الإنقاذ والخطاب الإعلامي المُضلل ؛ هل سيظل العرضُ مستمراً !.
بقلم / الزبير محمد علي
صحيفة صوت الأمة 18 / 2 / 2010 م
الخطاب هو وسيلة من وسائل الإتصال مع الجمهور ؛ وهو بلا شك من أفضل وأنجح الوسائل في الـتأثير علي الرأي العام دون غيره من الوسائل الإعلامية الأُخري.
لهذا السبب أصبح من الأهمية بمكان ضبط الخطاب الإعلامي بالأخلاق ؛ حتي لا نُمَلك الرأي العام معلوماتٍ كاذبة ومضللة.
لقد بلغت البحوث والدراسات في شأن الإعلام شأواً بعيداً ، ولكن مايزال دور الأخلاق في حماية الإعلام من التمويه والتضليل متواضعاً.
وحسناً فعلت بعض كليات الإعلام في الوطن العربي ؛ حيث أضحت تُركز بصورة أساسية علي تدريس ثقافة ( أخلاقيات العمل الإعلامي ) ضمن الكورسات الرئيسية ، وحسناً فعل بعض الباحثون أمثال د/ حسن مكاوي وآخرون في الإسهام بالكتابة بشكل تفصيلي عن أهمية الأخلاق في ضبط العمل الإعلامي.
لقد إخترت هذه المقدمة الأكاديمية الجافة كمدخل للحديث عن الخطاب الإعلامي المُضلل الذي درجت علي إستخدامه الإنقاذ منذ فجر الثلاثين من يونيو وحتي الآن.
إن الإنقاذ خلال سنوات إستيلائها علي الحكم إستطاعت بجدارة لا تُحسد عليها أن تبث كافة أشكال الإغتيال المعنوي للخصوم ، وأن تُمرر خطاباً إعلامياً كاذباً في وسائل الإعلام المختلفة.
ولكن من الواضح جداً أن أهل الإنقاذ غابت عنهم الرؤية التجديدية لتلك الأكاذيب ، لذلك لم يجدوا حرجاً في إعادة إنتاج الخطاب الذي إبتدعوه في تسعينيات القرن الماضي .
وهذا السلوك غير الأخلاقي ليس غريباً علي الإنقاذ ، إذا كان الإسلاميون تاريخياً هم من بايع النظام المايوي علي إقامة شرع الله ! ، وهم من وصل بهم السلوك الميكافيلي إلي إعتبار رأس النظام المايوي مجدداً للإسلام في القرن العشرين ! أسوةً بتجديد الإمام المهدي في القرن التاسع عشر ! علي حد تعبير ياسين عمر الإمام.
إلي وقتٍ قريب كنت أظن أن الإنقاذ في المرحلة المقبلة ستبتدع خطاباً إعلامياً جديداً ، خطابٌ تُشكله ضرورات المرحلة ، وتفرضه إملاءات الواقع المازوم في السودان ، وتحكمه الظروف السيئة التي يمر بها الإنسان السوداني.
ولكن للأسف الشديد خاب فألنا عندما طالعنا الجنرال المطلوب لدي العدالة الدولية ! في تدشين حملته الإنتخابية بخطابٍ غريب ؛ ذلك أن الخطاب في جوهره ركز علي التضليل المتعمد للحقائق التاريخية فيما يتعلق بحالة السودان قبل مجئ الإنقاذ ، أكثر من تركيزه علي وضع كبسولات علاجية ناجعة لأزمات البلاد الراهنة .
إن خطاب الجنرال البشير في تدشين حملته الإنتخابية لم يكن موفقاً بكل المقاييس لثلاثة أسباب :
السبب الأول : أنه لم يعترف بوجود مشاكل حقيقية في السودان ، ولم ترد في فقرات خطابه المرتجل أي إشارة تدل علي هذا المعني ، بل واصل كعادته في الحديث عن الرفاهية الوهمية التي يعيشها المواطن السوداني بسبب بركات الإنقاذ !.
الثاني : أنه تعمَد إعادة إنتاج الخطاب الذي ألقاه عند قراءة البيان الأول للإنقلاب ، في حين أن المنطق يقول أن الظروف الحالية التي يمر بها السودان مختلفة جوهرياً عن مناخ التسعينيات .
الثالث : أنه ركز كعادة أهل الإنقاذ علي تضخيم أخطاء التجربة الديمقراطية السابقة ، ظناً منه بأن الشعب السوداني قصير الذاكرة ، وأنه سوف ينسي الأخطاء القاتلة التي أقحمنا فيها نظام الإنقاذ عبر إتباع سياسات العناد ، والفساد ، والإستبداد .
ولم يكتف الجنرال البشير بذلك ، بل حاول بلا أدني خجل أن يُوهم الشعب السوداني بشعارات الجبهة الإسلامية ذات الصبغة الدينية ، والتي أثبتت الأيام كذب حاملها ، وسوء نية قائلها .
إننا نتسأل مع القارئ ؛ هل تعتقد الإنقاذ أنها بهذه الشعارات الكاذبة وبهذا الخطاب المُضلل سوف تقنع الناخب السوداني بالتصويت لها ؟
وهل سيصوت الناخب السوداني للإنقاذ بعد أن رأي بأم عينيه تهاوي المشروع الحضاري الإسلامي الذي إدعته الإنقاذ ؟
لا أعتقد أن الشعب السوداني بالغباء الذي يجعله يُصَدق شعارات الإنقاذ التي رددها الجنرال من شاكلة ( هي لله هي لله / محاربة الفساد / رفع لواء الإسلام في الأرض / تولية المصلحين / وأخيراً قالوا : إذا لم يفز البشير في الإنتخابات القادمة فإن الإسلام سينتهي في السودان ! ) .
لقد أثبتت تجربة الإنقاذ العشرينية في الحكم بما لا يدع مجالاً للريب أن الحديث عن الشعارات المذكورة آنفاً ؛ هو حديث من باب الأستهلاك السياسي ، وهو باب أشبه برفع المصاحف علي أسنة الرماح ! ، ولهذا فإن الإنقاذ إذا أرادت أن تُبيَض وجهها مع الشعب السوداني عليها أن تعتذر إعلامياً عن كل الجرائم التي إرتكبتها في حق إنسان السودان ؛ وان تُخاطب الجمهور بلغةٍ جديدة ، لغة تقر بفداحة الأخطاء السابقة وتدعو للعمل علي إزالتها قبل فوات الآوان .
إن حدث هذا ؛ فإن الإنقاذ قد تكسب ود القوي الواعية في السودان ، وإن لم يحدث فإن الإنقاذ سوف تُدفن بإذن الله في المقابر التي حفرها المستشار لدفن الأحزاب المعارضة !.
التعليقات (0)