الاحتفـاء بالعشر الأواخـر
خليل الفزيع
إذا كانت لرمضان الكريم مكانته الخاصة بين شهور العام، فإن للعشر الأواخر مكانتها الخاصة بين أيام الشهر الكريم، لتحري ليلة القدر فيها، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، كما ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها). وفي الصحيحين عنها أنها قالت: (إذا دخل العشر شـد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) وفي المسند عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشـرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر).
ومن خصائص العشر الأواخر الاعتكاف إقتداء بالسنة المحمدية، فقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم، واعتكف معه أصحابه، كما اعتكفوا بعده، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده).
وخرّج الطبراني من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة).
وقد صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوقظ عائشة بالليل إذا قضـى تهجده وأراد أن يوتر، وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يصلي في الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة.. ويتلو هذه الآية ]وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها[.
وكانت امـرأة تقول لزوجها بالليـل: قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق طويل، وقوافل الصالحين قد سارت قدّامنا، ونحن قد بقينا.
يـا نائـم الليل كم ترقـد
قـم يا حبيبي قـد دنا الموعد
وخذ مـن الليـل وأوقاتـه
وِرداً إذا مـــا هجع الرُّقَّـدُ
من نـام حتى ينقضـي ليـله
لم يبلــغ المنـزل أو يجهدُ
قل لذوي الألباب أهل التقـى
قنطرة العرض لكـم موعدُ
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يُواصَلَ الليـل كلـه، لكـن روى عبدالـرزاق الصنعاني في كتابه "المصنف" عن ابن جُريج: أخبرني عمرو بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصـال، قالوا: فإنك تواصل؟ قال: (وما يدريكم لعل ربي يطعمني ويسقيني) وهذا مرسل، ومنه إشارة إلى ما كان الله عز وجل يخص به نبيه صلى الله عليه وسـلم في صيامه وخلوته.. من موارد إنسه ونفحات قدسه، فكان في ذلك ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب، كمــا قيل:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
عن الطعـام وتُلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به
وقت المسير وفي أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها
روح القــدوم فتحيا عند ميعاد
فالذكر هو قوت قلوب المعتكفين.. يغنيهم عن الطعام والشراب كما قيل:
أنت ريي إذا ظمئت إلى المـ
ـاء وقوتي إذا أردت الطعام (يتبع)
التعليقات (0)