الإنسان وعلم الخوارق
PARANORMALOGY
شريف هزاع شريف
باحث في الدراسات العرفانية
الظواهر الخارقة هي ظواهر استثنائية تختلف عن الظواهر الطبيعية المألوفة وهي ظواهر نادرة الحدوث واحيانا قد تظهر في حياتنا كومضة خاطفة وتختفي واحيانا نكون ممن يطلق عليهم بـ
( اصحاب القدرات الفائقة) وهذا المظهر بالذات هو الذي يجعل منها ظواهر ذات قيمة استثنائية تهتم بها الدول المتقدمة بالدراسة والتمحيص للوصول الى معادلاتها التكوينية واسبابها !!.
لقد اهتم الانسان بالظواهر الطبيعية الفيزيقيا اهتماما كبيرا وافرد للظواهر غير الطبيعية قسما في منظومته الفلسفية اطلق عليه ( الميتافيزيقيا) وهو قسم يهتم بمباحث الوجود والعالم والزمان واللانهاية والغيبيات ... الخ وكانت الظواهر غير الطبيعية التي تظهر في الافراد تدرس من باب السحر والسيمياء والخوارق دون تعليل علمي موثوق تعزى لقوى العالم السماوية او الكوكبية او الوثنية ولم تسلم الظواهر الطبيعية من تعليلات ملائمة لروح العصر الذي كان يسعى للتخلص من طوق الخرافة والاساطير و بمجيء عصر النهضة العلمية في أوروبا بدأ الانسان بدراسة ما يرى من ظواهر الطبيعة بشكل منهجي قوامه البحث المنطقي والعقلاني والحسي ، وبدأ بالتخلص من بعض المفاهيم الخاطئة ليستبدلها بمفاهيم مبنية على دراسة منهجية جديدة ، وبهذا نجح في تطوير علوم عديدة مثل الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها ، ثم وصلت الحضارة العلمية الى ما وصلت أليه اليوم من تقدم مذهل حقا . ألا أن هذا الاهتمام الجدي الذي جعل الانسان يفهم الظواهر الطبيعية لم يرافقه ، للأسف ، اهتمام مماثل بدراسة الظواهر فوق الطبيعية والقدرات الخارقة بشكل علمي يجعلها تلقي بأنوارها على زوايا المعرفة التي لا تستطيع الظواهر الطبيعية إلقاء الضوء عليها ولم يبدأ مشروعه النهضوي للتخلص من بقايا الاعتقادات الخرافية في تعليل الظواهر تلك ، وربما أساء فهمها حين اراد كشف حقيقتها بالمختبرات والمعادلات الكيمائية والاختبارات المتعددة على اناس يملكون مثل تلك القدرات كما حصل لميخايئلوفا التي كانت ضحية المختبرات الروسية في عصر ستالين ، وربما في بيئتنا العربية لازال الكثير يحمل في جعبته قدرات فائقة يخاف من ان تعرف عنه كي لا يكون ضحية مماثلة والأدهى والأمر ان أناس لا يملكون ضميرا حيا يعملون باسم الظواهر الخارقة في شفاء الناس ومداواة آلامهم ومغلفين قدراتهم باسم الدين فأصبحوا (بركة ودراويش)
ان الظواهر تلك تستدعي منا الوقوف امامها طويلا متفكرين في اسبابها ونتائجها الحياتية من جانب ، وان لا ندعها تستحوذ على منهاجنا الحياتي والمنطقي من جانب اخر ،لان لكل عالم حدود وقيم في العمل والتأثير ، يقول ديمتري أفييرينوس في بحثه العلم والروحانيات إن السبب الأوحد الذي يضطرنا إلى الحديث عما يدعى "خوارق"، تندرج اليوم فيما بات يسمى بـ"البارابسيكولوجيا" Parapsychology، هو التذكير بوجود قوى في الطبيعة، لا تطالها أجهزة العلم وأدواته، قد تظهر في المختبرات لدى بعض الناس ممَّن تقترب قدراتهم النفسية psychic powers الكامنة من "السطح" أكثر من غيرهم. فالإقرار بوجود مثل هذه القدرات يزعزع قليلاً الموقف المادي المتصلب الساذج القائل بأن الدماغ يفرز الفكر كما تفرز الكبد الصفراء! .
اذا اردنا ان نتلمس اول سلم المعرفة في معرفة تلك الظواهر فيمكننا تعليل ذلك ، بان هناك قوى مؤثرة خارج الحدود السببية سميت بـ ( الخوارق ) واذا رجعنا إلى البيئة الإسلامية نجد ان الظواهر الروحية والخوارقية والباراسايكولوجيا تنبع من الإيمان والاعتقاد السليم في الخالق المؤثر ( الله ) وان معايير الخير والشر تكون ملازمة في استخدام الملكات تلك ، وللإسلام معايير دقيقة جدا في تميز ما هو ايماني مما هو غير إيماني ، الا ان الظواهر الباراسايكولوجيا لا تتمعير ضمن هذا الباب فقط فكثير من الغربيين يملكون قدرات لا علاقة للإيمان بها ومنهم من يملك قدرات استخدمت في الشر ومن المعلوم ان الخير والشر لا يتفقان في العمل والمبدأ وهو امر درس بشكل علمي بعيدة عن التأويلات الغيبية والخرافية فيما يتعلق بالمس او الجن او القوى الشريرة ... الخ.
يصنف العلماء الظواهر الخارقة الى صنفين رئيسيين هما: التحريك الخارق او السايكوكينيزيا والإدراك الحسي الفائق Psycho kinesis .
الإدراك الحسي الفائق : Extrasensory Perception بالرغم من أن هذا المصطلح كان قد استخدم لأول مرة في منتصف العشرينات فان استخدامه بشكل واسع لم يبدأ ألا بعد أن نشر جوزيف راين في عام 1934 م كتابه المشهور الذي أسماه باسم هذه الظواهر "أي الإدراك الحسي الفائق" الذي تضمن حصيلة سنين من تجاربه العلمية على هذه الظواهر في جامعة ديوك . لقد كان لهذا الكتاب تأثير كبير على الوسط العلمي حيث ساعد في التعريف بهذه الظواهر وبين كيفية إخضاعها للبحث العلمي باستخدام أساليب ومناهج البحث العلمية التقليدية .
تقسم ظواهر الإدراك الحسي الفائق الى ثلاثة أنواع :
أولا: توارد الأفكار Telepathy وهي ظاهرة انتقال الأفكار والصور العقلية بين شخصين من دون الاستعانة بأية حاسة من الحواس الخمس . لقد اهتم الباحثون بهذه الظاهرة بشكل استثنائي فاستحوذت على أكبر نسبة من البحث التجريبي الذي قام به العلماء على الظواهر الباراسيكولوجية . ويعتقد غالبية العلماء أن توارد الأفكار هي ظاهرة شائعة بين عدد كبير نسبيا من الناس العاديين الذي ليست لهم قدرات خارقة معينة . وفعلا نجد أن معظم الناس يعتقدون أن حوادث قد مرت بهم تضمنت نوعا من توارد الأفكار بينهم وبين أفراد آخرين . والملاحظة المهمة التي لاحظها العلماء في تجاربهم ، هو أن تلك الظاهرة تحدث بشكل أكبر بين الأفراد الذين تربط بينهم علاقات عاطفية قوية ، كالأم وطفلها والزوج وزوجته .
ثانيا: الإدراك المسبق :هو القدرة على توقع أحداث مستقبلية قبل وقوعها. هنالك قدرة شبيهة بالإدراك المسبق تعرف بالإدراك باسترجاعي Retrognition يقصد به القدرة على معرفة أحداث الماضي من دون الاستعانة بأي من الحواس أو وسائل اكتساب المعلومات التقليدية . ولما كانت الفيزياء الحديثة تعد "الزمن" بعدا رابعا الى الأبعاد الثلاثة التي تتحرك فيها الأجسام وتتشكل منها فان العديد من علماء الباراسايكولوجيا يعتقدون أن هاتين الظاهرتين تمثلان " تجاوزا أو تغلبا " على حاجز الزمن فالإدراك المسبق هو تجاوز الحاضر نحو المستقبل ، بينما الإدراك الاسترجاعي هو حركة عكسية في بعد الزمن نحو الماضي .
ثالثا : الاستشعار Chairsentience : هو القدرة على اكتساب معلومات عن حادثة بعيدة أو جسم بعيد من غير تدخل أية حاسة من الحواس. و يعد الباحثون ظواهر الإدراك المسبق تجاوزا لحاجز الزمن ، ويرون في الاستشعار تجاوزا لحاجز المكان .
واخضعت تلك التصانيف لدراسة وبحوث علمية مكثفة ، أشهرها التي قلم بها عالمي الفيزياء هارولد بتهوف ورسل تارغ في مختبرات معهد بحث ستانفورد، حيث تم اختبار قابليات أحد الأشخاص الموهوبين حيث كان يطلب منه وصف تفاصيل مكان ما ، بعد أن يعطي موقع المكان بدلاله خطي الطول والعرض. كان هذان الباحثان يختاران أماكن تحتوي على معالم لا توضع عادة على الخرائط لضمان أن لا يكون الشخص الذي تحت الاختبار قد شاهدها الشخص قادرا على وصف الكثير من هذه الأماكن بدقة شديدة أكدت امتلاكه لقدرات فائقة .
بالرغم من أن القدرات الباراسيكولوجية تصنف الى الأنواع التي جري ذكرها، وهذا التصنيف يعتمده معظم الباحثين في هذا المجال فان تصنيف هذه القدرات هو في الحقيقة أصعب بكثير مما قد يبدو عليه للوهلة الأولى .ان صعوبة تصنيف الظواهر الباراسيكولوجية يشير الى تعقيد هذه الظواهر ومحدودية المعرفة العلمية عنها حاليا ، كما أبدى الباحثون اهتماما باستكشاف إمكان وضع مثل هذه القدرات تحت سيطرة الانسان بشكل عام ، وهو أمر يمكن أن يأتي بفوائد كبيرة ، وهذا ماجعل الظواهر الباراسيكولوجية إحدى مجالات البحوث السرية التي قامت بها الدول ( امريكا والاتحاد السوفيتي) خلال فترة الحرب الباردة ، وكانت هناك دراسات كثيرة في المعسكرين الغربي والشرقي لجدوى استخدام مثل هذه القدرات لأغراض تجسسية .
لقد افرد الدكتور جمال نصار حسين المتخصص بالدراسات الباراسيكولوجية والروحية دراسة قيمة للظواهر الباراسيكولوجية متخذا من المعيار العلمي ديدنا ومنهجا في الدراسة الا انه لم يصب حين اعتبر ان هذه الظوهار ( الباراسيكولوجية ) قرينة الاعتقاد الديني كما ذكر في الفقرة (1) في بحث الذي نشره على الويب ، بالرغم اننا نتفق معه بما جاء بالفقرات الاخرى في بحثه حيث قال :-
أن هذه الظواهر الخارقة، التي انكب البحث الباراسايكولوجي في الغرب على دراستها بصورة شبه أكاديمية منذ القرن الماضي، لا تمثّل كل ما هنالك من خوارق يمكن ملاحظتها. وهذا أمر أثبتته الظواهر الخارقة التي تتميّز بها بيئتنا العربية المؤمنة. إن هذه الظواهر التي فات على الباراسايكولوجيا الغربية الإلتفات إليها، لفرط تشاغلها بما شبّت عليه من ظواهر، تتميّز بأنها:
1- ليست حكراً على أحد بمواصفات معيّنة حيث يستطيع كل أفراد النوع الإنساني القيام بها باستيفائهم لشروط ظهورها المرتبط حتماً بالسير على الطريق إلى الله.
2- لا تخضع لشرط اللاتكرارية المميّز للظواهر الخارقة النمطية حيث تحدث هذه الظواهر وقتما يشاء الباحث الذي يروم دراستها داخل المختبر وهي لذلك تمتاز بانضباطها التام بشروط المذهب التجريبي - الإختباري Emperical Experimentism.
3- لا تقتصر على تلك الظواهر الخارقة التي تم تثبيتها من قِبل دارسي الخوارق في الغرب على انها تمثّل معظم، إن لم يكن كل، ما هنالك من ظواهر خارقة. فهي تمتاز بتنوّع مذهل يصل حد الإعجاز في التعدّد.
4- تتفوّق على مثيلاتها من الظواهر الخارقة التي درستها الباراسايكولوجيا المعاصرة بكونها الأعلى طاقة والأكثر خارقية حيث تتميّز هذه الظواهر بتشعُّب طاقي فريد وتنوّع مذهل يطالان كل مجالات تجلّيها وظهورها.
5- تحتوي كل الظواهر الخارقة التي نشأت في ظلّها الباراسايكولوجيا المعاصرة التي تعجز بدورها عن أن تحتويها كلّها جميعاً. فظواهر الباراسايكولوجيا الغربية يمكن ملاحظتها كلّها في البيئة العربية المؤمنة بينما لا نلاحظ في الغرب إلا نزراً يسيراً من الظواهر الخارقة لا يُقارن، كمّاً ونوعاً، مع الخوارق العربية المؤمنة.
صحيح ان علينا التميز بين الظواهر الشرقية منها عن الغربية لكن هل ننسى تجربة الشرق الاسيوي والتبتي والهندي والصيني كما نميزها عن العربي الاسلامي لكن الظاهرة من حيث هي معطى حياتي لا يمكن ان تدفعنا لاستخدام معيار واحد لفهمها بل علينا جمع المعايير التي زخرت بها الحضارات الانسانية والاديان والاعراف والاعتقادات للخروج بنتيجة واحدة تملك قدرة تأويلية عالية المستوى ويكمل الدكتور قوله :-
إن الظواهر الخارقة التي تدرسها الباراسايكولوجيا العربية المؤمنة هي ظواهر إلهية Theistic Phenomena طالما كانت هذه الظواهر لا تحدث إلا بالتعرُّض للطاقة الإلهية من بعد الشروع بالسير بإخلاصٍ وتفانٍ على الطريق إلى الله؛ حيث يتعرَّض السائر على هذا الطريق لفيضٍ من الإكرام الخاص يفضُل التكريم العام الذي تفضّل به الله على بني آدم كلّهم مما يجعل من هذه الظواهر الملاحِقة له بمقدورها أن تُرغم العقل السليم على تدبّرها والتأمّل فيها ليصل من ثم، مُرغماً، إلى نتيجة واحدة مفادها أن وراء هذه الظواهر إلهاً هو بحق مَن عرّف له عن نفسه من قبلُ فقال على لسان رسوله الكريم صلّى الله تعالى عليه وسلّم: {إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبُدني وأقِم الصلاةَ لِذِكري إنَّ الساعةَ آتية أكادُ اُخفيها لتُجزى كلُّ نفسٍ بما تسعى}. والظواهر الخارقة التي تدرسها الباراسيكولوجيا الغرب هي ظواهر غيبية Occult Phenomena لامحالة طالما كانت الطاقة المسؤولة عن ظهورها هي طاقة لا تنتمي، وفق تصنيف فيزياء الغرب المعاصرة، لهذا العالم الفيزيائي المحكوم بقوانين القوى الفيزيائية الأربع.
هناك أحلام كثيرة تعتبر الباراسيكولوجيا العلم الواعد الذي ستقوم على أسسه الحضارة الإنسانية الجديدة ، وربما هو اليوم حلم بعيد المنال لكن من منا يملك قدرات خارقة يستشرف ما سيؤول عليه حالنا في المستقبل .
التعليقات (0)