مما لا شك فيه أن حالة الإهتياج السياسي التي أصابت العالم العربي خلال الفترة الماضية .. قد أطاحت ببقايا العقلانية التي كانت متواجدة لدى البعض ممن يؤمنون بالفكر الثورى كعقيدة سياسية ناجزة و مخلصة ( إذا سلمنا جدلاً أن لدى هؤلاء عقول من الأساس ) .. الأمر الذى جعلهم الأن في حالة عداء شديد للمجتمعات التي سعوا لنجدتها من الطواغيت كما يزعمون .. وشخصياً لا أندهش من مثل هذا التغير في أحاسيس هؤلاء تجاه بنوا جلدتهم .. فالفكر الثورى ( إذا جاز لنا إعتباره فكراً من الأصل ) هو دوماً منهاجاً مزاجياً متقلباً .. لا يسعي للكمال بقدر سعيه للإمتلاك و فرض السيطرة علي مريديه و تابعيه .. و في خلال سعيه هذا يستأنس بكل وسيلة للوصول لغايته المنشودة بغض النظر عن كم الضحايا و الخسائر التي يتكبدها المجتمع .. و بغض النظر عن كون وسائله تتناسب شكلاً و موضوعا مع البنيان المجتمعي و الثقافي لهذا المجتمع .. و بغض النظر عن جدوى الغاية التي يسعي إليها .. و لذلك تجدهم دوماً متربصين بكل رأى أو نصيحة تعكر الحالة المزاجية لفكرهم المذموم .. و لا يتورعون عن تكفير مجتمعاتهم و إتهامها بالجهل إذا ظهر منها شبهة إمتعاض أو نفور من إحدى وسائلهم الفاسدة .. بل لا يتورعون عن إذكاء نيران التشيع و الطائفية ليضمنوا إستمرار الحالة المزاجية المتوجسة لمجتمعاتهم فهي البيئة الوحيدة الصالحة لرواج بضاعتهم الثورية الراكدة .. فتجدهم في مصر و تونس ( يمين و يسار ) يرفضون كل مقدس و مهاب فالعدالة الثورية هي الخلاص و النجاة .. يرفضون التواصل و التوافق حتي بين بعضهم البعض فلكل رأيه السديد و منطقه الذى لا ينطق عن الهوى ( و العياذ بالله ) .. الكل يرفض ديكتاتورية منافسيه و يغلف ديكتاتوريته بغلاف شفاف من سلاطة اللسان و فساد البيان .. إتفقوا جميعاً علي إكتشاف غنيمة السلطة و السلطان و أختلفوا علي القسمة و النصيب .. في حين تجدهم في البحرين العزيزة يسعون من خلال ما يسمي بجمعية الوفاق الوطني ( و إن كنت أراهم أقرب للنفاق منهم للوفاق ) تجدهم يسعون بكل قوة لتفتيت وحدة هذا البلد الطموح قرباناً لإسيادهم من شيعة إيران .. لا يرتضون بأى حال عن إرهاب الشارع البحريني بكل شكل و بأى و سيلة .. رافضين أى محاولات للتواصل أو التوافق .. و لولا عناية الله ثم وجود نظام متعقل في هذا البلد لكنا الأن ننعي البحرين و إستقرارها .. أما في سوريا فقد إتفقوا جميعاً حكام و محكومين علي إغتصاب عروس الشام في خدرها .. غير مبالين بالعار و الهتيكة .. و يا له من عار .. نسعي للتهدئة مع بني صهيون .. بينما نسلح الشعب السورى ليقتل بعضه ( و لأول مرة في حياتي أرى شامياً يستجدى الناس قوت يومه و ما خفي يعف اللسان عن ذكره ).. أما في ليبيا الحبيبة القريبة فحدث و لا حرج .. فالفاسق لا غيبة له ..فقد إستحل إبناؤها دماء و أعراض بعضهم البعض برعاية عربية و دولية .. و ها نحن ننتظر إفتتاح أكبر ماخور في المنطقة ستنطلق منه أبشع الموبقات لتنال منا جميعاً .. فالمخطط الصهيو أمريكي يسعي لجعل ليبيا ماخوراً للفجور و تجارة الرقيق و المخدرات للسيطرة علي الشمال الإفريقي .. و إلحاق الخزى و العار بنا جميعاً .. و يا له من عار .. نتعاون علي إحتلال ليبيا و تقسيمها و لا يجرؤ أياً من زعماؤنا الأشاوس علي الدعوة علناً لتسليح شعب فلسطين ضد الصهاينة المحتلين .. و غير ذلك الكثير من المخازى في كل مكان من المحيط الي الخليج نتاجاً لفكر مزاجي مريض .. فمتي نفيق ؟
التعليقات (0)