الإحتلال اللغوي
اللغة في خطر،فهل نعي هذا الغزو اللغوي الذي احتل مجتمعاتنا العربية ؟ لم يعد الإستعمار يحتاج جيوشا أو حملات ابادة أو احتلالا للجغرافية ،لأن الإحتلال الفكري واللغوي أخطر وأبشع من أي احتلال عرفته البشرية وهذه الهجمة التي احتلت ألسنتنا،حولتنا من ناطقين بالضاد ، الى ناطقين بلغة العم سام ،علينا أن ندرك ان اللغة هي وعاء الفكر، ومرآة الحضارة الإنسانية التي بُنيت عليها مفاهيم التخاطب بين البشر،ووسيلة للتواصل ونقل الأفكار والمشاعر وعليه اهتم الإنسان بها وطورآلياتها،لتصبح قادرة على احتواء كل جديد لذلكعمل على تحويل الأصوات التي يصدرها الى أحرف ونسق من حاجته لغة سهلت تعامله مع الآخر،فلا يمكننا أن نتحدث عن حضارة الشعوب دون ان نتحدث عن لغاتها، ومن اللغات القديمة (الكادية، المسمارية ،هيروغليفية..)الى ما عرفه العالم من تعدد في اللغات واللهجات ولوعرفنا قيمة اللغة العربية التي اختارها رب العالمين سبحانه وتعالى لتكون لغة القرآن لافتخرنا بها وببلاغتها . لقد احتلت اللغة العربية المرتبة الرابعة في العالم تبعا لأشهر الإحصائيات العالمية، في كتاب "حقائق العالم" الصادر عن الاستخبارات الأمريكية و"إنكارتا" وايضاً "إثنولوج". حيث يبلغ نسبة متحدثيها في العالم 6.6%، وهي واحدة من أقدم لغات العالم، ويتحدث بها غالبية سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالأخص سكان البلدان العربية كافة. ولأنها لغة القرآن، فيعمد الملايين من المسلمين في كل أنحاء العالم على تعلمها ،وقد تم اعتمادها كلغة رسمية سادسة في الأمم المتحدة وذلك في عام1974 ولكن لغتنا الجميلة تواجه اندثارا لها وتراجعا مخجلا أمام اللغات الأجنبية.هذا الاحتلال اللغوي يحدث عن طريق التسرب المتزامن مع هجمة العولمة على مجتمعاتنا وهبوط الثروات المادية مما أحدث خللا في استيعاب كل هذا التغيير فضلت الأسرعن الطريق الصحيح في تربية ابنائهم على لغة دينهم وقرآنهم. لذا واجه أبناؤنا صعوبة في التعامل معهاوتعلمها بل راحوا ينظرون اليها نظرة فوقية ويتباهون باتقانهم للغات الأجنبية أكثر من لغتهم الأم ،فماذا يحدث لأولادنا ولماذا يعانون صعوبة في تعلم اللغة العربية وهي لغتنا وحضارتنا ولغة قرآننا حيث جاء في القرآن الكريم{ قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الزمر28 .لعل أبشع أنواع الاستعمار، هو استعمار الفكر والسيطرة على العقول من خلال تسرب اللغة الغربية إلى أذهان أبنائنا, واعتقادهم بأن من يتكلم لغات أجنبية هو أكثر حضارة وانفتاحا وثقافة, من من لا يتقن إلا لغته الأم وهذه مغالطة كبرى، سببها عوامل عديدة جميعها يتعلق بدور الأهل والمدرسة في تكوين شخصية أولادنا وأهمها:
- اصرار الأهل على مخاطبة الأولاد بلغة ثانية بشكل يطغي على لغتهم الأم ، فنحن نجد الأمهات يتفاخرن بإتقان أبنائهن التحدث بالانكليزية مثلا ونجدهن أنفسهن يستخدمن اللغة الأجنبية في تعاملاتهن وخاصة في بلاد الخليج العربي، مما لا يسمح للغة الأم في أخذ الحيز الطبيعي في فكر وفطرة الأبناء.
- حرص الأمهات على ترك أبنائهن للعاملات الأجنبيات، اللواتي يحرصن على احضارهن من بلادهن ،متقنات للغات الأجنبية مما يجعل لغة التعامل والتخاطب حتما غير اللغة العربية .
-عدم دعم الطفل ومساعدته في اللغة والتأكيد على أن اللغة العربية لغة معقدة مما يترك تأثيراً سلبيا في مقدرة الطفل على تعلمها.
- طرق تعليم اللغة في مناهجنا, التي تثقل الطالب بحفظ أبيات تبدو من كوكب آخر بالنسبة له.
-عدم الاهتمام بدعم اللغة ودارسيها, واهتمام الوزارات المعنية مثل وزارة التربية والثقافة باجراء مسابقات باللغة ووضع جوائزا ,ومنحا للمتخصصين فيها وعدم التركيز على أهمية التمسك باللغة العربية. لأنك ان اردت دحر حضارة ما ألغي لغتها. وهذا ما حاولت ان تفعله فرنسا في لبنان, وفي الجزائر, والمغرب حين فرضت اللغة الفرنسية في الدوائر الرسمية, والمعاملات وجعلتها لغة التخاطب الرسمي, إبان الاحتلال الفرنسي لهذه الدول،طبعا لم يقتصر الأمر على( فرنجة )اللغة بل أن الغاية ان يبدأ الشاب العربي بالتفكير باللغة المكتسبة والتحليل بحسب معاييرها ومقايسها التي لا تتفق مع ثقافته وموروثاته مما يحقق اهدافهم في طمس حضارتنا ولغتنا وقرآننا.
-اصرار الأهل على تعليم أولادهم في مدارس أجنبية، اللغة العربية فيها ليست أساسية، ثم ارسالهم إلى دول أجنبية للحصول على شهادات عليا، فيمتزجون بمجتمعات غريبة عن فكرهم مما يخلق غربة في الهوية، تماما كعملية التهجين بين النبات فينتج عنصرا لا خصائص ثابتة له.
وليت الأمر انتهى هنا بل جاءت لغة الإنترنيت ولغة الرسائل على الهواتف، لتعدم اللغة اعداما وقحا قائما على التحريف والتشويه.فأصبح الشباب يكتبون العربية بالأحرف اللاتينية ويستعيضون عن بعض الحروف بأرقام ورموزمما خلق لغة خاصة بالإنترنيت.الى آخره من قتل لأصالة اللغة وقوتها وضرورتها.
الشيء المثير للدهشة , أن كل الشعوب تعتز بلغتها ,وتفضل ان تتكلمها لأنها رمز وطنيتها وانتمائها. فالألماني مثلا يكلمك بلغته وان كان يتقن الإنكليزيةوالتركي وشعوب أخرى كثيرة تعرف أن الحضارة لغة وشعب وأرض وتاريخ,ومن يتنكر للغته يتنكر لثقافته وحضارته وهذا لا نجده في عالمنا العربي.
علينا أن نعي بأننا لن نصبح كائنات أرقى إن تكلمنا لغة أجنبية. نعم يجب أن نتعلم لغات ونتقنها فهذا يردم الهوة الفكرية ويسهل التعامل مع الحضارات الأخرى ولتأمن عدوك تعلم لغته ، ولكن ليس على حساب لغتنا الأم ولا على حساب جمالها وروعتها .ليت كل زعيم يرفض التكلم في المحافل الدولية إلا بلغته ليس تعصبا أو عنصرية بل اعتزازا بلغته خاصة مع توفر الترجمة الفورية . مما يجعل حضوره أقوى كرمز لقوميته .
فلم لا نفاخر ونفتخر بلغتنا التي هي ثقافتنا وتاريخنا؟وقد قال فيها حافظ إبراهيم رحمه الله:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.
التعليقات (0)