يشهد المجتمع الأردني سجالا صاخبا حول ما يسمى باتفاقية "سيداو" ولعل السجال يدور حول هل أن هذه الإتفاقية تعبر عن حاجة المجتمع الأردني للإصلاح والتجديد أم لا تعدو كونها مجرد إملاء خارجي يأتي نتيجة استجابة الأردن لضغوطات خارجية ؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من تحديد ما الذي تعنيه بداية اتفاقية "سيداو"؟
اتفاقية سيداو هي اتفاقية تشرف عليها وترعاها الجمعية العامة للأمم المتحدة و قد مضى على هذه الإتفاقية ثلاثين عاما وهي تعني في مجملها القضاء على جميع أشكال التمييز بين الرجل و المرأة بمعنى مساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. ومن هنا نفهم الجدل الصاخب الذي يشوب المجتمع الأردني حولها بين معتبر لها ضرورة داخلية واستجابة لتطلعات المجتمع ونمط تطوره وبين رؤية معتبرة إياها مجرد املاء وضغط خارجي لا لشيئ إلا لأن هناك من يرى في الحديث عن مساواة الرجل بالمرأة هي إحدى تبوهات ومحرمات المجتمع العربي الإسلامي ويعتبر كل حديث عن مساواة بين الجنسين هو نوع من الكفر واعتداء على حرمة الشريعة الإسلامية وهي تصورات ما أنزل الله بها من سلطان لأن المجتمعات العربية تستند في تشريعاتها لسلطة العادات والتقاليد والعرف أكثر من استنادها لسلطة النص الديني .
و إذا كانت اتفاقية سيداو تنادي بالمساواة وما أجمل أن يبنى المجتمع على هذا المبدأ فإننا لا نفهم كل هذا الجدل والتردد حولها و لما كلما حاول المجتمع تجديد قيمه استجابة لمتطلبات الواقع المعاصر ومتغيراته يتم تصنيف هذه النداءات ضمن ما يسمى بالإملاءات الخارجية فمتى يتحرر المجتمع من إحساس الوصاية بالوصاية ولما كل هذه الضجة أمام مساواة من المفروض أنها طبيعية فما العيب أن تتمتع المرأة بنفس حقوق الرجل؟فما من شريعة عادلة تقبل مبدأ اللامساواة والظلم فإذا كان الدين ينص على احترام حقوق الحيوان و حتى الشجر فما بالك بحقوق المرأة الإنسان اللهم إلا إذا اعتبرنا المرأة ليست إنسان .و إذا قبل الأردن رفع الحظر عن المادة 15 والتي تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة امام القضاء ومنحها حرية التنقل والسفر فإنه لا نرى منطقا في الإحتجاج ضد هذه المساواة . فليس من المعقول في شيء أن تظل مرأة الثقافة العربية الإسلامية في منطقة الظل وفي مرتبة دونية يسرق منها جهدها وتضحياتها في بناء الإنسان وينظر إليها من زاوية الوصاية والقصور . إن المرأة كائن عظيم لأنها تتحمل مسؤولية الأمومة والزوجة والرفيقة والصديقة وهي مسؤوليات ضخمة فكيف لنا أن نحملها هذه المسؤوليات الجسام من جهة ومن جهة نقول أنها قاصر وغير حرة لمنعها حقها في المساواة أليس في الأمر تناقض ؟ ثم أليس الأجدر في من يتحمل عبئ مسؤولية الآخرين أن تكون له الأولوية بل الأحقية في تحمل مسؤولية نفسه ؟ إن بهذا المعنى لا يمكن أن يكون المجتمع الذي يقف أمام حق المرأة في المساواة إلا مجتمعا منافقا ومريضا ومتناقضا لأنه يعامل المرأة كقاصر في نفس الوقت التي يحملها أصعب المسؤوليات أليس لا يمكن أن يتحمل المسؤولية إلا من كان كائنا حر الإرادة وله الإستقلالية التامة, إضافة إلى ذلك أن واقعنا المعاصر يثبت حضور المرأة في كافة المجالات السياسية والثقافية والمهنية وهو ما يؤكد قدرتها على منافسة الرجل وحتى التفوق عليه و أمام هذه النجاحات من السخف أن يظل المجتمع يتصدى لكل محاولة تنويرية تراهن على المساواة الطبيعية بين الجنسين . ولمن لا يعرف دلالة المساواة في التشريعات المدنية والسياسية أنها تقوم على فكرة المساواة في الحقوق والواجبات وتنظيمها فحقوق المراة واجبات عند الرجل وحقوق الرجال واجبات عند المرأة فإذا أنجز كل من الرجل والمرأة واجبه تجاه الآخر فإن حتما سيصل لكل واحد فيهما حقوقه وبالتالي فإن هذه الإتفاقية في جوهرها تخدم الرجل والمرأة على حد سواء وهي حاجة تفرضها تطور المجتمع وليس إملاء خارجي ,. لذلك يجب على الأصوات التي تروج لكون اتفاقية سيداو هي إملاء خارجي أن تتوقف عن هذا القول لأن الدولة التي اعتادت إملاء شروطها على الدول الأضعف منها ونقصد بذلك الولايات المتحدة الامريكية لم تمضي هي نفسها على هذه الإتفاقية حتى تفرضها على الآخرين . وبالتالي نستطيع أن نقول أن هذه الإتفاقية هي مطلب إجتماعي ضروري نتيجة التطور الطبيعي والتاريخي للمجتمع المرتبط خاصة بارتفاع نسبة الوعي والتعلم والثقافة من جهة ولطبيعة المجتمع الصناعي الحديث ومتطلباته من جهة أخرى وحاجة المجتمع الأردني لتجديد نفسه وقيمه استجابة لمتطلباته المادية والسياسية والثقافية .
التعليقات (0)