تقرير حقوقي: الإنترنت "كرة ثلج" تنقلب على الأنظمة العربية
"فيس بوك" بيئة افتراضية لممارسة الحريات.. تويتر لحشد النشطاء السياسيين
أطلقت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تقريرا جديدا يتناول الكثير من الموضوعات المتعلقة بـ "الإنترنت" في العالم العربي، حيث وصف شبكة المعلومات الدولية بأنها تحولت إلى كرة ثلج ديمقراطية لا يستطيع أن يوقفها الحجب والرقابة والاعتقال وممارسات التعذيب التي تمارسها بعض الحكومات العربية ضد مستخدميها.
أكد التقرير الذي أصدرته الشبكة العربية، يوم الأربعاء 23 /12 /2009، في 235 صفحة تحت عنوان (شبكة اجتماعية واحدة.. ذات رسالة متمردة)، أن زيادة عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي وتضاعفهم في ثلاث سنوات، قد واكبته زيادة في حدة القمع والتحرش بمستخدميه، حتى في بعض البلدان التي عرفت سابقا باعتدالها مثل المغرب والإمارات، وفي حين ظلت دول مثل السعودية وتونس وسوريا على رأس الدول التي تمارس الحجب الصارم لمواقع الإنترنت، فإن مصر التي توقفت عن سياسة حجب المواقع منذ خمس سنوات، أصبحت الدولة العربية الأشد قمعا لنشطاء الإنترنت والمدونين.
مستخدمين
كما وصف التقرير العالم العربي بأنه من أسوأ المناطق في العالم ممارسة للرقابة على الإنترنت واعتقال المدونين والناشطين ومحاكمتهم، كما تعد الدول العربية ضيفا دائما على قائمة أعداء الإنترنت التي أعدتها منظمة مراسلون بلا حدود، والتي ضمت 12 دولة على مستوى العالم لعام 2009 جاء منها أربع دول عربية هي مصر والسعودية وتونس وسوريا.
التدوين في العالم العربي
في معرض حديثه عن التدوين في العالم العربي، أكد تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن المدونين المصريين حملوا لواء المبادرة، واستطاعوا رفع هامش حرية التعبير، عبر تسليط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية كانت تعد سابقا من "الطابوهات" كما استطاعوا كسر حاجز الخوف لدى قطاع كبير من مستخدمي الإنترنت معظمهم من الشباب وتشجيعهم على المشاركة السياسية الإيجابية.
ويمكن تصنيف المدونات العربية على أساس عددي وتبعا للدول، حيث تمثل مصر أكبر تجمع للمدونات ويقدر بثلث المدونات العربية، تليها السعودية، ثم الكويت، ثم المغرب.
ويعد المدونون المصريون هم الأكثر تحديا للقيود السياسية عبر مدوناتهم التي اشتهرت بالنقد الصريح، برغم مناخ القمع، فيما تركز المدونات السعودية على أمور شخصية أكثر من الأمور السياسية، تليها في الترتيب الكويت والتي يغلب عليها استخدام اللغة الإنجليزية، يليها المدونات السورية التي تقترب من المدونات السعودية في الموضوعات التي يتناولها المدونون، ثم تأتي المدونات المغاربية والتي تستخدم خليطا من العربية والفرنسية، وإن ظهر بين هذه المدونات بعض المدونين الذين تناولوا أيضًا أمورًا سياسية وكشفوا وقائع فساد، أودت ببعضهم إلى السجون، ولا سيما في سوريا وتونس والسعودية.
وتعد الشريحة العمرية الأكثر استخداما للمدونات هي الفئة العمرية بين 25 -35 عاما بنسبة 45% ويمثل المدونون العرب فوق الـ 35 عاما نسبة الـ9%، وتمثل الإناث 34% من المدونين العرب، وتتواجد أكبر نسبة للإناث مقارنة للذكور المدونين في مصر في الفئة العمرية من 18 إلى 24 عاما، حيث تمثل الإناث فيها 47%، وتليها نسبة المدونين من الإناث في السعودية حيث تمثل 46%.
دول :
"الفيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب".. أسماء لمواقع يطلق عليها خبراء الإعلام "الميديا الجديد"، والتي باتت تحتل الآن المراكز الأولى في ترتيب المواقع الأكثر زيارة على مستوى العالم، وقد رصد تقرير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قوة وتأثير هذه المواقع، وكيف استخدمها نشطاء الإنترنت كأدوات في صراعهم من أجل انتزاع حقهم في التعبير عن الرأي وفضح الفساد والقمع في العالم العربي.
دولة الفيس بوك!
لو كان "الفيس بوك" دولة لأصبحت رابع أكبر بلد من حيث عدد السكان في العالم، وهو يحتل الآن المركز الخامس عالميا من حيث إقبال المستخدمين على زيارته، ونظرا للإمكانيات الهائلة التي يتيحها فقد أوجد بيئة افتراضية لممارسة النشطاء في المجتمع لحرياتهم بشكل كبير، مما جعل لهذا الموقع تأثيرًا واضحًا على الرأي العام العربي، وبات بمثابة "العدو" اللدود لبعض الحكومات التى فشلت في السيطرة عليه، خاصة أنه أصبح ضمن الأدوات والمواقع الأساسية التي اعتمدت عليها القوى السياسية والناشطين لإثراء الروح الحماسية لدى المستخدمين عامة والشباب على وجه الخصوص.
وتزايد استخدام موقع الفيس بوك والإقبال عليه من الشباب العربي، خاصة بعد إدخال بعض التعديلات على الموقع وإتاحته للغة العربية، فضلا عن أن الموقع تجاوز في قدراته التواصلية كل الإمكانات التي كانت تتيحها الإنترنت الكلاسيكية من غرف المحادثة والمجموعات البريدية والمنتديات... إلخ، وتلبيته لإشباع درجات أعلى من التواصل، حتى بات عدد مستخدميه في العالم العربي حتى سبتمبر 2009 يقترب من 12 مليون مستخدم، وهي نسبة كبيرة لموقع لم يكن معروفا عربيا قبل عام 2006.
وتعتبر مصر من الدول الأولى في العالم العربي استخداماً للفيس بوك، وهو ما منحه تأثيرا في الحياة السياسية في مصر خاصة وتحديدا بعدما اندلعت منه شرارة الإضراب الشهير وحركة 6 أبريل، أو الحملات المنددة بالتوريث والمعارضة للحزب الوطني الحاكم، مما دفع الأخير إلى استخدام أعضائه في إنشاء المجموعات المضادة لتلك التي أنشأتها قوى المعارضة.
الفلسطينيون يحضرون بقوة
وكان من المنطقي أن يصبح الفيس بوك طرفا في الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، مثل غيره من المواقع المهمة على شبكة الإنترنت، حيث أصبح ساحة جديدة لهذا الصراع السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخرا إلى شكاوى من مستوطنين يهود غاضبين من إدراج موقع الفيس بوك لهم كسكان في "فلسطين" دفعت الموقع إلى السماح للمستخدمين بتغيير ذلك إلى "إسرائيل".
إنتهاكات :
وهناك مجموعات كثيرة على الموقع تناولت شخصيات فلسطينية بارزة منها محمود درويش، ناجي العلي، جورج حبش، غسان كنفاني، ياسر عرفات، حيدر عبد الشافي، والذين لم يكتف معجبوهم بإنشاء مجموعة واحدة لكل منهم فحسب، بل تخطى الأمر إلى إنشاء عشرات المجموعات لمعظمهم، خصوصا ناجي العلي الذي اقتسم ورمزه حنظلة معظم شعارات الفيس بوك الفلسطينية.
ولم تكن المجموعات وحدها ميدان الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، بل وكذلك التطبيقات (Applications) المتاحة لجميع المشتركين، ومنها "الأعلام" التي تصدّرها العلم الفلسطيني بكثافة، وكذلك تطبيق "أنا فلسطيني" الذي بإمكان المشتركين الفلسطينيين إضافته لتزدان صفحاتهم بصور من المدن الفلسطينية وخريطة فلسطين ولقطات من المقاومة ضد الاحتلال، وكذلك المنتديات (Causes) التي تجمع تبرعات للفلسطينيين ومنها: فلسطين الحرة، حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وغيرها العشرات، إلى جانب تطبيق الـ(Fans) الذي يتيح اختيار شخصيات بعينها لتكون محط إعجاب مشتركي الفيس بوك، وكان من أبرزهم ناجي العلي، ومحمود درويش، ومروان البرغوثي، وغسان كنفاني، وحتى المطربون الذين ارتبطت أسماؤهم بالقضية الفلسطينية ومنهم مارسيل خليفة ونصير شمّا.
هذا، فضلا عن دعوات (Invitations) لفعاليات فنية فلسطينية عدة في الوطن والمنفى، إلى جانب مجموعات اختارت التطرق للقضية من خلال القالب الكوميدي ومنها مجموعة أبو فايك، ومجموعة مصطلحات فلسطينية، وغيرهما ممن تحيي اللهجة الفلسطينية الفلاحية.
تويتر.. الحصان الأسود
"تويتر".. أحد وسائل الإعلام الشعبي الجديد في عالم الشبكات الاجتماعية المنتشرة حاليا، والذي يقدم خدمة تدوين مصغرة تتم عن طريق إرسال رسالة نصية من الهاتف المحمول لأي مشترك في الخدمة شبه المجانية عبر الموقع، لتصل لكل أصدقائه أو معارفه أو من طلبوا متابعة أخباره من قبل.
بظهور "تويتر" تغير المشهد الإعلامي في العالم فتحول من وسيلة للتواصل الاجتماعي، إلى وسيلة حشد ودعم للمعارضة والنشطاء، سواء للتنظيم أو طلب معلومات كما حدث في الانتخابات الأمريكية والانتخابات الإيرانية، كما أصبح وسيلة هامة في يد المراسلين الصحفيين في نقل تطورات أي حدث مهم مثل المظاهرات او الاحتجاجات لحظة بلحظة من مناطق الحدث، ودون احتياج إلا لهاتف محمول واشتراك مسبق في موقع تويتر.
فبعد دخولك على الصفحة الرئيسية وإنشاء حساب لك في خطوات بسيطة وسهلة، فكل ما عليك فعله أن تجيب عن سؤال ماذا تفعل الآن في ما لا يزيد على 140 حرفا فقط، وهي مساحة الرسائل القصيرة على التليفونات المحمولة ثم تضغط أرسل حتى تصل لكل أصدقائك أو متابعيك (Followers) على هواتفهم المحمولة، وفي نفس الوقت على الصفحات الرئيسية لموقع تويتر الخاص بهم، وكل هذا بتكلفة رسالة نصية قصيرة واحدة فقط.
وخير مثال لإمكانية استفادة النشطاء السياسيين من تطبيقات "تويتر" هو ما حدث في "الانتفاضة الشعبية" التي رافقت الانتخابات الإيرانية في مطلع صيف العام 2009، وقد يكون النمو الهائل الذي وصلت إليه الرسائل التي نقلها موقع تويتر عائدا في جزء منه إلى هذه الانتفاضة الشعبية التي لعب تويتر فيها دور الحصان الأسود.
فقبل الانتخابات مارست الحكومة الإيرانية تضييقا شديدا على وسائل الإعلام من القنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية والصحف المحلية، وتم حجب شبكة الفيس بوك على الإنترنت قبل أيام من الانتخابات حتى تغلق كل الأبواب في وجه المعارضة لو حاولت حشد أنصارها.
وفي مواجهة هذا التعتيم الإعلامي لم يجد مناصرو المرشح المعارض "موسوي" من الجيل الجديد أي وسيلة للاتصال وتبادل المعلومات والأخبار سوى تويتر، حيث بدءوا حملة واسعة على تويتر لحشد أنصار موسوي وتنظيم المظاهرات وتحديد مواعيدها، كما تم الكشف عن الجرائم والانتهاكات التي قامت بها قوات الشرطة الإيرانية من مداهمات للمنازل واعتقالات، وهو ما جعل صوت المعارضة الإيرانية يصل للعالم كله عن طريق رسائل قصيرة لا تتعدى 140 حرفا.
وبرغم استخدام "تويتر" بنجاح كبير من قبل بعض النشطاء العرب، فإن هذا الاستخدام ما زال في حدود الحالات الفردية، ولم يصبح بدرجة فعالية المنتديات أو المدونات والفيس بوك.
يوتيوب.. صوت وصورة
لم يفُت نشطاء الإنترنت العرب وبخاصة المدونون فرصة وجود وسيلة مهمة تنقل بالصوت والصورة مشاهدات من الحياة اليومية إلى وسائل الإعلام التقليدية التي تسيطر على أغلبها الحكومات العربية، دون أن يستثمروها، لاسيما في الموضوعات المسكوت عنها، مثل: المطالبة بالديمقراطية، أو فضح وقائع الفساد والقمع، المنتشرة في العالم العربي.
"الحجب غير مجد ولا يفيد".. هذا هو الدرس الذي تعلمته العديد من الحكومات العربية، لذلك فقد لجأت بعض الحكومات لإشراك بعض مستخدمي الإنترنت في محاربة الصور النمطية التي يتم تداولها عنها، وبالطبع كان لموقع "يوتيوب" مكانة خاصة في نشر هذه الصور النمطية التي لا ترضى عنها بعض هذه الحكومات العربية، وبالتالي لجأت السلطات السعودية إلى دفع بعض المستخدمين لشطب ومسح ما لا ترضى عنه في موقع يوتيوب، عبر إطلاق حملة أسموها "تطهير موقع يوتيوب" من المقاطع المسيئة للمملكة والعائلة الحاكمة والأمراء.
وفي الكويت، لم يجد المدونون هناك أفضل من تعبير "غزوة اليوتيوب" للسخرية من دعوة أطلقها النائب "محمد المطيري" بأن حجب اليوتيوب هو "واجب شرعي وواجب وطني" بسبب ما يتضمنه الموقع من مواد إباحية أو ضد الإسلام من وجهة نظره.
وبرغم أن موقع "يوتيوب" قد ظهر حديثا، حيث لا يتعدى أربعة أعوام، لكنه أصبح من أكثر المواقع التي تتعرض للحجب في مختلف دول العالم، إن لم يكن أكثرها على الإطلاق، حيث منعته العديد من الدول مثل (تركيا، تايلاند، الإمارات، سوريا، باكستان، تونس، السودان، إندونيسيا، البحرين، الكويت وغيرها).
ويبدو أن أهم المفارقات التي نخرج بها من التقرير أن الأنظمة العربية قد تلقت "صفعة" غير متوقعة عندما لم تضع في حساباتها أن خططها الطموحة لتحديث بنية الاتصالات وجذب الاستثمارات في مجال تكنولوجيا المعلومات وزيادة حجمها وزيادة عدد مستخدمي الإنترنت، سوف تنقلب ضدها.
ــــــــــــــــ
التعليقات (0)