هروبا من سحاب لندن ورطوبتها قضيت معظم شهر يونيو في أرض مصر الكنانة بلدي الاصلي الثانية كعادتي قريبا من الأحداث التاريخية العظيمة . كانت الأسابيع الماضية التي قضيتها هناك بين الشعب المصري حبلى بالاحداث والأنجازات والأنقسامات والمفاجئات ولكن الشعب المصري رغم كل ذلك أتبت في النهاية إنه جدير بدوره الحضاري الذي إمتد لألاف السنين . كان أهم الأحدات الذي فجر الانقسامات بين العسكر والشعب وبين فئات الشعب هو حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية إنتخاب مجلس النواب الذي يحظى فيه الأسلاميون باغلبية مطلقة ، بحجة تداخل أصوات الناخبين على أساس فردي مع أصوات الناخبين على أساس القائمة مما أتاح تكرر التصويت للناخبين . وهو درس للمسئولين على الأنتخابات الليبية القادمة خاصة أن المرشحين المصريين في نظام القائمة لا يزيد عن الثلت موزعين بين عدد محدود من الأحزاب الشئ الذي يختلف عنه في ليبيا . حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مجلس النواب أجبر المجلس العسكري على إصدار أمر بحله وأصدار تعديل دستوري جديد لاعادة سلطة التشريع الى المجلس العسكري وأعطاء المجلس العسكري سلطات دستورية إضافية تحد من إختصاص رئيس الدولة في الشئون العسكرية والمالية الذي كانت إنتخاباته على الأبواب .اما الخلافات التي إشتد لهيبها فهو الخلاف بين الاخوان المسلمين دعاة الدولة الدينية وفئات الشعب الأخري الداعية إلى دولة مدنية . وكما أوضحت سابقا في تعليقاتي نظرا لعدم وجود تنظيم موحد لثوار ميدان التحرير يجمع قوى الثورة التي أجبرت الرئيس حسني مبارك على التنحي فقد تركز الخلاف كما كان قبل ثورة 25 يناير بين الأخوان المسلمين وأنصار النظام السابق المتمثل في الحزب الوطني المنحل والذي لم يصدر قرار عزل سياسي ضدهم ، كما أظهرت إنتخابات المرحلة الاولى للأنتخابات الرئاسة .فقد إنحصر التنافس بين ممثل الأخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي واللواء المتقاعد أحمد شفيق رئيس وزراء مصر الأسبق في فترة حكم مبارك اثناء ثورة 25 يناير. وكان ثوار ميدان التحرير وميادين المدن الكبرى الأخرى يمتلون الشباب الوطني المستقل وشباب الأحزاب العديدة التي عرفت بقوى الحركة الليبيرالية الأخرى التي يتهمها الأسلاميين بالكفر ويسمون أنصارها الليبراليين بالكفار لانهم لا يؤمنون بالله ولا يتقيدون بتعاليم الاسلام والأديان السماوية . ورغم أن شباب الأخوان المسلمين والسلفيين شاركوا ثوار ميدان التحرير في مسيراتهم وإعتصاماتهم إلا أن جماعة الأخوان المسلمين لم تناصر رسميا بعض المسيرات التي اتسمت بمعارضة صريحة للمجلس العسكري الذي تخشى الجماعة تدخله ضدها كما جرت العادة في النظام السابق . وقد إنحصر التناقس في معركة الاعادة بين المرشحين الذين حصلا على أعلى نسبة من الأصوات وهما اللواء أحمد شفيق الذي حظي بتاييد أنصار مبارك والحزب الوطني المنحل والاقباط وبعض العناصر الوطنية التي عرفت بمواقفها ضد الأخوان المسلمين على إعتبار أحمد شفيق احسن الشرين الذي لا بد من تاييده إذا اريد منع مرشح الأخوان المسلمين محمد مرسي من الفوز . والدكتور محمد مرسي الذي حظي يتاييد الأخوان المسلمين بعد إخراج ممثلهم الرسمسي من معركة الأنتخابات السيد خيرت الشاطر، والسلفيون وبعض العناصر الوطنية التي ترى في إنتخاب اللواء احمد شفيق إلغاء للثورة والعودة إلى النظام السابق خاصة أن أحمد شفيق أعلن في برنامجه الأنتخابي التسامح والتصالح وتجنب الانتقام من اتصار النظام السابق والذي قد يساعد على العفو على مبارك وزمرته إذا نجح . كما أنه كان يحظى بتأييد المجلس العسكري غير الرسمي فهو عسكري ومحسوب عليهم وساعدوه في تجنب تنفيد حكم العزل السياسي ضده وفق مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس النواب الذي كان يمثل الأخوان المسلمين والذي ألغته المحكمة الدستورية العليا بعد ذلك . وكانت معركة إعادة الأنتخابات حامية وكانت كفة أحمد شقيق راجحة خاصة في وسائل الأعلام الرسمية وغير الرسمية والدوائرالاجنبية ومواقفها المعلنة . وما أن أقفلت صناديق الأنتخاب حتى سارع الاخوان المسلمون إلى إعلان فوز مرشحهم الدكتور محمد مرسي وفقا لمحاضر اللجان التي وقع ممثلوهم في اللجان عليها . كما أن منظمة للقضاة مؤيدة للاخوان المسلمين اعلنوا بدورهم فوز الدكتور محمد مرسي وفقا لمحاضر لجان الانتخابات التي اشرف عليها القضاة . ولم يلاقي هذا الاعلان غير الرسمي للانتخابات ترحيب المجلس العسكري واللجنة الأنتخابية العليا ووسائل الاعلام . وقد ساعد تاخير إعلان نتيجة الأنتخابات عن موعدها نتيجة للنظر في الطعون العديدة التي قدمها المرشحان ألى زيادة التكهنات وإشاعات تدخل المجلس العسكري ، مما جعل الخلاف بين الفريقين يزداد شراشة . وهدد الاخوان بمن فيهم مرشحهم محمد مرسي بعظائم الامور إذا اعلنت النتيجة في صالح اللواء أحمد شفيق ، وقد زاد هذا التهديد لهجة الأنتقاد للأخوان المسلمين . كل هذا حدث ولكن شيوخ قضاة مصر العظام رئيس واعضاء اللجنة العليا للانتخابات المعروفون بنزاهتهم وسمعتهم الواسعة وطنيا ودوليا أحتفظوا بهدوئهم وأعلنوا نتيجة الأنتخابات موثقة بفوز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية . وقد قوبلت هذه النتيجة بترحيب وتهليل الشعب المصري رغم أن الفارق بين الأصوات التي حصل عليها المرشحان لا تزيد عن 1% . كم لاقت النتيجة صمت رهيب لأنصار أحمد شفيق وتشتتوا ، وإعترف احمد شفيق رسميا بهذه النتيجة . وقد دارت إشاعات التي روجها أنصار نظرية المؤامرة أن الرئيس أوباما تدخل وهدد المجلس العسكري بأي تدخل في النتيجة ضد مرشح الاخوان المسلمين . وان إدارة الرئيس أوباما كانت وراء ثورات الربيع العربي منذ تصريح هلري كلينتون بسياسة الشرق الأوسط الجديد منذ أكثر من ثلات سنوات ، وأن مفاوضات سرية جرت على أعلى مستوى بين الأدارة الامريكية وممئلي الأخوان المسلمين في واشنطن تعهد فيها الأخوان بأتباع سياسة معتدلة والأعتراف بالمعاهدات الدولية والأتفاقيات المعقودة مع إسرائيل والسوق الحرة وتجنب فرض القيود والشريعة الأسلامية على المراة ومتطلبات السواح المحرمة إسلاميا . وتقوم سياسة الشرق الأوسط الجديد الأمريكية الى تغيير السياسة الغربية التقليدية في التعامل مع الحكام الدكتاتوريين ومناصرة شعوب المنطقة في تحرير نفسها وتولي أدارة شئونها بما في ذلك التعاون مع الأسلاميين ألذين يرغبون في سلوك سياسة معتدلة وأحترام القانون والعلاقات الدولية ومحاربة الارهاب بشتى صوره والمحافظة على المصالح الاقتصادية والتجارية الغربية والسوق الحرة والمساواة في التعامل مع الشركات الغربية وحرية المواصلات الدولية .
هذا وسأتعرض في تعليقي القادم إلى موضوع أنتخاب رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي وأحكام القضاء المصري في القضايا التي زالت معروضة أمام القضاء الاداري للفصل في حل مجلس النواب والتعديلات الدستورية الاخيرة ومراحل إتمام عملية نقل السلطة نهائيا إلى حكومة مدنية لأول مرة في تاريخ مصر. وتجربة مصر رغم أنها تختلف عن تجربة ليبيا لأختلاف مجرى الثورتين من ثورة داخل النظام القائم في مصر إلى ثورة على النظام بأكمله في ليبيا إلا أن هناك قواسم كثيرة متشابهة يمكن لليبيين الأستفادة منها من تجربة مصر . بشير السني المنتصر
التعليقات (0)