيا التي قمت بعرضها لا يمكن أن نفهم الحاضر بغيرها فالكثير من الناس يتحدثون اليوم عن الخنوع والاستسلام وعن التخاذل في نصرة قضايا الأمة الإسلامية, وهذا الأمر طبيعي مادامت الأمة منقسمة إلى أزيد من 30 دولة كل واحدة منها تنهج خطا مخالفا عن الأخر رغم اشتراكهم نفس المعتقد وبعد أن كانوا دولة واحدة تحت سلطة رجل واحد ..
فالماضي المجيد والمشرق للأمة الإسلامية وما فيه من عزة وكرامة وكيف كنا اكبر الأمم وأعظمها, تفتح الأمصار على أيدينا بجنود قليلين لا يحملون فقط سيوفا وإنما قلوبا مؤمنة مطمئنة , حتى انه يحكى على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب انه لما أرسل جيشا لفتح مصر كان عدده لا يتعدى أربعة ألاف جندي في مقابل عشرات الآلاف من الجنود الرومان, واستطاعوا الدخول للبلاد وضمها لدولة الإسلام وغيرها من الأحاديث كثير وكثير, كل هذا قد تناسيناه اليوم , وأحدثنا قطيعة ابستمولوجية معه , فلم نعد نرى لأنفسنا تاريخا إلا يوم دخول المستعمر وخروجه. وكذلك يقال أن الإنسان إن كنت تنوي القضاء عليه فاقضي على ذاكرته ..
التعليقات (0)