لماذا يتخاصم البشر بسبب الأختلاف فى الدين أو فى العقيدة ؟ وهل الإختلاف يكون سبباً ودافعاً منطقياً يجعلنى مستعداً لخوض حرباً حقيقية سواء ميدانية أو معنوية ضد هذا الآخر ؟ إن الذين تركوا لنا تعاليم دينية ممن وصفوا أنفسهم ووصفهم التاريخ بأنهم رسل وأنبياء فى النهاية هو مجرد بشر مثلنا ، لم يروا الله لكنهم كما سرد لنا التاريخ وهم أنفسهم أنهم سمعوا صوتاً أو رأوا رؤية وغيرها من الطرق والأساليب التى كان لها التأثير الفاعل فى هؤلاء الرسل أو الأنبياء لأن يذهبوا للمناداة برسالتهم أو برسالة من أرسلهم ودعوة الناس إلى التوبة عن خطاياهم والرجوع إلى طريق الإله الصالح والعمل حسب وصاياه لنشر الخير والسلام والمحبة والعدل .
لقد جعل البشر من الأديان وسيلة للتحكم فى مصائر غيرهم ، وبدلاً من أن يكون الدين دافع أخلاقى يهذب سلوكيات البشر أصبح أداة للقهر والأستعباد والأستعمار وتكوين خلافات وأمبراطوريات وسفك الدماء والحقد والكراهية ضد الآخر ، إن الكون الفسيح والذى لا نعلم منه سوى القليل ومازال العلماء حتى اليوم يكتشفون مجرات تبعد عنا ملايين السنين الضوئية والكثير من أسرار حياتنا مازال العلم يقف عاجزاً أمامها، هل يمكننا أن نتخيل خالق هذا الكون بهذه السذاجة حتى يخلق بشراً ليتقاتلوا ويحقدوا على بعضهم البعض بسببه شخصياً أى بسبب المجادلات الفارغة فى الأعتقاد بهذا الأله أو الكفر به ؟ أى إله خالق يمكن أن يفتخر بهؤلاء البشر الذين يسفكون الدماء البشرية بأسمه ويترك باقى مخلوقاته التى لا نعلم عنها شيئاً ؟ هل أصابنا العمى حتى نتخيل إله بهذه الصورة من الضألة ونقص الذكاء ، إله ملائكى وشيطانى فى نفس الوقت ؟
الفكر الراكد الذى يعيش على طفيليات الماضى الفاسدة صنع من الناس مجرد عبيد يفكرون فى العبودية سواء لله أو للسلطان وأنتهى الامر ، وبهذا لم يتحرر أحد من القيود التى يفرضها على نفسه بالوراثة ، وأصيب الغالبية باللامبالاة مما أفقدهم التمتع بالحرية التى فى متناول عقولهم لكنهم لا يتفاعلون معها بل لا يرونها وكأنها غائبة عن الأنظار ، وذلك لأنهم يحلمون بحرية لا علاقة لها بالواقع مما جعلهم فاقدون للوعى بالحاضر الذى تزداد فيه المعرفة الحاضرة عن معرفة الماضى الزائفة ، ودرجة الوعى تحدد مقدار أستفادتنا منه فى سبيل تغيير واقعنا ومشاكلنا وفى سبيل فهم أعمق ودراسة أوضح لقضايانا التى تشغل أذهاننا ومن هنا فإن يقظتنا الحقيقية تعتمد على مقدار شعورنا الواعى بالحرية وأستخدامنا لحرية الأختيار وفقاً لدرجة معارفنا .
المشكلة الرئيسية التى يواجهها الفرد المصرى هى فى تلك الحرية التى هبطت عليه فجأة ولم يكن متوقعاً أو مستعداً لها معرفياً وسلوكياً ودينياً حيث أنه تربى على الطاعة العمياء للحكام ، مما أدى إلى حالة هيجان وإنفلات وركود معرفى يقابله إنفتاح مصطنع من السلطة السياسية تجاه المعارف الدينية وهو ما يفسر لنا توقف الإبداع المعرفى وأنتشار نوعاً من اللامبالاة فى المجتمع وتراجع الإنتماء والهوية والإنشغال بالغيبيات ، وهى أشياء عمل النظام على إحداثها فى المجتمع لخدمة أغراضه ، لذلك أصبحت السطحية والنفاق هى لغة الكثيرين عندما يتحدثون عن الوطنية والتآخى والتسامح وفى داخلهم يبطنون كراهية وحقد وخصام ، فكيف إذن يتمتعون بحريتهم ؟
الإرادة السلبية التى نراها سائدة فى المجتمع المصرى تراوغ وتزيف الواقع وتخادع النفوس هى للأسف إرادة سياسية للنظام وأفراده ، تلك الإرادة التى تستعير رموزها السلبية من تراث الغربة الذى عاشته الإنسانية المصرية منذ أن تعرضت للغزو والأحتلال والاستعمار وتسلط عليها حكام غرباء صنعوا إرادتهم وسياساتهم الغريبة عن فكر المواطن المصرى حتى وصلنا حتى عصرنا الحاضر وبدلاً من أن نبدأ فى مواكبة ركب الحضارة ، مازلنا ننظر إلى الوراء ونتمسك ونستعير بالتراث الذى أصابنا بالتخلف ونفتخر كل الأفتخار بذلك الماضى المجهول وحكاياه الشعبية ، فى الوقت الذى نفشل فى عصرنا الحاضر على إزالة السلبيات التى تفشت فى مجتمعاتنا لأن أصحاب السلطة والقرار يعتبرونها إيجابيات ولا عيب فيها !
إن الوعى الصحيح بقدراتنا وطاقاتنا وهويتنا الحقيقية والإيمان بإنسانيتنا الطبيعية هو الدواء الوحيد لعلاج القصور الذى أصاب إنسانيتنا وجلسنا ننتظر أن " أفتح يا سمسم أفتح يا مبارك أفتح يا جمال أفتح يا بوش " !
2005 / 5 / 24
التعليقات (0)