مواضيع اليوم

الإنسان مخير فيما يعلم .. و مسير فيما لا يعلم

مراد اللحياني

2011-07-05 17:40:20

0

 سؤال محير .

هل أنا مخير أم مسير ؟

شعوري يقول في كل لحظة أني حر .

وواقعي يكشف لي في كل لحظة ألف لون و لون من ألوان الجبر و القهر .

أين أنا في هذه المشكلة .

هل أنا الذي أختار حياتي .

أم أن حياتي هي التي تختار لي .

تعودت دائماً كلما تناولت هذه المشكلة في مقال أن أختار جانب الحرية .. و كانت خطابات القراء

تنهال علي في كل مرة سيل من الاحتجاجات .

و لهذا فكرت أن أدخل إلى الموضوع هذه المرة بطريقة جدلية .. و أن أجعله في صورة حوار سقراطي

فأبدأ بالإشكال كما يتصوره القراء في خطابام و تساؤلام ثم أتخذ من تساؤلام مدخلاً إلى الموضوع

لأكون أقرب ما يمكن إلى عقل القارئ العام و تصوراته .

 

يقول القارئ أحمد ناجي شرف الدين تعليقاً على كقالي في خطاب طويل :

.. ستة آلاف يوماً عشتها و لا أدري لم أعيش .. و إلى أين أسير .

ثلاثة و عشرون عاماً عشتها و لا أدري و أنا أمثل رواية الأبدي .. صحو .. منام .. شرب .. طعام ..

صمت .. كلام .. وداد و خصام و الأيام تكر .. و السنون تمر .. و العمر يمضي دون أن أعرف من أنا

.. و لماذا أتيت .. و إلى أين أسير ..

إني أجري وراء المستقبل .. و أمني النفس بالآمال .. ففي المستقبل أبلغ آمالي .. و فيه أصلح نفسي .. و

فيه أنيب إلى ربي .. و فيه أكتب تلك المعاني التي طالما جاشت ا نفسي .. و لكن المستقبل لا يأتي أبداً

.. و حينما يأتي يصير حاضراً و أبدأ في التفتيش عن مستقبل آخر .

حينما كنت في الابتدائية كنت أتمنى أن أصبح تلميذاً في الثانوية أرتدي البنطلون الطويل و أصفف شعري

و أحتفظ بقطع الطباشير الميري لألقيها على أطفال مدرسة الروضة التي تجاور مدرستنا كما كان يفعل

معي طلبة المدرسة الثانوية ااورة .. و يوم وصلت إلى هذا الأمل هان علي و ذهب اؤه و انطفأت

روعته و بدأت أنظر إلى مستقبل آخر و أصبحت أتمنى أن أكون موظفاً في الحكومة مثل سيد أفندي

الذي يسكن عند خالي و أتأبط الجريدة اليومية و أناقش في السياسة الدولية و أجلس واضعاً رجلاً على

رجل و ألعب الطاولة .. و قد كان .. إذ ما كادت سنوات أربع تمر حتى كنت موظفاً بالحكومة .. و

ذقت تلك المرارة التي يشعر ا الموظف و التي كان يخفيها سيد أفندي تحت جاكتته و ابتسامته المفتعلة ..

و هان علي الأمر مرة أخرى و ذهب اؤه و تغير حالي بانتقالي من عالمي الساذج إلى دنيا الوظيفة بما

فيها من تملق و نفاق و كذب .

و جاء أول شهر لأقبض أول مرتب .. سبعة جنيهات .. و كنت حينذاك في أسيوط على بعد الأميال

من بلدي .. و بدأت أشعر بضيق الحياة .. و تبددت آمالي ..

لم أتمكن من الجلوس على مقهى .. و لم أتمكن من يئة وقت للمذاكرة . و أصبح التحاقي بالجامعة

استحالة .

و ضاقت حرياتي حتى كادت تنعدم و لم يبق منها إلا حرية الحصول على خبز اليوم أتبلغ به لأعيش يوماً

آخر .

أين الحرية التي تتشدق ا و تملأ ا مقالاتك .

هل أنا حر .. و كيف .. و أنا لا أكاد أملك إلا الكفاف و لا أصلح إلا لمشوار من الديوان إلى البيت و

من البيت إلى الديوان .

كيف أتزوج و كيف أعيش و كيف أستمر في تعليمي و كيف أحفظ صحتي .. و كيف أوفر كل هذه

الحريات و ليس لدي إمكانيات .

إني لا أملك إلا حرية واحدة هي قتل نفسي إذا كنت تظن أن هذه حرية .

ويكتب سمير زكي سوريال بحقوق القاهرة قائلاً :

إذا كنا أحراراً فما معنى القانون و الأخلاق و الأديان و المدنية .

إن كل هذه الأشياء قيود على حريتنا .

إن القانون يمنعني من أشياء .

و الأخلاق تحرم علي أشياء .

و الأديان تخيفني من أشياء ثالثة و تقيدني بضوابط و أوامر و مناهي .

و المدنية تربطني بعجلة الأسرة و البيت و المصنع و الآلة .. و تضبطني كالساعة على مواعيد أنام فيها و

أصحو .

إن الحياة حولنا قيود في قيود .

أين الحرية التي تتكلم عنها .

 

و يتحداني محمد قائلاً :

أين هي حريتك .

هل اخترت مولدك .

هل اخترت أباك و أمك و دينك و وطنك .

هل اخترت شكلك و طولك و عرضك .

هل اخترت النظام الاقتصادي الذي تعيش فيه .

 

ويكتب عبد الرؤوف .. ليسانس فلسفة بحثاً يقول فيه :

إني أكون حراً عندما أكون أنا الله .. أو حينما أكون أنا العالم . حيث لا شيء سواي أخضع له و أتقيد

به .

إن الحرية الكاملة تستلزم عدم وجود شيء غيري لأن أي شيء يحدني .. الناس .. و الطبيعة و الظروف

.. كلها حدود .. و مثل هذه الحرية مستحيلة

و ذه الخطابات و التساؤلات يحيط القراء بكل جوانب المشكلة الأزلية.. مشكلة المخير و المسير.

و هم يحشدون أسلحتهم ضدي و يشحذون أدمغتهم.. و يصرخون في وجهي في صوت واحد .

و هذا وحده أول دليل على حريتهم فقد صنع كل واحد منهم رأياً مستقلاً و لم يتقيد بكتبي و لا

مقالاتي و لم يخضع لوجهة نظري.

و أنتقل إلى اعتراضام فأقول إن أغلبها يدور حول نقطة واحدة.. هي القيود المضروبة حولنا.

و بعض هذه القيود تصل إلينا بالوراثة مثل الاسم و الجنس و الدين و الوطن فنولد ا كما نولد بجسمنا

.

وبعضها يصل إلينا من بيئتنا .. مثل الطبيعة التي نعيش فيها حرها و بردها و رعدها و ميكروباا و

أمراضها و ناسها .

و بعضها من صنعنا و ابتكارنا مثل القوانين و الأخلاق و النظم السياسية.

وجميعها في النهاية تقيدنا فلا يبقى لنا إلا القليل أو ما دون القليل.

و هذا ما يجعل القارئ عبد الرؤوف يقول

أن الحرية مستحيلة.. وإا إذا كانت ممكنة فليس لها إلا طريق واحد.. أن يفنى كل شيء حولنا ينعدم ..
أن أصبح وحيداً منفرداً مثل الله بلا شريك وبلا آخرين معي وبلا أشياء..ذات حرة مجردة بدون
مقاومات من أي نوع .
و القارئ ينسى أن الحرية تفقد معناها بمجرد سقوط المقاومات حولها لأن انعدام المقاومات حولي
وامتلاكي لكل شيء في وقت معناه انتفاء كل نقص عندي ومعناه كمالي لأني أصبح الكل في
الكل..وبالتالي تنعدم مطالبي و رغباتي لأن المطالب والرغبات منبعها احتياجاتي .
و بانعدام الرغبة والمقاومة يسقط معنى الحرية لأا تكون استهدافاً فارغاً إلى لا شيء وتكون هي ذاا لا
شيء.
إن مشكلة الحرية ترتبط دائماً تتأجج في الصدر و مقاومة تقف في سبيلها..
وتتأكد الحرية بايار المقومة وتراجعها أمام الإرادة ..
ذه الصورة الجدلية تكشف الحرية عن مدلولها في الواقع .
أما الإنسان الأوحد المنفرد الذي تلاشت من أمامه الظروف و المقاومات و انعدم كل شيء حوله .. و
أصبح هو الكل في الكل .. و اشتمل على العالم في ذاته .. و تحول إلى إله .. ماذا يطلب هذا الكائن و
أي شيء يعترض مطلبه لتصبح حريته أو عدم حريته محل سؤال .
أين الصراع الذي تكشف الحرية مدلولها من خلاله .
إن مثل هذا الكائن لا يتحرك و لا يرغب و لا يأكل و لا يشرب و لا ينمو و لا يكبر و لا يموت و لا
يولد .
إنه يعيش في سكون و أبد و عالم بلا زمان و بلا مكان و كلمة الحرية بالنسبة له هي غير الحرية التي
نعرفها و نتكلم عنها في عاملنا ..
ماذا يطلب و هو المستغني المكتفي بذاته ..
إن الحرية التي تتداولها كلمة بشرية صرفة .. كلمة لا معنى لها إلا بوجود القيود .. بوجود المقاومات ..
بوجود الظروف التي يصرخ منها القراء و يضجون و يشتكون .
أن نطلق الحتمية المضروب حولهم هو الذي يجعل لحريتهم معنى و ليس هو الذي يهدمها كما يظنون ..
لأن الحرية تعبر عن نفسها باختراق الظروف و زحزحة المقاومات و هدم العبقات ..
الحرية عملية مرتبطة باحتكاك الإنسان ببيئته و بظروفه و يلغيها أن يصبح الإنسان إلهة ..
إن السؤال المهم هو :
هل تذوب المقاومات مع الزمن
و الجواب نعم .. تتقهقر العقبات .. و يتقدم العلم و يتحكم في الحر و البرد و الريح و الماء و يطور
القوانين و الأنظمة إلى أحسن و أحسن ..
و في هذا دليل واقعي أكيد على حرية الإنسان .

(مقتطفات من كتب الراحل د مصطفى محمود)

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !