مواضيع اليوم

الاستبداد قد يأتيه مقاوم له

جمعة الشاوش

2011-09-02 13:40:50

0

إنّ الذي يُقاوم الاستبداد لا يعني أنّه لا يقترف الجريمة نفسها...لا يعني أنّه لا يتحوّل إلى مستبد أو هو لا يستبطن في أعماقه مشروع طاغية... لا يجب أن تُختزل الثورة ضدّ الاستبداد في المراهنة على من قاوم الاستبداد وبالتالي إيداع أمانة تطلعاتها واستحقاقاتها في شخصه دون رقيب ولا حسيب،دون أجهزة رقابة فعالة وناجعة تمنع عودة الاستبداد مهما كان مأتاه...لا يجب ترك المسألة للرصيد النضالي في مقاومة القمع ولا للخطاب المعلن لمُتعهّد بمنع تكراره،إنّما وجب تأمين ذلك بمنظومة انتقال ديمقراطي تحول دون عودة الاستبداد بصرف النظر عن النوايا المعلنة والخفية...(انظر المقال السابق http://jomaa.elaphblog.com/posts.aspx?U=2820&A=92023).
قد يقول قائل:لماذا كلّ هذا التّوجّس والشك والحذر والحال أنّ الشعوب لم تعد تقبل بالدكتاتورية وأنها إن عادت تحت أيّ مسمّى قاومتها وأطاحت بها؟..أيْ أنّ قدر ذات الشعوب المقهورة ليس إلاّ تراكما تاريخيا مثقلا بمقاومة الاستبداد كلّما عاد تحيّنت الفرصة المواتية للتّصدّي له بنفس التضحيات التي قدّمتها من قبل أو أكثر،بنفس وسائل المقاومة العنيفة التي تستدعي ضحايا ورعبا ودمارا وتستنزف الجهد والوقت ..ا. ليس من الحكمة أن يُبنى تقدّم الشعوب على مداومتها في ممارسة لعبة حذق فنون مقاومة الاستبداد بنفس وسائل المقاومة العنيفة التي لا تترك مجالا لبناء حضارة أو تقدّم...الديمقراطية هي وسيلة المقاومة الأمثل أو "الأقلّ سوءا التي تحول دون الاستبداد.
الديمقراطية ليست،فحسب،احتكاما لإرادة الشعب بالالتجاء إلى تنظيم انتخابات حرّة ونزيهة قد تؤول لدى طرف فائز بها إلى وسيلة للالتفاف على المنظومة الديمقراطية برمّتها...ثم إنّ الانتخابات غير المغشوشة ليست تلك التي تتمّ في كنف الشفافية والوضوح،فحسب،ذلك أنه علاوة على ذلك يجب أن تتضافر الجهود من أجل إعطاء الفرصة والوقت الكافيين لمختلف القوى الفاعلة في المجتمع على أن تتهيكل وتنتظم وتروّج لأطروحاتها وتكسب أنصارها في ظلّ واقع اتّسم بالتصحّر والضبابية،وإلا تحولت إلى انتخابات "غير عادلة" لا يفوز بها إلا من هو مؤهّل بمقاييس غير ديمقراطية لاختطافها في غفلة من الجميع...إنّ الديمقراطية في البلدان التي كانت تعاني من الدكتاتورية هي مسار شاقّ وطريق وعرة غير معبّدة...لذلك تستوجب مرحلة انتقالٍ للعبور إليها من عهد الاستبداد...وعليه فإنّ انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" في تونس المقرّرة ليوم 23 أكتوبر 2011 لا يجب أن تكون إلا حلقة من حلقات الانتقال الديمقراطي لتؤسّس لشرعية تقوم على الحيلولة دون انفراد طرف بالحكم تحت أيّ مُسمّى خشية الانقلاب على الديمقراطية وإنتاج دكتاتورية جديدة...
كيف ذلك ؟
على ذلك تتوقّف عبقرية الشعوب في ابتداعها أنموذجها الذي يُؤمّن لها الانتقال إلى عصر الديمقراطية دون انتكاسات أو خيبات مدمّرة...
من الإنصاف الاعتراف بأنّ أطروحات عديدة انخرطت في ذات السياق وقدّمت حلولا يُمكن أن تكون جيّدة بالتعمّق في محتواها وإثرائها والتعريف بها والتوافق على أكثرها اهتداء إلى قطع الطريق أمام احتمالات الالتفاف على الديمقراطية...قد يكون الحلّ في استفتاء على "خارطة طريق" للانتقال الديمقراطي أو في انتخاب لمجلسين أحدهما يتولى الرقابة ولا يُمارس صلاحيات السلطة لكنّه يمنع الانحراف بها في حين يتكفّل الثاني بتسيير دواليب الدولة لفترة زمنية يُتَّفَق عليها مستقبلا...قد يكون الحلّ في غير هذا أو ذاك إنما على توافق ينبني على شكّ مختلف الأطراف في بعضها البعض وبالتالي إرساء آليات تأخذ بعين الاعتبار تلك الشكوك وذاك التنافر المبرّر... المهمّ أنّ مرحلة الانتقال الديمقراطي التي نعيشها اليوم لم تكتمل وهي تستوجب حسم الكثير من القضايا العالقة قبل تفويض الشعب لسلطة الشعب إلى نخبة لتفعل بها ما تشاء،أي قبل إمضاء الشعب صكّا على بياض لنخبة يتوسّم الخير في أشخاصها دون أن يتوفّر له ضمان عدم إمكانية انقلابها على إرادته.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !