تقبل العائلات في غزة أو ترفض الشبان المتقدمين للزواج من فتياتها بحسب انتمائهم السياسي أو حتى الفكري، فمثلا قد ترفض العائلة شابا تقدم لطلب يد ابنتها لكونه يساريا أو ليبراليا، وفي بعض الأحيان لكونه متدينا، مبررة ذلك بأن اليساري كافر ولا يصلي والمتدين متشدد ومتطرف، فيما تقيّم بعض العائلات الشاب المتقدم للزواج بحسب إنتمائه السياسي والفصيل الذي يعمل لصالحه.
كما ان الفتاة يمكن أن تواجه نفس المصاعب إذا ما تقدم إليها شابا متدينا وهي غير محجبة لأنه سيرفض شكلها وسيجبرها على ارتداء الحجاب. بين هذه التفاصيل أدرك الشبان والشابات بأن إختيار شريك الحياة يجب أن يكون بحسب التقارب الفكري والتنظيمي بينهم أولا وبين عائلاتهم ثانيا.
التنظيمات دخلت في أدق تفاصيل الحياة
ألاء التي رفضت الكشف عن اسم عائلتها تقول لـ إيلاف إن غالبية الفتيات في صراع مع عائلاتهن لتصرفها بأسلوب خاطئ تجاه الشبان المتقدمين، وتضيف: حتى لو كان الشاب ينتمي لتنظيم فذلك ليس عيبا، ولكن العيب أن يكون ذلك حجر عثرة أمام مشاريع الزواج لأن ذلك يسبب مشاكل اجتماعية.
وتبين بأن الأهالي وصلوا إلى مرحلة من اليأس نتيجة الإنقسام الذي كرس الحقد والضغينة في قلوب الناس، ودفعهم إلى إدخال موضوع التنظيمات في كل كبيرة وصغيرة. وتتابع قائلة: إذا أحبت الفتاة أي شاب فإنها لن تنظر إلى تنظيمه السياسي بل إلى أشياء أخرى، ولكن الذي جرى هو أن طبيعة الحالة السائدة فرضت علينا ذلك.
وتشير ألاء إلى العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين أي شاب وفتاة فتقول: لا بد أن تكون العلاقة قائمة على التفاهم، ويمكن أن يتفق الإثنان مهما اختلفت تواجهاتهما السياسية وهذه هي الديمقراطية حتى في العلاقات الزوجية.
وتوضح ألاء أنه في حال تقدم أحد الشبان للزواج منها فإنها لن تقيمه حسب تنظيمه وإنما حسب خلقه، وتضيف: لو كان ينتمي لفصيل محدد فسأحاول أن أقنعه بالإبتعاد عن التنظيمات وأن ينتمي فقط لفلسطين، رغم معرفتي أن هذا صعب لأن كثير من الشبان منتفعين من تنظيماتهم.
الكذب من أجل الزواج
مشيرة جمال ناشطة شبابية بغزة تقول لـ إيلاف إن الزواج على خلفية تنظيمة موجود منذ فترة ولكنها بدأت تظهر وتزداد مع الفجوة الكبيرة التي ظهرت بين الأحزاب اليمينية واليسارية والمعتدلة، وتضيف: التجربة السياسية والإنقسام السياسي ترتب عليه انقساما اجتماعيا وتراكمت وازدادت الفجوة الإجتماعية.
وترى مشيرة أن الأمور ازدادت سوءا لأن الناس أصبحوا ينظرون في تفاصيل التفاصيل فتبين: العائلات أصبحت تنظر إلى اليساري الذي يسكن في جنوب غزة غير اليساري الذي يسكن في شمالها، واليساري المتعصب مختلف عن اليساري الذي يتماشى مع التيار.
وتوضح مشيرة بأنه إذا أراد الشاب أن يتزوج فيبحث عن فتاة من وسطه، وتضيف: مثلا إذا كان الشاب تقدمي ويساري يجب أن يبحث عن الفتاة التي تتناسب مع أفكاره ومعتقداته، وإذا كان الشاب ملتزم دينيا فلا بد أن يبحث عن فتاة متدينة مثله بحسب خلفيته الدينية والسياسية التي تربى عليها اجتماعيا وشكلت شخصيته.
وتضرب مشيرة مثال لشاب تزوج فتاة بعد علاقة حب استمرت سبع سنوات ووصلت الأمور في ما بينهم إلى الطلاق، وذلك بسبب التدخلات الخارجية بمصير الزوجين فتقول: كانت عائلة الفتاة متدينة جدا، أما الشاب الذي تزوجها فقد كان ليبراليا ملحدا، وطلقها بسبب ضغوطات المجتمع وعائلتها.
وتقول مشيرة إن الشبان تغلبوا في الآونة الأخيرة على هذه المشكلة، أما العائلات فلم تتخل عنها، وتضيف: بعد هذا الإنقسام نادرا ما تجد شابا يبحث عن فتاة من وسط وبيئة غير بيئته، وأحيانا قد تكون الفتاة مختلفة عن عائلتها ولا تحمل الأفكار المتطرفة.
وتبين مشيرة أن الشباب يظطروا للتحايل على المجتمع رغم أنه لا يعطيهم المساحة الكافية لذلك ولا يحتويهم فتقول: إذا ما أراد شاب أن يتزوج فتاة فإنه أحيانا قد يلجأ إلى الكذب على أهل الفتاة، وكذلك الفتاة تكذب على أهل الشاب، وتتابع قائلة: فإذا كانت الفتاة غير محجبة تظطر أحيانا إلى الذهاب لأهل خطيبها بحجاب، وكذلك الشاب يمكن أن يذهب مع أهل الفتاة كي يصلي معهم من أجل التبرير وفعليا هو لا يصلي.
مشاكل نفسية وجسدية
ابتسام دلول أخصائية صحة نفسية مجتمعية تقول في لقاء مع إيلاف انه إذا ما تقدم شاب لفتاة يسأل الناس فورا عن التنظيم الذي ينتمي إليه الشاب وعائلته. وتظطر العائلة أن تختار زوجا لإبنتها حسب ميولها السياسي، فمثلا إذا كانت العائلة من فتح فيجب أن تختار شخصا فتحاويا وإذا كانت من حماس فيجب أن تختار شخصا حمساويا.
وتضيف: أعرف حالة فتاة كانت تنتمي لتنظيم سياسي محدد وخرجت منه، وتقول الآن إنه إذا تقدم إليها شخص من هذا التنظيم فلن تقبله لأنها شاهدت ما يحدث في البلد.
وتبين دلول أن العائلات أخذت انطباعاتها عن التنظيمات وطبقت ذلك على موضوع الزواج، فتقول: الشريعة تفيد بأنه إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه، ولكن ذلك لا يحدث في مجتمعنا، فمثلا الوزير لا يذهب إلى أي بنت من الشعب كي يخطبها لابنه، بل يذهب إلى ابن وزير آخر، وأصبح الزواج طبقي وكل ذلك بسبب التنظيمات.
وتقول دلول أن تدخل العائلة يؤثر على الشاب والفتاة ويضعف إرادتهما، وفي النهاية يسير الزوجين حسب عائلتهما، وتشير إلى الأعراض النفسية التي قد تصيب المقبلين على الزواج من الفتيات والشبان فتقول: عندما يأتي الشاب يطلب يد فتاة ويرفض أهلها فقد تتكون لدى الفتاة أعراضا نفسية، وجدسية وذلك يؤدي إلى إكتئابها وانعزالها عن المجتمع ومن ثم التفكير بالإنتحار والتخلص من الحياة لأن عائلتها لم تزوجها.
وتتابع قائلة: يمكن أن يحدث العكس فتقف الفتاة وتحارب أهلها من أجل أن تتجوز الشاب، ويمكن أحيانا أن تهرب الفتاة مع الشاب المتقدم لها إذا كانت تحبه، وذلك لن يحدث بسبب عاداتنا وتقاليدنا، ولأنه يجب أن يكون للفتاة ولي عليها كي يزوجها. أما بالنسبة للشاب فتقول دلول: يمكن أن يتزوج أي فتاة أخرى غير التي اختارها وذلك بحسب رغبة أهله وبما يحددوه، ويصبح هذا الشاب انطوائيا وليس له أي قرار.
كما ترى دلول أنه يمكن حل المشكلة من خلال توعية الأهالي وعمل المؤسسات الأهلية للقضاء على هذه الظاهرة، بالإضافة إلى المصالحة الفلسطينية الضرورية لأن هذه الظاهرة لم تكن موجودة في السابق. وتضيف: ليس كل الناس حماس وفتح ولكن هناك عائلات مستقلة ومحافظة وهي على درجة عالية من الوعي، ولكنها أيضا لا تزوج أبناءها لأشخاص ينتمون لتنظيمات فلسطينية.
التعليقات (0)