مع بدء العد التنازلي للحملات الانتخابية باتجاه يوم الحسم في السابع من آذار المقبل تشتد منافسة الأحزاب والكيانات السياسية لكسب اكبر عدد ممكن من الأصوات وبالتالي الفوز بالأكثرية التي تتيح لها تشكيل الحكومة والسيطرة على مقاليد الحكم والإدارة للبلاد لمدة أربعة سنوات قادمة.
ما يدعو للتأمل في هذه الانتخابات أن اغلب الكيانات السياسية المشاركة لها برامج دعاية انتخابية متشابهة وهذا ما يدعو المواطن إلى الحيرة وكثرة التفكير قبل اتخاذ القرار في يوم التصويت، فالمواطن العراقي كثيرا ما يطمح إلى رؤية وحدة الصف بين الكيانات السياسية كون الفرقة كلفته ثمنا باهظة طيلة السنوات الماضية.
إذن السؤال المطروح لماذا كل هذه الأسماء وهذا التشتت مع كل هذا التقارب في وجهات النظر المطروحة في برامج عمل الأحزاب؟ والتي كانت خلاصة أفكار المئات من الاختصاصيين والخبراء والأكاديميين ومن مختلف دول العالم حسبما صرح به رئيس إحدى الكتل المشاركة ناهيك عن التكاليف المادية التي كانت وراء إعدادها، وللإجابة على هذا السؤال علينا ابتداءً أن نسلم بان التجربة الديمقراطية في العراق ما زالت في طور الحبو ولم تتمكن لحد الآن من الوقوف بشكل سليم يضمن لها قدرة الاستمرار والتقدم كما أن أجواء الحرية التي ننعم بها لم تكن نقية وسليمة إلى درجة نستطيع معها بلورة منهج عمل ديمقراطي ناضج ومتكامل، لذا نشأت في ظل هذه الظروف أحزاب ومنظمات لم يكن لديها ما يؤهلها لخوض التجربة الديمقراطية إلا من خلال الدعم المستورد والذي لم يراعِ المقاسات والمواصفات الوطنية لذلك وجدنا فجأة هذا الكم الهائل من المسميات ومنها ما هو مولود حديثا، وهذا ما يبرز إلى واجهة الصراع الانتخابي أنواع ثلاثة من البرامج:-
الأول وهو الأصيل النابع من تجربة طويلة وعمق تاريخي مواكب بذلك معاناة الشعب طيلة العقود المظلمة التي مرت عليه وهو بذلك يمثل الصوت الواثق والرصيد الجماهيري الحقيقي.
والنوع الثاني هو الدخيل الذي لا يمثل إلا الجهة التي تتبناه ولا يمكن بأي حال أن يكون ملبيا لطموحات الجماهير في الحرية والانعتاق والتقدم والازدهار كونه لم يكن نابعا من رحم التجربة والمعاناة وإنما جاء جاهزا ومدعما بأنواع المقبلات والروائح التي سرعان تفقد بريقها أمام الواقع العراقي الطموح للانعتاق من التبعية والذيلية للآخرين، وهذا ما يمثله كل المتشبثين بأجندات دول داعمة لا يشكل نجاح العملية الديمقراطية المرتبة الأولى لاهتماماتها بقدر ما تريد زراعة عضو صناعي في إحدى جنبات الجسد العراقي الذي أنهكته الحروب والممارسات اللامسؤولة للنظام البائد، ظنا منهم قدرة انسجام هذا العضو مع باقي الأعضاء وهذا ما لا يمكن لهذا الجسد الواحد تقبله.
أما النوع الثالث وهو المعتاش أو الطفيلي الذي ليس له القدرة على الظهور أمام الملا بشكل مستقل كونه لا يمتلك مقومات الكسب الجماهيري والتمدد البناء في مفاصل المجتمع، وهذا ما تمثله الأحزاب حديثة التكوين التي اتخذت من أجواء الديمقراطية فرصة للاجتماع والحديث بما هو مشترك من أفكار وهموم تعويضا لما ذاقوه من معاناة الحرمان وحرية التعبير بشكلها الحضاري طيلة عقود القمع وكتم الحريات، فظنوا أن من الحرية القيام بتشكيل حزب أو تجمع أو حتى منظمة مجتمع مدني, المهم عند هؤلاء هو الاستقلال بالاسم بعيدا عن الفكر ملبين بذلك رغبة ضيقة إن لم نقل شخصية طالما حجبت عنهم.
من هنا جاءت معالجات أصحاب الرأي السديد المتربعين على عرش الارجحية العقلية لهذا الواقع بطرح فكرة الائتلافات الكبيرة أو حتى الائتلاف الواحد والتوجيه نحو الانضمام مع الأحزاب ذات الصلة الحقيقية بمصالح الجماهير والتجربة في طرح المعالجات الناجعة وبلغة عملية بعيدة عن الإسفاف قريبة من العقل والحس الوطني وهؤلاء إنما انطلقوا من درايتهم العميقة بواقع المجتمع العراقي سواء المستوى التجريبي أو التنظيري، فالتجربة أثبتت أن العمل الانفرادي والتعامل مع الأحداث ذات الصفة الشاملة والمصيرية لا يمكن لمكون واحد أن يكون بديلا عن الآخرين في اتخاذ القرار، لذلك أصبحت عقيدة العمل الجماعي ومشاركة الكل في إدارة البلاد وصنع القرار عقيدة متبناة لدى هؤلاء العقلاء مراعين بذلك الواقع العراقي المتحرك والمتعدد سواء القومي منه أو الديني أو المذهبي متجاوزين بهذه الفكرة كل الخلافات التي يمكن أن تعصف بالتجربة الديمقراطية الحديثة وإعطاءها الزخم الكافي لتمكينها من العبور الى بر الأمان وبناء العراق الآمن والمزدهر بسيادته وشخصيته المستقلة.
التعليقات (0)