كم هو مؤسف حقا أن تصادف أحيانا مقالات تروج لأفكار أقل ما يقال عن أصحابها أنهم يعانون من الفصام و الخرف و العته و كل الامراض النفسية الاخرى.اناس اختاروا مجابهة تيار الحقيقة الجارف و أعلنوا العصيان و التمرد على لغة المنطق و العقل.
كانت زيارة الرئيس التونسي الجديد لبلادنا مناسبة كشفت وجود خلايا سرطانية في الجسد المغربي،خلايا لا تزال تستأسد و تستقوي برموز أنظمة فاشية بائدة رغم أن قصورها تهاوت و تبخرت أحلامها الوردية في بناء وطن من المحيط الى الخليج،رموز انتهى بها الامر في الجحور كالجرذان لتخرج شعوبها المتحررة كاشفة أمورا لم تكن في الحسبان.لقد كان الفكر البعثي حقيقة أكبر نقمة على الشعوب المغاربية التي تميزت عبر التاريخ بخصوصيتها رغم أن النذر القليل من أبنائها المغرر بهم لا يزالون يعيشون الوهم،مدافعين عن أطروحة فرقت الناس عبر الاقطار عوض توحيدهم،أطروحة بئيسة تحكم على كل من يقف أمامها رافضا بالاعدام المادي و المعنوي.
كنا ننتظر من هذه الابواق المزعجة أن تكف عن عويلها، و تعتبر من الدرس العراقي الذي وشم فجر الالفية الثالثة، ثم دروس الربيع الديمقراطي و ما أتى به، الا أنها لا تزال في سبات نوم عميق،تتوهم مغربيا "عربيا".لقد فهم الرئيس التونسي رغم أنفه حقيقة الوضع و جاء الى هؤلاء منبها،جاء ينعي اتحاد "المغرب العربي" بشكل رسمي بعدما نعاه الدستور المغربي قبله،جاء الرئيس التونسي ليؤكد على ضرورة التأسيس لاتحاد مغاربي يقوم على احترام الخصوصية التاريخية المميزة للمغرب الكبير.كم أثار شفقتي ذلك المذيع الذي حاور سيادة الرئيس عندما عاد الى العادة القديمة موظفا عبارة"المغرب العربي" ،فقاطعه الرئيس التونسي مصححا هذا اللغط بعدما أوضح سلفا لماذا وجب توظيف عبارة الاتحاد المغاربي و ليس"المغرب العربي".صحافي ذهب ضحية أوهام سريالية ابتدعها زعيم الانظمة الفاشية في تاريخنا الحديث،فخامة الجرذ الكبير.
من يتابع الجريدة المسائية بالتلفزيون المغربي ليوم زيارة الزعيم التونسي، سيظن صراحة أننا في الزمن الناصري العفلقي. رجال اعلام لا ندري ما اذا كانت أخطاؤهم القاتلة متعمدة تستهدف استفزاز المواطن المغلوب على أمره، أم أنها مجرد "زلات" أنتجتها الزبونية و ضعف المهنية و الالمام بحقائق الامور،وكيفما كان الحال،فالأمر سيان.
ان الدستور المغربي الجديد الذي تم اقراره قد حذف عبارة"المغرب العربي" ،و هو ما يلزم كل من يدعي غيرته و تشبثه بهذا الوطن الكف عن توظيف هذه العبارة الاقصائية التي تعتبر مساسا بينا بالقانون المغربي الاسمى.كيف لصحافيين في اعلام عمومي يؤدي المواطن ثمن استمراره أن يخندقوا أنفسهم في هذا الصف الذي اختار التغريد خارج السرب المغربي و توجهه العام؟؟؟
لقد كشف الربيع الديمقراطي تفشي الشذوذ الفكري و الدعارة الايديولوجية في المجتمعات المغاربية ، و الا كيف نفسر اصرار بعض التيارات على مغالطة نفسها معلنة الحرب - النفسية في أحسن الاحوال – على خصومها الايديولوجيين؟؟؟
لسنا في حاجة أن نذكر أحدا أننا أقوى من أن نخضع للنزوات و الاستفزازات ،أقوى من أن نهب التهديد و الوعيد و اقوى من أن نستسلم للتكفير و التخوين المجانيين.ان فشل ما يعرف ب "المغرب العربي" يعزى الى كونه جاء كاستجابة لرغبات نزوية غير مؤسسة لحكام مهووسين و من تبعهم في ضلالهم من القوميين الغاصبين لحقيقة المجتمع المغاربي و تاريخه،شرذمة جمعتهم المزاجية و تجاهلوا الانتماء المشترك الذي يجمعهم مع غيرهم من الاطياف الفكرية و الايديولوجية و الهوياتية الاخرى.
اليوم و ليس قبله،يدرك الجميع؛ و آن للمغرر بهم أن يتداركوا ؛أن ضرورة بناء الاتحاد المغاربي حتمية لا محيد عنها،اليوم يدرك الجميع أن المغرب الكبير لكل أبنائه،و لايحق لأي كان أن يجبرنا على التطبيل و التزميرلأي فكر اقصائي قومي فاشي معد أتت به الرياح العفلقية المشؤومة.
ان التجني على الامازيغية كهوية و تاريخ و كينونة و رميها بكل أشكال العجز و القصور لن يغير من قيمتها و حقيقتها شيئا.ان قذف الناشطين الامازيغ و سبهم و النعوت المجانية و الاتهامات بالعمالة و الخيانة لن يزيدهم الا اصرار على مواصلة المسير، و ايمانا بعدالة القضية.ان التحالف مع التيارات الاسلاموية و السلفية و غيرها لن يضر الحقيقة المغاربية في شيء،بل أكثر من ذلك فهو يعطيها القوة و الحماس الشعبي.ان اختزال مصير شعوب المنطقة في الولاء و الطاعة لمرجعيات أضحت في خبر كان ينم عن فوبيا قاتلة و خبيثة تستلزم العلاج النفسي الآني لمنظريها.
ان المغرب الكبير قوي بتنوعه،قوي بفسيفسائه الفكري و الايديولوجي و الاثني و المرجعي،ان ايماننا بالانتماء الى هذا الوطن الكبير يجعلنا و بدون استثناء نؤمن بالاختلاف و التعدد،يجعلنا نصنع التغيير الذي فداه الاحرار بأرواحهم الطاهرة و الذي آن الاوان أن نكون في مستواه،فما شهده المغرب الكبيرمن تحولات استراتيجية تجعل القراءة التفاؤلية منطقية الى حد كبير.
التعليقات (0)