مواضيع اليوم

الإنتقال من وهم الأشقاء إلى واقع الجوار الحدودي

مصـعـب المشـرّف

2017-04-22 10:08:41

0

 الإنتقال من وهم الأشفاء إلى واقع الجوارالحدودي

مصعب المشـرّف

22 أبريل 2017م

د. غندور وزير الخارجية السوداني في مواجهة وزير الخارجية المصري 

زيارة وزير  خارجية الجارة جمهورية مصر العربية إلى جارة بلاده جمهورية السودان وإن كانت تصادف إهتماما إعلاميا . إلا  أنها تأتي هذه المرة بمواجهة قناعات وأسس جديدة في مجال العلاقات بين البلدين بعد أن آمن الشعب السوداني قاطبة أن مرحلة التعامل الرسمي والشعبي بين البلدين الجارين قد خرجت اليوم من أطر ومقولات الشعبين "الشقيقين" لتستوعبها مرحلة تاريخية جديدة تحكمها العلاقة بين دول الجوار ...... و ( نشكر)  الإعلام المصري الذي كان له القدح المعلى في تأطير هذا الواقع الجديد لطبيعة العلاقة بين البلدين.

وزير خارجية جمهورية مصر يظن بالطبع أن مجرد معانقته لوزير الخارجية السوداني وتبويس اللحى ؛ سيكون كافيا لحل المشاكل الملحة العميقة العالقة بين البلدين ...

ووزير الخارجية المصري يظن واهما أن تلويحه ببلطاقة (أبواق) الإعلام المصري وأنه سيعطي التوجيهات اللازمة لهذا الإعلام بوقف هجومه وتهكمه على السودان وشعبه ... يظن أن هذا سيكون كافيا إلى حيازة رضا النظام الحاكم في السودان والشعب السوداني .....

نحن اليوم لم نعد بحاجة إلى جني الإطراء من الإعلام المصري أو نخشى هجومه علينا . فقد خرج الإنسان السوداني بنفسه إلى العالم أجمع . وحصد بنزاهته وأخلاقه إعجاب وتقدير كافة الشعوب التي تعايش معها في بلدانها ... ويكفيه فخراً أن حصل على الرتبة الأولى في درجة النزاهة بين شعوب الدول العربية والأفريقية .. كما حصل على المركز الثاني من حيث النزاهة بين شعوب العالم كافة بعد الشعب الإيرلندي ..... وحتما لو كان السودان قد إلتزم بمنح جوازات السفر والأوراق الثبوتية للمواطن السوداني وحده ولم يخلط ذلك بمنح مئات الآلاف من الشعوب الأخرى جوازات سفر وأوراق ثبوتية سودانية ... لكان السوداني قد تربه على المرتبة الأولى بجدارة ، وفارق فلكي على كافة شعوب العالم الأخرى.

وفي جانب تلويح وزير الحارجية المصري بورقة الإعلام المصري . يهمنا هنا تذكيره بأن تأثير الإعلام المصري الذي كان على عهد جمال عبد الناصر وجزءا من حقبة حكم السادات قد أصبح في خبر كان ... وبالتالي إحترقت ورقة المساومة بالإعلام المصري وذابت في الماء . وأصبحت عجينة بعد تفشي ثورة المعلوماتية وإمتلاك السودان والدول العربية فضائيات خاصة بها وأقمار صناعية ... وأن إذاعة صوت العرب قد أصبحت شييهة بموميات الفراعنة المحنطة .. وأن الصحف والمجلات من قبيل الأهرام والأخبار والمصور وآخر ساعة قد تحولت حتى داخل مصر نفسها إلى صحف ومجلات حائط . وأتحدى أن تجري مؤسسات إستطلاع متخصصة دراسة وسط الشباب العربي المولود في عام 1975 وحتى تاريخه لمعرفة ما إذا كانوا يعرفون أو سمعوا بأسماء هذه الصحف والمجلات المصرية والإذاعات أو أنهم يحرصون على مشاهدة القنوات الفضائية المصرية بإنتظام وشغف وإهتمام.

قديما كان التطويق الإستخباراتي المصري للإعلام السوداني سهلا (زهيد التكلفة) بسبب بساطة الهيكل الإداري للدولة ، وقلة عدد الصحف وتبعية الإذاعة والتلفزيون للحكومة .. ولكنه أصبح اليوم من ضروب المحال ، بعد أن تعددت الصحف والقنوات الخاصة ، وبروز المواقع الألكترونية والفيس بوك واليوتيوب .. إلخ. ووسائل عرض إعلامي وتواصل إجتماعي باتت جميعها تستقطب قراء ومعلقين أضعافا مضاعفة عن تلك التي تستقطب وتجتذبها الصحافة الورقية والشاشات الفضائية التقليدية ووسائل التواصل الألكتروني

وفي الجانب الإستخباراتي الذي كانت تميل فيه كفة الميزان لمصلحة مصر . فإن أكثر ما فقدته مصر من أسلحة إستخباراتية عميقة إستراتيجية في داخل السودان جراء إمتداد فترة حكم الإنقاذ الأطول اليوم من نوعها في القارة الأفريقية .. أكثر ما فقدته هو تلك "الرموز" العميلة و "الموالية" لمصر في السودان أو ما كان يطلق عليه قبل 28 سنة مسمى الطابور المصري الخامس في السودان. .... وهو الطابور الذي تشكل من أصحاب الحنسية المزدوجة بين البلدين و ساسة فاسدون ومسئولين مرتشون ورجال أعمال إنتهازيون .. وناشطين إجتماعيين ومدراء في الخدمة العامة ورؤساء تحرير وصحفيين وإعلاميين والقائمة تمتد وتطول من أولئك الصنف الرخيص الذي تغريه وتنحرف به اللقمة واللقمتان . ويفرح بتذكرة سفر مرجعة مجانية على متن خطوط مصر للطيران لقضاء إجازة حميمية في القاهرة والأسكندرية.... وهي قد تكون للأسف تحت رقابة وتدبير جهاز الإستخبارات المصري الذي يقوم بتصوير أفلام لهذه اللقاءات الحميمية التي يتورط بها البعض وتصبح مجالاً للمساومة ووسيلة للإبتزاز على أعلى المستويات.

وقد كنت ولا أزال على الرأي بأن تفكيك هذه المنظومة الإستخباراتية المصرية التي تجذرت منذ إحتلال محمد أغا إبراهيم القوللي (محمد علي باشا) السودان عام 1821م بإسم الباب العالي في الإستانة ..... يعود الفضل في تفكيك هذه المنظومة وتقليل تأثيرها إلى الراحل الدكتور حسن الترابي ؛ بما كان يمتلكه من دهاء إستثنائي وغايات تبرر الوسائل ؛ مكنته من وضع يده على الشيفرة السرية التي فتحت له أبجديات الملف الأمني الذي ظل يلتزم به المخطط الإستراتيجي الإستخباراتي المصري في العلاقة مع الجار السودان.

وقد ساعد الترابي في هذا التفكيك إبتداع نظام الحكم الولائي وتعدد القنوات الفضائية وكثرة الصحف السودانية .... وترهل الهيكل الإداري للدولة ، وإزدواجية وتعدد مراكز إتخاذ القرار ؛ مما جعل من الصعب على الإستخبارات المصرية تشكيل خلايا موالية لها بسهولة .. لاسيما إذا أخذنا في الإعتبار أن أجهزة الأمن والإستخبارات في السودان قد تطورت نوعيا وكمياً بالمقارنة مع الماضي .

قدرات ورغبات مصر في مساعدة السودان هي من قبيل الوهم الكبير .. لا بل قد أثبتت شفافية المعلوماتية الحديثة حرص حكومة السيسي على لإبقاء العقوبات الأمريكية في حق السودان ... وتبنيها للحركة الشعبية بقيادة جون قرنق ثم وللحركة الشعبية قطاع الشمال ... لا بل كانت ولا تزال تستضيف أقطاب حزب الأمة ما دام هؤلاء في صفوف المعارضة لنظام حكم قائم في الخرطوم .. وهكذا يمضي من جهتهم الحال والمنوال.... وغداً لو وصلت الحركة الشعبية قطاع الشمال إلى السلطة ؛ لعجلوا بإيواء وإستيعاب ودعم معارضيها وخصومها....

في برنامج (نادي الإعترافات) الذي تقدمه قناة أمدرمان الفضائية الخاصة .. وفي لقاء مع الدكتور شريف التهامي الذي شغل منصب وزير الطاقة خلال عهد الرئيس نميري ... تحدث التهامي بشفافية عن العلاقة بين السودان و مصر فأكد أن قناعات معظم أهل السودان بأن مصر ترغب أو لديها الإستعداد لمساعدة السودان ليست سوى أوهام كبرى ... وكان من ضمن شهادته تلك أنه عند تفاقم أزمة شح البوقود في السودان على عهد نميري . وجهه نميري بالسفر إلى مصر لطلب تموين السودان بالوقود على نحو عاجل ..... وواصل قوله أنه أصيب بالذهول حين صرح له المسئولين المصريين بأنهم لا يعطون شي دون مقابل .. ... وهكذا كان دأبهم حتى في منح البعثات التعليمية التي كان السودان يخصم تكاليفها من مديونية مصر السنوية من مياه النيل التي يمنحها لها السودان سلفة وتبلغ 6 مليار متر مكعب سنويا.

ولكن الشاهد أن الانظمة الحاكمة في الخرطوم طوال السابق كانت تتعاطى مع القاهرة بقدر تكتيكي من التكتم وعدم الشفافية ليس حبا فيها ؛ ولكن لإستخدام تقاربها (الوهمي) مع القاهرة للإستهلاك السياسي المحلي . وبما يعزز موقفها وبما يعطي الإنطباع (الكاذب) للمواطن السوداني أن مصر تقف مع هذا النظام وذاك. ....... وهذا كل ما في الأمر.  

على أية حال ؛ فإن مخرجات الزيارة التي قام بها وزير خارجية جمهورية مصر إلى الجارة الحدودية جمهورية السودان  جاءت لتؤكد أن الحكومة المصرية ليست جادة في الخوض بلمفات المشاكل الحقيقية العالقة بين البلدين..... وأنها (مصر) لايهمها سوى مصلحتها هي وحدها. والشيء الجديد أن هذه الزيارة قد أتت في ظرف وزمان ليس مواتيان بالنسبة للحكومة المصرية التي تبتعد يوما إثر يوم عن الإجماع العـربي بقيادة السعودية .. وعن الساحة الأفريقية التي تمثل فيها أثيوبيا موقع القلب .

من مخرجات هذه الزيارة كان الآتي:

ترغب مصر أن يعيد السودان إستيراد المنتجات الغذائية المصرية رغم شهادة شهود من أهلها بأنها فاسدة وملوثة . وتؤدي إلى الإصابة بالسرطان والكبد الوبائي .. ولا تجد لها اليوم أسواقا ترضى بها في كافة أنحاء العالم ..... وهو ما يعيدنا إلى المربع رقم (1) حيث تعشعش في الذهنية المصرية أن السودان حديقتها الخلفية ومزبلتها الطبيعية.

بقي ملف سد النهضة الأثيوبي عصيا على التوافق ما بين السودان ومصر .... فالسودان يطمح إلى إيجاد حلول جذرية لأزمة نقص الطاقة لديه ... ويأمل أن يؤدي سد النهضة الأثيوبي إلى تحويل شرق السودان والبطانة إلى حنة عدن أفريقية .... وبما يمكن من توجيه المزيد من الطاقة إلى كردفان ودارفور على نحو يحقق أحلامنا في تحويلهما إلى أستراليا أفريقية ......

إمكانات السودان بوصفه سلة غذاء عالمية موعودة لن تثمر واقعاً إلا بطاقة كهربائية كافية لتلبية متطلبات الزراعة الآلية وتوطين الرعاة . وإنشاء الصوامع والثلاجات المبردة . ووسائل النقل السريع المتعددة.....

لأجل كل هذا وبعضه فلا أفضل من أقتباس تجربة الإتحاد الأوروبي في العلاقة بيننا وبين أثيوبيا وأرتريا على أقل تقدير.  

إحالة ملف إحتلال مصر لمثلث حلايب وشلاتين ، و فرس السودانية إلى الرئاسة في كلا البلدين يعني في العرف الدبلوماسي تحنيط  هذا الملف والصحك على النفس .. وأفضل ما يمكن أن يرشح من مقترحات هو جعل هذا المثلث السوداني منطقة تكامل .. تكامل أثبت فشله الذريع عبر العصور بسبب أن شريان الماء الذي يمتد من السودان إلى مصر كان ولا يزال يشكل الهاجس الأكبر لمصر .. والذي يحرص بسببه مخططها الإستراتيجي على الحفاظ بدرجة العلاقة مع السودان ضمن إطار الملف الأمني ؛ الذي يقلقه ويزعجه نمو الإقتصاد السوداني وإنفتاحه سياسيا وثقافيا على الغير.

وفي مجال العلاقة بين البلدين . فالحقيقة أنه ليس بيننا مصالح مشتركة ..... والواقع أنه على العكس من ذلك ؛ مصالحنا متضاربة من الألف إلى الياء ...  فأنتعاش السودان هو إنكماش لمصر ... وإنتعاش مصر هو إنكماش للسودان ..... وبالتالي فلا أقل من الإعتراف ، بأن المطلوب اليوم هو إيجاد صيغة مقبولة للتعايش السلمي بين الدولتين الحارتين ليس إلاّ .... ولكم دينكم ولي ديــن.

ومن ثم ؛ فإن الأفضل اليوم للسودان هو الآتي:

1)  نعديل إستراتيجية العلاقة مع مصر لتصبح علاقة جوار قائمة على تقديم السودان لمصالحه ووفق ما تمليه عليه هذه المصالح. وفي إطار المعاملة بالمثل.

2)الإلتفات إستراتيجيا إلى العمق الأفريقي ، وتطوير علاقات تكامل إقتصادي مع دول منتبع النيل.

3)تعزيز العلاقات الثنائبة مع الجارة أثيوبيا . وتطويرها على النحو الذي يرفع من درجة إتفاقية التكامل العسكري والأمني التي وقعت مؤخراً لتصبح إتفاقية دفاع مشترك.

4)تطوير مراكز دراسات إستراتيجية ؛ توكل إدارته لخبير برنبة أو درجة مستشار لرئيس الجمهورية.

5)البحث بجدية في مخطط لملء الفراغ السكاني في أقصى شمال السودان . خاصة في المناطق الحدودية المتاخم لمصر .. وهو الفراغ الذي نجم عن تفريغ تلك المنطقة من سكانها وتهجيرهم إلى خشم القربة .

    




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات