الاستحمار والقابلية على الاستحمار
قد يفتح الرجل منا عينية على هذه الحياة فيجد ان المكان الذي ولد فيه ليس هو المكان الذي يطمح اليه فيستجمع اشتاته ودراهمه ودنانيرة فيهاجر محاولا التغيير.!
فيهاجر هنا فلايجد ضالته..! ثم يهاجر هناك فلايجد ضالته ايضا..! ثم يكتشف ان المكان الذي يحاول الفرار منه هو ذاتة المكين..! فالمكان من المكين .! فيبدأ حينئذ بهجرة جديدة باحثا فيها عن مكين ينسجم فيه مع المكان ولا يصطدم معه بسبب مناخه الثقافي..!
وقد يرفع اجفان عينيه مرة اخرى فيجد ان الزمن الذي يتواجد فيه مغلق ويعيش حالة كساد وفساد واستبداد وعناد وجماد....؟
فيسأل نفسه : هل هذا الزمن اصيب باللعنة..؟؟
أم ان هذا الجيل الذي انتمي اليه مصاب باللعنه...؟
أم ان المكان والمكين مصاب بالللعنات...؟؟
أم انني انا الملعون..؟
فأسأل نفسي مرة ثانية : ماذا لو ولدت قبل هذا الزمن ..؟ ماذا لو ولدت بعد هذا الزمن..؟ ماذا لو لم اولد اصلا..؟
واضل اسال نفسي ولكن طالما انني مسلم فأسال من الله المدد ومنه التوفيق وبه التكلان وعليه السداد واليه قصد السبيل.!
فأنا اعرف الثمن الباهض الذي سيدفع من رجل ياتي أما متقدما عن زمانه او متأخرا عنه.....؟
ماذا لواكتشفت لحظة ان حاضر الامة التي تنتمي اليها متبلد ومتكلس ومتجمد ومتأزم ومتعفن ..؟
وماذا لو اكتشفت ان دورة الحضارة التي يفترض ان تنتمي اليها بأعتبارك فرادا وعضوا فيها ومنها هي في الحضيض وان مكانك في تلك الدورة الحضارية هي في الحضيض ايضا.!
وماذا لو انك تصرخ باعلى صوتك يـــــــــــــــــانـــــــــــــــــاس :
نحن في الحضيض.؟
فما كان جواب المتحيضضين : انهم اناس يتطهرون
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [الأعراف : 82]
ثم اصرخ من جديد يامسلمين:
نحن في الجمود ..!
نحن في السكون ..!
نحن مستحمرين..!
عقولنا في الثلاجة..!
اخلاقنا في الثلاجة..!
افكارنا في الثلاجة..!
حضارتنا في الثلاجة..!
نتنفس الجمود ونشرب السكون , عقولنا متكلسة , افكارنا متيبسة .... نحن في الثلاجة..!
فيرد احدهم ممن ينتمي لذات الدورة الحضارية بعد ان بح صوتك فيقول لك بصوت متجمد وليس بارد فحسب:
لقد ازعجتنا بصراخك..؟؟؟؟ انت شاذ..؟ انت مطرود من القطيع .؟ اخرج وحدك من الثلاجة انا هاهنا قاعدون..؟؟
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر : 34]
ماذا لواكتشفت ان الجمود والسكون الذي يعيشة المسلمون هو ليس طبع طارئ تطبع به المتطبعون.! بل هو خلق تخلق به المسلمون حتى اصبح جين هورمون وكروموسوم يسمى كروموسوم الجمود..!
ماذا لواكتشفت ان البقاء على الجمود هواقصى الغاية والهدف ..؟
ماذا لواكتشفت ان الحفاظ على السكون هو العمل لا بل العمل الحثيث...؟؟
ماذا لواكتشفت ان الطبيعة والعادة في المسلمين هي التكلس..!
وان التكلف والحرَاك هو التكلف..؟
ماذا لواكتشفت ان الاخبار تقول انني انا في الحضيض وغيري الاطهار ..؟ وانني انا المتجمد وغيري الاحرار..؟
ماذا لو اكتشف ان معركتي ليست فقط مع الذين وضعونا في الثلاجة ..! وهم العدو الخارجي وهم الاستعمار
وهي ليست فقط مع الذين وضعونا في الحضيض.؟ وهم القوى الخارجية وقوى الاستبداد .!
وليست فقط مع الاحتلال المسلح والغزو الثقافي والتجهيل الاممي والتجميد الاقليمي .!
بل معركتي الثانية و الكبيرة هي مع ابناء جيلي مع ابناء قومي مع ابناء الحضارة مع ابناء النهضة مع ابناء الثقافة مع احفاد العظماء وابناء المجد التليد..!
معركتي الثانية هي مع الذين لديهم القابلية على الاستعمار ..! والاستعداد للاستحمار ..! والقبول بالركوب والرضا بالركوع ثم التلذذ بالذل واستمراء الخنوع والتجشوء من البلادة ..!
معركتي الكبيرة مع الاحتلال الامني و الاحتلال الوطني وثقافة العبيد وعقلية القطيع ..!
معركتي مع اولئك الذين يصفقون للاستبداد ويقبلون الظلم حباً به ويقبّلون اصنامه وصوره ويهتفون نعم للفرعون العادل ..! نعم للرئيس القاتل ويدافعون عن القائداللص المعصوم ولرمز الخيانة وسؤدد الحضيض ويلعقون احذية النظام الفاسد ويسمونه مصلحا ثم هم من بعد ذالك كله يهاجمون الاحرار في كل منبر ويقتلون الثوار من فوق المنازل وبين الازقة لا لشي الا لانهم يهتفون للحرية .!
ذنبهم هولا الاحرار انهم يريدون الحرية..!
تهمتهم الكبرى التي لاتغتفر انهم يكادون يتشظون نارا حرقة ً لتذوق طعم الحرية.!
الحرية اليوم عندنا تهمة ...! وذنب ومعصية وكبيرة من الكبائر ..؟
فسالت اودية الدماء بقدرها ثم استمروا حتى طرقوا باب الحرية الحمراء بأكفهم المضرجة وطرقوا ويطرقون عليها ففتحت للبعض والبعض ينتظر فان لم تفتح اليوم فستفتح غدا ويومئذ يفرح الاحرار..!
كم من حر مات شهيدا ..؟ ولم يرى باب الحرية مفتوح ولكنه مات على اعتابها لتفتح لأخية الانسان..!
كم من عملاق من عمالقة الكلمة والفكر والحرية لم تستطع كلماتهم وهم احياء ان تزهر افكارهم بساتين وتثمر الا ان يقتلوا ويصلبو وتقطع ايديهم وارجلهم من خلاف على ايدي المستبدين فكانوا بحق شهداء الكلمة الطيبة , فلما دفنوا تحت الثرى اثمرت حينئذ كلماتهم للاخرين حتى صارت نورا يهتدون به وبلسما لجراحاتهم وعزاءً لشهدائهم فكانوا بحق كشجرة عملاقة اصلها ثابت وفرعها في السماء. فالبذرة التي يقدر لها ان تنبت يجب ان تدفن في التراب.!
معركتي هي مع اولئك المسوخ وتلك الكائنات الحية الممسوحة هم ليسوا بالرجال وليسوا بالنساء ولكنهم اشباههم هم الذين تبلدت فيهم الاحاسيس وتكلست بهم المبادي وتحجرت بهم الاخلاق فأضحوا ذئاب بثياب الانس وشياطين بجسد انس حتى ارتضوا ان يكونوا اداة بيد الاستعمار احذية بارجل الغزاة فأنتعلوهم وداسوا بهم الاحرار وغدا يرمونهم في مزابل الطريق وفي الصفحات الصفراء من التاريخ والتي حين تقرأ تكاد تشمأز بين القاذورات والنجس..!
ومشكلة المشاكل ان ما يصيبك من مأساة شخصية وعائلية واقتصادية وسياسية سببها الرئيسي انك ادركت المشكلة وسبب المشكلة ..؟ تهمتك اليوم يامتحضر انك عرفت كيف تدار اللعبة ..؟ عرفت خيوط الدمى ..!
انت متهم بتهمة التفكير..! انت متهم بأنك فكرت في النهوض حرضّت على الحضارة ودعوت للحرية .! وادركت المشكلة .!
هذه مشكلة كبيرة في اعراف الاستبداد وقوانين التجهيل ومنظومة التجميد والتخدير والتكليس..!
نعم : نقول ان سر فعالية الاستعمار الخارجي والغزو الفكري والاحتلال الامني والانحطاط الثقافي والنكوص الحضاري هو القوة الفعّالة في امتلاك تلك الساحة العملاقة في توجيه العقول والسيطرة تماما على ذالك الاعتداد النفسي وتفتيته الى اقصى مدى ونزعه نزعا من ميول الشخص العاطفية وتوجهاته الاجتماعية ..!
ونعم : ان سر فعالية القابلية على الاستعمار والاستعداد النفسي والسايكولجي للاستحمار والركوب هو تضعيف الواقع الاجتماعي لتك المسوخ الادمية التي ارتضت ان تنسلخ من بشريتها وادميتها وانسانيتها ..!
هي ذالك الشعور بالانقياد الا ارادي نحو الاستبداد والاستعمار ..! هي ذالك النداء النفسي الهزيل .! هي تلك الاستجابة الا شعورية لسياط الظلم والقهر والاستبداد بلا يقظة رجولة ولاهمة فارس ولا وقفة عز ..!
ونعم : هي مشكلة كبيرة عندما تكون القابلية على تقبل الاستبداد ليس مرضا طارئا .! بل نزيف وجرح غائر قبل ان تفتح عيناي على هذه الدنيا ! هو مرض مزمن تأريخي ناتج عن انسحاب الحضارة الاسلامية من الحدث والماضي وربما المستقبل ان بقينا داخل تلك القمقومة ورضينا بالسجن بين جدران المصباح السحري..!!
ونعم : هي مشكلة كبيرة ان تعيش بين فساديين متضامنيين متعاضدين ومتلازميين :
بين الاستعمار(الاستحمار) اولا , وبين القابلية على الاستعمار(المُسْتحْمَر) ثانيا ...!
الاولى مشكلة ولكن الثانية كارثة ومشكلة اكبر من اختها.!
والاول من العدوالقوي البعيد ... والثاني من أخيك الضعيف المُستحْمَر القريب..!!!
مدونة حرر عقلك
خطاب
التعليقات (0)