الاختلاف لا قيمة له
التنوع والاختلاف ظاهرة طبيعية وعدم الاعتراف بذلك يعني جمود العقل وموت المنطق , التضييق على الناس وإلزامهم برأي واحد وتهميش بقية الآراء والتضييق على من يٌطبقها في واقع حياته اليومية تطرف وليس بسلوك سوي حتى وإن أدعى من يقوم بذلك أنه يٌريد للناس الخير والكمال .
اختلاف العلماء في مسائل فقهية معينة لا يعني أن بمصدر التشريع خلل أو أن الشريعة ناقصة إنما يعني الرحمة واختلاف الزمان والمكان والفهم العقلي للنص والقياس الخ , حمل المجتمعات على رأي واحد والإدعاء أنه الصواب وغيره خطأ أو ضلال جريمة لا تٌفضي إلى وحدة الأمة كما يعتقد صاحب الرأي الواحد بل تقود إلى التزمت والتشدد والتشتت والضغائن , ممارسة الناس لحرياتهم وشيوع الاختلاف الفقهي في الواقع اليومي للمجتمعات يعني نمو الحوار والتسامح والتعددية ويعني أيضاً أفول نجم التزمت وعودة المجتمعات لطبيعتها الإنسانية تعايش وتسامح وتعددية شاملة ومراجعات فقهية وحياة سليمة خالية من التعصب الأحمق , رمي المخالف بتهمه التبديع أو التفسيق لمجرد إتباعه رأي فقهي مٌعتبر في مسألة فقهية معينة تطبيق عملي للتزمت الصورة الناعمة للتطرف والتشدد .
المجتمعات المسلمة تحتاج اليوم لثقافة الاختلاف أكثر من أي وقتٍ مضى خاصة مع تزايد حوادث العنف الدموي واللفظي وبروز آراء متطرفة تنخر فيما بقي من جسد الأمة الممزق , كثيرةٌ هي السلوكيات والممارسات التي وأدت وغيبت أراء فقهية وجعلتها حبراً على ورق دون أي أثر للتطبيق على أرض الواقع خاصة في المسائل المتعقلة بالمرأة الكائن الذي يخشاه المتطرف والمتزمت والذي يشغل مساحة ليست بالهينة من خطاب وفكر ذلك الكائن البشري الذي يخشى كل شيء ويؤمن بالمؤامرة .
يجب تفعيل الاختلاف وجعله واقعاً معاشاً في حياة الناس بدلاً من وجوده حبراً على ورق فلا قيمة للاختلاف دون تطبيق وأثر ودون وجود حماية فاعلة تتصدى لكل محاولة تشويه أو وأد قد يقوم بها من لا يؤمن بالآخر وحقه الإنساني في الحياة والتفكير والاختيار , يجب أن تقف السلطة السياسية عند حدودها " الإدارة والتنظيم فقط " ويجب أيضاً أن تقف السلطة الدينية عند حدودها " البحث والتنقيب وتعزيز القواسم المشتركة " وقوف كل سلطة عند حدودها يعني تحرر الاختلاف من قيود الشد والجذب التي عطلت سفينة الحياة السوية وعودة المجتمعات إلى حياتها الطبيعية التي لا تبدأ بحق الاختلاف ولا تنتهي بتحققه على أرض الواقع .
التعليقات (0)