الاتحاد المغاربي مشروع القيادات أم الشعوب؟
الاتحاد المغاربي-كما هو معلوم- ليس فكرة وليدة الراهن ولا موضة جديدة يُراد الترويج لها،إنّه مشروع له ما يَسندُه تاريخيا وما يستوجب الإلحاح على التشبّث به حاضرا في سياق السعي إلى إحداث تكتّلات عربية إقليمية يشكّل منها الاتحاد الخليجي التجربة الأكثر نضجا وتطوّرا.
لقد كانت أجيال مقاومة الاستعمار الغربي في بلدان المغرب العربي أكثر تفاؤلا من أجيال الحاضر لبناء الصرح المغاربي،وكانت لا ترى عقبة أخرى لإنجازه غير عقبة الاحتلال الأجنبي التي بزوالها تزول الحدود المصطنعة،وتمتدّ جسور التضامن والتكامل والوحدة بين بلدان هذا الإقليم الذي يحتلّ من جغرافية إفريقيا صدارتها وشمالها...وليس أدلّ على ذلك أنّه ما إن أحرزت تونس والمغرب على استقلالهما سنة 1956 حتى برزت الدعوة إلى بعث كيان يستجيب لتطلّعات شعوب المنطقة للتواصل وبناء المصير المشترك في الوقت الذي ما زالت فيه الجزائر تخوض ثورتها التحريرية لنيل استقلالها الذي تأخّر إلى سنة 1962،وهي التي تحتلّ جغرافيا،على الأقلّ،موقع القلب النابض لهذا الإقليم العربي...لم يكن،وقتها،عدم استقلال الجزائر ليحول دون التّطلّع لبناء الكيان المغاربي،بل كان حافزا على تسريع بعثه ليكون لبنة تنسيق وتعاون بين نخب وشعوب المنطقة ودعما للمقاومة الجزائرية...ولذلك جاءت فكرة تأسيسه،في مؤتمر طنجة سنة 1958...
لكن-وآه من لكن-...لقد كانت الولادة عسيرة لهذا الكيان الوحدوي،في عهد استقلال بلدانه،كلّ بلدانه،إذ كان لزاما على شعوبه أن تُروّض نفسها على الصبر وتجرّع مرارة واقع يُكذّب الأحلام والمنطق وأن تنتظر أكثر من ثلاثين سنة ليُقرّر القادة قيام "اتحاد المغرب العربي" في 17 فيفري 1989 في قمّة مرّاكش التي مهّدت لها قمّة زيرالدا بالجزائر (10-7-1988)...
يجب أن نذكّر أنّ أواخر الثمانينات من القرن الماضي هبّت فيها نسمات التغيير على المنطقة المغاربية،وبدا الوعي،إبّانها،بالتحدّيات المطروحة إقليميا وبالتحوّلات العالمية المتسارعة قويا وواعدا،فانتعشت الآمال الشعبية من جديد بعد أن نال من توهّجها طول الانتظار والعنتريات الزعاماتية...
بعد مرور أكثر من عشرين سنة على قيام هذا الاتحاد،مضافة إلى أكثر من ثلاثين سنة استغرقتها ولادته،لا نجد له إلا حصادا هزيلا،لا يرقى إلى مستوى التطلّعات ولا يتناسب مع الرهانات والتحدّيات...بل إنّ مجرّد بهجة الاحتفال بذكرى قيامه تكاد تكون غائبة شعبيا وحاضرة على استحياء لدى نخب لا تزال تُصرّ على التأميل...
عبثا تحاول البحث في المعوقات التي حالت دون تسريع نسق مردود الاتحاد المغاربي،فهي إن بدت وجيهة فالمفروض ألا تكون وجاهتها لتُقارن بالعائق الاستعماري الذي تمّ التّغلّب عليه.
إذا صحّ القول أنّ أيّ شراكة تتمّ استجابة لإرادة الراغبين فيها والعازمين عليها،تُرى هل أنّ هذه الإرادة غير متوفّرة أم أنّها مُغيّبة؟..
آن الأوان أن تتحمّل الشعوب مسؤوليتها التاريخيّة بتحويل إرادتها إلى فعل في زمن ندّعي أنّه زمن التنظيمات الشعبية والمجتمعات المدنية...أما المسؤولية التاريخية فهي تلك التي تضعنا أمام تحدّي الاعتراف بأنّ معوقات الاستقلال لعمل مغاربي مشترك أشدّ وأشرس من معوقات الاستعمار لنفس الغاية...
التعليقات (0)